أدلة التوحید فی السموات:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأنعام / الآیة 75 ـ 79 کیفیة استدلال إبراهیم على التوحید:

على أثر الکره الذی کان یحمله إبراهیم للأوثان وطلبه من آزر أن یترک عبادة الأصنام، تشیر هذه الآیات إلى نضال إبراهیم المنطقی مع مختلف عبدة الأصنام، وتبیّن کیفیة توصله إلى أصل التوحید عن طریق الاستدلال العقلی الواضح.

تبیّن أولا أنّ الله کما عرّف إبراهیم على أضرار عبادة الأصنام عرّفه على مالکیة الله وسلطته المطلقة على السموات والأرض: (وکذلک نرى إبراهیم ملکوت السماوات والأرض ) (1).

«الملکوت» من «ملک» بمعنى المالکیة والحکم و«الواو» و«التاء» اُضیفتا للتوکید والمبالغة، فالمقصود من الکلمة هنا حکومة الله المطلقة على عالم الوجود برمّته.

ولعلّ هذه الآیة إجمال للتفصیل الوارد فی الآیات التّالیة بشأن الکواکب والقمر والشمس وإدراک أنّها من المخلوقات لدى مشاهدة اُفولها.

أی إنّ القرآن بدأ بذکر مجمل تلک الحالات، ثمّ أخذ یفصّلها، وبهذا یتّضح المقصود من إراءة ملکوت السموات والأرض لإبراهیم (علیه السلام).

کما أنّه فی الختام یقول إنّ الهدف من ذلک هو أن یصبح إبراهیم من أهل الیقین: (ولیکون من الموقنین ).

لا شک أنّ إبراهیم کان موقناً یقیناً استدلالیاً وفطریاً بواحدانیة الله، ولکنّه بدراسة أسرار الخلق بلغ یقینه حدّ الکمال، کما أنّه کان مؤمناً بالمعاد ویوم القیامة، ولکنّه بمشاهدة الطیور المذبوحة التی عادت إلیها الحیاة بلغ إیمانه مرحلة «عین الیقین».

الآیات التّالیة تشرح هذا المعنى، وتبیّن استدلال إبراهیم من اُفول الکواکب والشمس على عدم الوهیتها، فعندما غطّى ستار اللیل المظلم العالم کلّه، ظهر أمام بصره کوکب لامع، فنادى إبراهیم: هذا ربّی! ولکنّه إذ رآه یغرب، قال: لا أحبّ الذین یغربون: (فلمّا جنّ اللیل رآ کوکباً قال هذا ربّی فلمّا أفل قال لا أُحبّ الآفلین ).

ومرّة اُخرى رفع عینیه إلى السماء فلاح له قرص القمر الفضّی ذو الإشعاع واللمعان الجذّاب على أدیم السماء، فصاح ثانیة: هذا ربّی: ولکنّ مصیر القمر لم یکن بأفضل من مصیر الکوکب قبله، فقد أخفى وجهه خلف طیّات الاُفق.

هنا قال إبراهیم: إذا لم یرشدنی ربّی إلى الطریق الموصل إلیه فسأکون فی عداد التائهین (فلما رآ القمر بازغاً قال هذا ربّی فلمّا أفل قال لئن لم یهدنی ربّی لأکوننّ من القوم الضّالّین ).

عند ذاک کان اللیل قد انقضى، وراح یجمع أطراف أستاره المظلمة هارباً من کبد السماء، بینما راحت الشمس تطل من المشرق وتلقی بأشعتها الجمیلة کنسیج ذهبی تنشره على الجبل والوادی والصحراء، وما أن وقعت عین إبراهیم الباحث عن الحقیقة على قرص الشمس الساطع صاح: هذا ربّی فإنّه أکبر وأقوى ضوءاً، ولکنّه إذ رآها کذلک تغرب وتختفی فی جوف اللیل البهیم أعلن إبراهیم قراره النهائی قائلا: یا قوم! لقد سئمت کل هذه المعبودات المصطنعة التی تجعلونها شریکة لله: (فلمّا رآ الشمس بازغة قال هذا ربّی هذا أکبر فلمّا أفلت قال یا قوم إنّی بریء ممّا تشرکون ).

الآن بعد أن عرفت أنّ وراء هذه المخلوقات المتغیّرة المحدودة الخاضعة لقوانین الطبیعة إلهاً قادراً وحاکماً على نظام الکائنات، فانّی أتجه إلى الذی خلق السموات والأرض، وفی إیمانی هذا لن أشرک به أحداً، فانّی موحّد ولست مشرکاً: (إنّی وجّهت وجهی للّذی فطر السماوات والأرض حنیفاً وما أنا من المشرکین ).

للمفسّرین کلام کثیر فی تفسیر هذه الآیة والآیات التّالیة بشأن ما دفع بإبراهیم الموحّد العابد لله الواحد، أن یشیر إلى کوکب فی السماء ویقول: هذا ربّی؟ ومن بین آراء المفسّرین الکثیرة نقف عند تفسیرین قد اختار کلاًّ منهما عدد من کبار المفسّرین، کما أنّهما مدعومان بشواهد من المصادر الحدیثیة:

الأوّل: یقول إنّ إبراهیم کان یرید شخصیاً أن یفکّر فی معرفة الله وأن یعثر على المعبود الذی کان یجده بفطرته النقیة فی أعماق ذاته، إنّه کان یعرف الله بنور فطرته ودلیل العقل الإجمالی إذ إنّ کلّ تعبیراته تدل على أنّه لم یکن یشک أبداً فی وجوده، ولکنّه کان یبحث عن مصداقه الحقیقی، بل لقد کان یعلم بمصداقه الحقیقی أیضاً، ولکنّه کان یرید أن یصل عن طریق الاستدلال العقلی الأوضح إلى مرحلة «حق الیقین».

وقد وقعت له هذه الحوادث قبل نبوته، ویحتمل أن تکون فی أوّل بلوغه أو قبیل ذلک.

نقرأ فی بعض التواریخ والرّوایات أنّ هذه کانت المرّة الاُولى التی یرنو فیها إبراهیم بنظره إلى السماء وإلى کواکبها الساطعة، لأنّ اُمّه کانت منذ طفولته قد أخفته فی غار خوفاً علیه من بطش نمرود الجبار وجلاوزته (2).

غیر أنّ هذا الاحتمال یبدو بعیداً، إذ یصعب أن نتصور إنساناً یعیش سنوات طویلة فی بطن غار ولا یخطو خارجه، ولو مرّة، فی لیلة ظلماء، فلعلّ الذی قوّى هذا الاحتمال فی نظر بعض المفسّرین هو تعبیر (رآ کوکباً ) الذی یوحی بأنّه لم یکن قد رأى کوکباً حتى ذلک الحین، ولکن هذا التعبیر لا یحمل فی الواقع مثل هذا المفهوم، بل المقصود هو أنّه، وإن کان قد رأى الکواکب والشمس والقمر مرّات حتى ذلک الوقت، فقد ألقى لأوّل مرّة نظرة فاحصة مستطلعة إلى هذه الظواهر. وکان یفکّر فی مغزى بزوغها واُفولها ونفی الاُلوهیة عنها، فی الحقیقة کان إبراهیم قد رآها مراراً، ولکن لا بتلک النظرة.

لذلک فإنّه عندما یقول: (هذا ربّی ) لا یقولها قاطعاً جازماً، بل یقولها من باب الفرض والاحتمال حتى یفکّر فی الأمر، وهذا یشبه تماماً حالنا ونحن نحاول أن نعثر على سبب حادثة ما، فنقلّب مختلف الاحتمالات والإفتراضات على وجوهها واحدة واحدة، ونستقصی لوازم کلّ فرضیة حتى نعثر على العلّة الحقیقیة، وهذا لا یکون کفراً، بل ولا حتى دلیلا على عدم الإیمان، بل هو طریق لتحقیق أکثر ولمعرفة أفضل، للوصول إلى مراحل أعلى من الإیمان، کما فعل إبراهیم فی مسألة «المعاد» إذ قام بمزید من الدراسة یوصل إلى مرحلة الشهود والإطمئنان.

جاء فی تفسیر العیاشی عن محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر أو الصادق (علیهما السلام) أنّه قال: «إنّما کان إبراهیم طالباً لربّه، ولم یبلغ کفراً، وانّه من فکر من الناس فی مثل ذلک فإنّه بمنزلته» (3).

وهنالک روایتان اُخریان یذکرهما تفسیر نورالثقلین بهذا الشأن.

أمّا التّفسیر الثّانی فیقول: إنّ إبراهیم کان یقول هذا الکلام أثناء مخاطبته عبدة النجوم والشمس، ویحتمل أن یکون ذلک بعد مخاصماته الشدیدة فی بابل مع عبدة الأوثان وخروجه منها إلى الشام، حیث التقى بهؤلاء الأقوام، وإبراهیم الذی کان قد خبر عناد الأقوام الجاهلة فی بابل وخطأ تفکیرهم، أراد أن یجلب إلیه إنتباه عبدة الکواکب والشمس والقمر، فأظهر فی البدایة أنّه معهم وقال لهم: إنّکم تقولون: إنّ کوکب الزهرة هو ربّی، حسناً، فلنر ما یحصل لهذا الإعتقاد فی النهایة، ولم یمض وقت طویل حتى أختفى وجه الکوکب النیر خلف ستار الاُفق المظلم، عندئذ إتّخذ إبراهیم من هذا الاُفول سلاحاً یواجههم به فقال: أنا لا یمکننی أن أتقبل معبوداً کهذا.

وعلیه، فإنّ عبارة (هذا ربّی ) تعنی: هذا ما تعتقدون أنّه ربّی، أو أنّه قالها بلهجة الاستفهام: «هذا ربّی؟».

ویؤیّد هذا التّفسیر أیضاً روایة فی «نور الثقلین» وتفاسیر اُخرى عن کتاب «عیون أخبار الرض (علیه السلام)». (4)


1. وعلى هذا، هناک محذوف مقدّر فی الآیة یدل علیه ما فی الآیات السابقة، فیکون مضمون الآیة: کما أرینا إبراهیم قبح ما کان علیه قومه من عبادة الأصنام کذلک نرى إبراهیم ملکوت السموات والأرض (تأمل بدقّة).
2. بحار الانوار، ج 11، ص 78 و 79.
3. تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 738.
4. تفسیر المیزان، ج 7، ص 205.
سورة الأنعام / الآیة 75 ـ 79 کیفیة استدلال إبراهیم على التوحید:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma