التّهدیدات الفرعونیة الجوفاء:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأعراف / الآیة 123 ـ 126 الاستقامة الواعیة:

عندما توجهت ضربة جدیدة ـ بانتصار موسى على السحرة وإیمانهم به ـ إلى أرکان السلطة الفرعونیة، استوحش فرعون واضطرب بشدّة ورأى أنّه إذا لم یظهر أی ردّ فعل فی مقابل هذا المشهد، فسیؤمن بموسى کل الناس أو أکثرهم، وستکون السیطرة على الأوضاع غیر ممکنة، لهذا عمد فوراً إلى عملین مبتکرین:

فی البدایة وجه اتهاماً (لعلّه مرغوب عند السواد من الناس) إلى السحرة، ثمّ هددهم بأشدّ التهدیدات، ولکن على العکس من توقعات فرعون أظهر السحرة مقاومة عجیبة تجاه هذین الموقفین، مقاومة أغرقت فرعون وجهازه فی تعجب شدید، وأفشلت جمیع خططه، وبهذه الطریقة وجهوا ضربة ثالثة إلى أرکان السلطان الفرعونی المتزلزل، وقد رسمت الآیات اللاحقة هذا المشهد بصورة رائعة.

فی البدایة یقول: إنّ فرعوناً قال للسحرة: هل آمنتم بموسى قبل أن آذن لکم (قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لکم )؟!

وکأنّ التعبیر بـ «به» لأجل تحقیر موسى والإزدراء به، وکأنّه بجملة «قبل أن آذن لکم» أراد أن یظهر أنّه یتحرى الحقیقة ویطلب الحق، فلو کان عمل موسى (علیه السلام) یتسم بالحقیقة

والواقعیة لأذنت أنا للناس بأن یؤمنوا به، ولکن استعجالکم کشف عن زیفکم، وأنّ هناک مؤامرة مبیّتة ضد شعب مصر.

وعلى أیة حال، أفادت الجملة أعلاه أنّ فرعون الجبار الغارق فی جنون السلطة کان یدعی أن لا یحق للشعب أن یتصرف أو یعمل أو یقول شیئاً من دون إجازته وإذنه، بل لا یحق لهم أن یفکروا ویؤمنوا بدون أمره وإذنه أیضاً!!

وهذه هی أعلى درجات الإستعباد والاستحمار، أن یکون شعبٌ من الشعوب أسیراً وعبداً بحیث لا یحق له حتى التفکیر والإیمان القلبی بأحد أو بعقیدة.

وهذا هو البرنامج الذی یواصله «الاستعمار الجدید»، یعنی أنّ المستعمرین لا یکتفون بالاستعمار الاقتصادى والسیاسی والاجتماعی، بل یسعون إلى تقویة جذورهم عن طریق الاستعمار الفکری.

وتتجلى مظاهر هذا الإستعباد الفکری فی البلاد الشیوعیة أکثر فأکثر، بالحدود المغلقة، والأسوار الحدیدیة والرقابة الشدیدة المفروضة على کل شیء، وبخاصّة على الأجهزة الثقافیة.

ولکن فی البلاد الرأسمالیة الغربیة التی یظن البعض أنّه لا یوجد استعباد فکری وثقافی على الأقل وأن لکل أحد أن یفکر ویختار بحریة; یُمارس الإستعباد بنحو آخر، لأنّ الرأسمالیین الکبار بتسلّطهم الکامل على الصحف المهمّة، والإذاعات، ومحطات التلفزیون، وجمیع سبل الإرتباط الجمعی ووسائل الإعلام، یفرضون على المجتمع أفکارهم وآراءهم فی لباس الحریة الفکریة، ویوجهون المجتمع ـ عن طریق عملیة غسیل دماغ واسعة ومستمرة ـ إلى الوجهة التی یریدون، وهذا بلاء عظیم یعانی منه عصرنا الحاضر.

ثمّ یضیف فرعون قائلا (إنّ هذا لمکرٌ مکرتموه فی المدینة لتخرجوا منها أهلها ).

ونظراً إلى الآیة 71 من سورة «طه» التی تقول (إنّه لکبیرکم الذی علّمکم السحر ) یتّضح أنّ مراد فرعون هو أنّ هناک مؤامرة مدروسة وتواطؤاً مبیّتاً قد دبرتموه قبل مدّة للسیطرة على أوضاع مصر واستلام زمام السلطة، لا أنّکم دبرتموه للتو وقبل قلیل فی لقاء محتمل بینکم وبین موسى.

ومن هنا یتّضح أنّ المراد من (المدینة ) هو مجموع القطر المصری، والألف واللام ألف ولام الجنس، والمراد من (لتخرجوا منها أهلها ) هو تسلط موسى (علیه السلام) وبنی إسرائیل على

أوضاع مصر، وإقصاء حاشیة فرعون وأعوانه عن جمیع المناصب الحساسة، أو إبعاد بعضهم إلى النقاط البعیدة من البلاد، والآیة 110 فی هذه السورة شاهدة على ذلک أیضاً.

وعلى کل حال، فإنّ هذه التهمة کانت خاویة ومفضوحة، إلى درجة أنّه لم یکن یقتنع بها إلاّ العوام والجهلة من الناس، لأنّ موسى (علیه السلام) لم یکن حاضراً فی مصر، ولم یلتق بأحد من السحرة من قبل، ولو کان أستاذهم وکبیرهم الذی علمهم السحر، لوجب أن یکون معروفاً ومشهوراً فی جمیع الأماکن، وأن یعرفُه أکثر الناس، وهذه لم تکن اُموراً یمکن إخفاؤها وکتمانها، لأنّ التواطؤ مع أشخاص منتشرین فی شتى مناطق مصر على أمر بهذا القدر من الاهمیة غیر ممکن عملا.

ثمّ إنّ فرعون هدَّدهم بتهدید غامض ولکنّه شدید ومحکم، إذ قال: (فسوف تعلمون )!!

وفی الآیة اللاحقة بیّن تفاصیل ذلک التهدید الذی هدَّد به السحرة فاقسم بأن یقطع أیدیهم وأرجلهم ویصلبهم، إذ قال: (لأقطّعنّ أیدیکم وأرجلکم من خلاف ثمّ لأصلّبنّکم أجمعین ).

وفی الحقیقة کان مراده أن یقتلهم بالتعذیب والتنکیل، ویجعل من هذا المشهد الرهیب درساً للآخرین، لأن قطع الأیدی والأرجل، ثمّ الصلب على الشجر أمام الناس، ومنظر تدفق الدم من أجسامهم وما یرافق هذا من حالات النزع فوق المشانق إلى أن یموتوا، سیکون عبرة لمن یعتبر (ولابدّ من ملاحظة أن الصلب فی ذلک الزمان لم یکن یتمّ على النحو الذی یتمّ به الآن، وهو تعلیق المشنوق بوضع الحبل فی عنقه، بل کان الحبل یوضع تحت کتفیه حتى لا یموت بسرعة).

ولعل قطع الید والرجل من خلاف، کان لأجل أن هذا العمل یتسبب فی أن یموتوا بصورة أبطأ، ویتحملوا قدراً أکثر من الألم والعذاب.

والجدیر بالتأمل أن البرامج التی انتهجها فرعون لمکافحة السحرة الذین آمنوا بموسى، کانت برامج عامّة فی مکافحة الجبارین وتعاملهم الوحشی الرخیص مع أنصار الحق والمنادین به، فهم من جانب یستخدمون حربة التهمة حتى یزعزعوا مکانة أنصار الحق فی نفوس الجماهیر، ومن جانب آخر یتوسلون بسلاح القوّة والقهر والتهدید لتحطیم إرادتهم، ولکن ـ کما نقرأ فی ذیل قصّة موسى ـ لم یستطع هذان السلاحان أن یفعلا شیئاً فی نفوس أنصار الحق، ولن یفعلا.

لقد قاوم السحرة کلتا حربتی فرعون، وأجابوه جواب رجل واحد: إنّنا نرجع إلى ربّنا إذن (قالوا إنّا إلى ربّنا منقلبون ).

یعنی إذا تحقق تهدیدک الثّانی (وهو القتل) فمعناه أنّنا سننال الشهادة فی سبیل الدفاع عن الحق، وهذا لا یوجب ضرراً علینا، ولا ینقصنا شیئاً، بل یُعدّ سعادة وفخراً عظیماً لنا.

ثمّ إنّهم للردّ على تهمة فرعون، ولایضاح الحقیقة لجماهیر المتفرجین على هذا المشهد، واثبات براءتهم من أی ذنب، قالوا: إنّ الإشکال الوحید الذی تورده علینا هو أنّنا آمنا بآیات الله وقد جاءتنا (وما تنقم منّا إلاّ أن آمنّا بآیات ربّنا لمّا جاءتنا ).

یعنی أنّنا لسنا مشاغبین، ولا متآمرین، ولا متواطئین ضدک، ولیس إیماننا بموسى یعنی أنّنا نرید استلام أزمة الحکم، ولا أن نخرج أهل هذه البلاد من دیارهم، وأنت نفسک تعلم أننا لسنا بهذا الصدد، بل نحن عندما رأینا الحق وشاهدنا علائمه بوضوح أجبنا داعی الله ولبینا نداءه وآمنا به، وهذا هو ذنبنا الوحید فی نظرک لیس غیر.

وهکذا أظهروا لفرعون بالجملة الاُولى أنّهم لا یخافون أی تهدید، وأنّهم یستقبلون جمیع الحوادث والتبعات حتى الشهادة بمنتهى الشهامة، وبالجملة الثّانیة ردّوا بصراحة على الإتهامات التی وجهها فرعون إلیهم.

إنّ جملة «تنقم» مشتقة من مادة «نقمة» على وزن «نعمة» وهی فی الأصل تعنی رفض شیء باللسان أو بالعمل وتعنی کذلک العقوبة، وعلى هذا فإنّ الآیة أعلاه یمکن أن تکون بمعنى إنّ العمل الوحید الذی تنکره علینا هو أنّنا آمنا، أو یعنی أنّ العقوبة التی ترید أن تعاقبنا بها إنّما هو لأجل إیماننا.

ثمّ إنّهم أشاحوا بوجوههم عن فرعون وتوجهوا إلى الله سبحانه، وطلبوا منه الصبر والإستقامة، لأنّهم کانوا یعلمون أنّهم لا یستطیعون أن یقاوموا تلک العقوبات الثقیلة من دون نصره وتأییده وعونه، لهذا قالوا: (ربّنا أفرغ علینا صبراً وتوفّنا مسلمین ).

والملفت للنظر أنّهم بعبارة (أفرغ علینا صبراً ) أظهروا أن الخطر المحدق بهم بلغ الدرجة القصوى، فأعطنا یا ربّ أنت ـ أیضاً ـ آخر درجات الصبر والإستقامة، لأنّ «أفرغ» من مادة «الإفراغ» بمعنى صبّ السائل من وعاء حتى یفرغ.

سورة الأعراف / الآیة 123 ـ 126 الاستقامة الواعیة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma