فالق الاصباح:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأنعام / الآیة 95 ـ 96 سورة الأنعام / الآیة 97

مرّة اُخرى یوجّه القرآن الخطاب إلى المشرکین، ویشرح لهم دلائل التوحید فی عبارات جذّابة وفی نماذج حیّة من أسرار الکون ونظام الخلق وعجائبه.

فی الآیة الاُولى یشیر إلى ثلاثة أنواع من عجائب الأرض، وفی الآیة الثّانیة یشیر إلى ثلاثة من الظّواهر السماویة.

یقول القرآن الکریم أوّلا: (إنّ الله فالق الحبّ والنوى ).

«الفلق» شقّ الشیء وإبانة بعضه عن بعض (1).

و«الحب» و«الحبة» تقال لأنواع الحبوب الغذائیة کالحنطة والشعیر ونحوهما من المطعومات التی تحصد، کما یقال ذلک لبروز الریاحین أیض (2).

و«النوى» من النّواة، قیل إنّه یخصّ نوى التمر، ولعل هذا یرجع إلى کثرة التمر فی بیئة العرب حتى کان العربی ینصرف ذهنه إلى نوى التمر إذا سمع هذه الکلمة.

ولننظر الآن إلى ما یکمن فی هذا التعبیر:

ینبغی أن نعلم أنّ أهم لحظة فی حیاة الحبّة والنّوى هی لحظة الفلق، وهی أشبه بلحظة ولادة الطفل وانتقاله من عالم إلى عالم آخر، إذ فی هذه اللحظة یحصل أهم تحوّل فی حیاته.

وممّا یلفت الإنتباه أنّ الحبّة والنّواة غالباً ما تکونان صلبتین، فنظرة إلى نوى التمر والخوخ وأمثالهما، وإلى بعض الحبوب الصلبة، تکشف لنا أنّ تلک النطفة الحیاتیة التی هی فی الواقع صغیرة، محصنة بقلعة مستحکمة تحیط بها من کلّ جانب، وأنّ ید الخالق قد أعطت لهذه القلعة العصیة على الإختراق خاصیة التسلیم واللیونة أمام إختراق نطفة النبات، کما منحت النطفة قوّة إندفاع تُمکّنها من فلق جدران قلعتها فتطلع النبتة بقامتها المدیدة، هذه حقّاً حادثة عجیبة فی عالم النبات لذلک یشیر إلیها القرآن على أنّها من دلائل التوحید.

ثمّ یقول: (یخرج الحىّ من المیّت ومخرج المیّت من الحىّ ).

یتکرر هذا التعبیر کثیراً فی القرآن مشیراً إلى نظام الموت والحیاة وتبدیل هذا بذاک، فمرّة ترى الحیاة تنبعث من مواد جامدة لا روح فیها فی أعماق المحیطات ومجاهل الغابات والصحاری، فیخلق من ترکیب مواد کلّ واحدة منها سم قاتل ومواد حیویة، وأحیاناً ترى العکس، فبإجراء تغییر بسیط على کائنات حیّة قویّة مفعمة بالحیاة تراها قد تحوّلت إلى کائن لا حیاة فیه.

إنّ موضوع الحیاة والموت بالنسبة للکائنات الحیّة من أعقد المسائل التی لم تستطیع العلوم البشریة الوصول إلى کنه حقیقتها ورفع الستار عن أسرارها لتخطو إلى أعماق مجهولاتها، ولتعرف کیف یمکن لعناصر الطبیعة وموادها الجامدة أن تطفر طفرة عظیمة فتتحوّل إلى کائنات حیّة.

قد یأتی ذلک الیوم الذی یستطیع فیه الإنسان أن یصنع کائناً حیّاً باستخدام الترکیبات الطبیعیة المختلفة وتحت ظروف معقّدة خاصّة، وبطریقة ترکیب أجزاء مصنعة، کما یفعلون بالمکائن والأجهزة، غیر أنّ قدرة البشر «المحتملة» فی المستقبل لا تستطیع أن تقلل من أهمیة مسألة الحیاة وتعقیداتها التی تبدأ من المبدع القادر.

لذلک نجد القرآن ـ وفی معرض إثبات وجود الله ـ کثیراً ما یکرر هذا الموضوع، کما یستدل أنبیاء عظام کإبراهیم وموسى، على وجود مبدأ قادر حکیم بمسألة الحیاة والموت لإقناع جبابرة طغاة مثل نمرود وفرعون.

یقول إبراهیم لنمرود: (ربّی الذی یحیی ویمیت ) (3)، ویقول موسى لفرعون: (وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتّى ) (4).

ینبغی ألاّ ننسى أنّ ظهور الحی من المیت لا یختص ببدایة ظهور الحیاة على الأرض فقط، بل یحدث هذا فی کلّ وقت بإنجذاب الماء والمواد الاُخرى إلى خلایا الکائنات الحیّة، فتکتسی کائنات غیر حیّة بلباس الحیاة، وعلیه فإنّ القانون الطبیعی السائد الیوم والقائل بأنّه لا یمکن فی الظروف الحالیة التی تسود الأرض لأىّ کائن غیر حی أن یتحوّل إلى کائن حی، وحیثما وجد کائن حی فثمّة بذرة حیّة وجد منها، هو قانون لا یتعارض مع ما قلناه، (فتأمل بدقّة)!

ویستفاد من روایات أئمّة أهل البیت (علیهم السلام) فی تفسیر هذه الآیة والآیات المشابهة لها، أنّ ذلک یشمل الحیاة والموت المادیین کما یشمل الحیاة والموت المعنویین أیض (5) فثمّة مؤمنون ولدوا لآباء غیر مؤمنین، وآخرون مفسدون وأشرار ولدوا لآباء من المتقین الأخیار، ناقضین قانون الوراثة بإرادتهم وإختیارهم.

وهذا بذاته دلیل آخر على عظمة الخلاّق الذی أعطى الإنسان هذه القدرة والإرادة.

النقطة الاُخرى التی ینبغی الإلتفات إلیها هی أنّ «یخرج» فعل مضارع و«مخرج» اسم فاعل، وهما یدلان على الاستمرار، أی إنّ نظام ظهور الحی من المیت وظهور المیت من الحی نظام دائم وعام فی عالم الخلق.

وفی ختام الآیة توکید للموضوع: (ذلکم الله فأنّى تؤفکون ) أی هذا هو ربّکم وهذه هی قدرته وعلمه اللامتناهی، فکیف بعد هذا تنحرفون عن الحق وتمیلون إلى الباطل؟

فی الآیة الثّانیة یشیر القرآن إلى ثلاث نعم سماویة: فیقول أولا: (فالق الإصباح )وذکرنا: أنّ «الفلق» هو شقّ الشیء وإبانة بعضه عن بعض، و«الإصباح» و«الصبح» بمعنى واحد.

إنّه تعبیر رائع، فظلام اللیل قد شبّه بالستارة السمیکة التی یشقها نور الصباح شقّاً، وهذه الحالة تنطبق على الصبح الصادق والصبح الکاذب کلیهما، لأنّ الصبح الکاذب هو الضوء الخفیف الذی یظهر فی آخر اللیل عند المشرق على هیئة عمود، وکأنّه شق یبدأ من الشرق نحو الغرب فی قبة السماء المظلمة، والصبح الصادق هو الذی یلی ذلک على هیئة شریط أبیض لامع جمیل یظهر عند إمتداد الاُفق الشرقی، وکأنّه یشق عباب اللیل الأسود من الأسفل ممتداً من الجنوب إلى الشمال، متقدّماً فی کلّ الأطراف حتى یغطّی السماء کلّها شیئاً فشیئاً.

کثیراً ما یشیر القرآن إلى نعمتی النّور والظلام واللیل والنهار، ولکنّه هنا یتناول «طلوع الصبح» کنعمة من نعم الله الکبرى، فنحن نعرف أنّ هذه الظاهرة تحدث لوجود جوّ الأرض، ذلک الغلاف الضخم من الهواء الذی یحیط بالأرض، فلو کانت الأرض ـ مثل القمر ـ عدیمة الجو، لما کان هناک «طلوعان» ولا «فلق» ولا «إصباح»، ولا «غسق» ولا «شفق» بل کانت الشمس تبزغ فجأة، بدون أیّة مقدمات ولسطع نورها فی العیون التی اعتادت على ظلام اللیل ولم تکد تفارقه، وعند الغروب تختفی فجأة، وتعم الظلمة الموحشة فی لحظة واحدة کل الأرجاء، غیر أنّ الجو الموجود حول الأرض والمؤدّی إلى حصول فترة فاصلة بین ظلام اللیل وضیاء النهار عند طلوع الشمس وغروبها یهیّىء الإنسان تدریجیاً لتقبّل هذین الاختلافین المتضادین والإنتقال من الظلمة إلى النّور، ومن النّور إلى الظلمة، شیئاً فشیئاً، بحیث إنّه یستطیع أن یتحمّل کل منهما، فنحن نشعر بالإنزعاج إذا کنّا فی غرفة مضاءة وانطفأت الأنوار فجأة وعمّ الظلام، ثمّ إذا استمر الظلام ساعة، وعاد النّور مرّة اُخرى فجأة، عادت معها حالة الإنزعاج بسبب سطوع الضوء المفاجىء الذی یؤلم العین ویجعلها غیر قادرة على رؤیة الأشیاء، وإذا ما تکرر هذا الأمر فإنّه لا شک سیؤذی العین، غیر أنّ (فالق الإصباح ) قد جنّب الإنسان هذا الأذى بطریقة رائعة (6).

ولکیلا یظن أحد أنّ فلق الصبح دلیل على أنّ ظلال اللیل أمر غیر مطلوب وأنّه عقاب أو سلب نعمة، یبادر القرآن إلى القول: (وجعل اللیل سکناً ).

من الاُمور المسلّم بها أنّ الإنسان یمیل خلال انتشار النّور والضیاء إلى العمل وبذل الجهد، ویتّجه الدم نحو سطح الجسم وتتهیّأ العضلات للفعالیة والنشاط، ولذلک لا یکون النوم فی الضوء مریحاً، بل یکون أعمق وأکثر راحة کلّما کان الظلام أشد، حیث یتّجه الدم فیه نحو الداخل، وتدخل الخلایا عموماً فی نوع من السکون والراحة، لذلک نجد فی الطبیعة أنّ النوم فی اللیل لا یقتصر على الحیوانات فقط، بل إنّ النباتات تنام فی اللیل أیضاً، وعند بزوغ خیوط الصباح الأولى تشرع بفعالیتها ونشاطها، بعکس الإنسان فی هذا العصر الآلی، فهو یبقى مستیقظاً إلى ما بعد منتصف اللیل، ثمّ یظل نائماً حتى بعد ساعات من طلوع الشمس، فیفقد بذلک نشاطه وسلامته.

فی الأحادیث الواردة عن أهل البیت (علیهم السلام) نجد التأکید على ما ینسجم مع هذا التنظیم، من ذلک ما جاء فی نهج البلاغة عن الإمام علی (علیه السلام) أنّه قال یوصی أحد قوّاده «... ولا تسر أوّل اللیل فإنّ الله جعله سکناً وقدره مقاماً لا ضعنا، فأرح فیه بدنک وروّح ظهرک» (7).

وفی حدیث عن الإمام الباقر (علیه السلام) أنّه قال: «تزوّج باللیل فإنّه جعل اللیل سکناً» (8).

وفی کتاب الکافی عن الإمام زین العابدین علی بن الحسین (علیه السلام) أنّه کان یأمر بعدم ذبح الذبائح فی اللیل وقبل طلوع الفجر، وکان یقول: «إنّ الله جعل اللیل سکناً لکلّ شیء» (9).

ثمّ یشیر الله تعالى إلى الثالثة من نعمه ودلائل عظمته بجعل الشمس والقمر وسیلة للحساب: (والشمس والقمر حسباناً ).

«الحسبان» بمعنى الحساب، ولعل القصد منه أنّ الدوران المنظّم لهاتین الکرتین السماویتین وسیرهما الدائب (المقصود طبعاً حرکتها فی أنظارنا وهی الناشئة عن حرکة الأرض) عون لنا على وضع مناهجنا الحیاتیة المختلفة وفق مواعید محسوبة، کما ذکرنا فی التّفسیر.

یرى بعض المفسّرین أنّ الآیة ترید أن تقول إنّ هاتین الکرتین السماویتین تتحرّکان فی السماء وفق حساب وبرنامج ونظام.

وعلیه فهی فی الحالة الاُولى إشارة إلى إحدى نعم الله على الإنسان، وفی الحالة الثانیة إشارة إلى واحد من أدلة التوحید وإثبات وجود الخالق، ولعلّها إشارة إلى کلتیهما.

على کل حال، إنّه لموضوع مهم جدّاً أن تکون الأرض منذ ملایین السنین تدور حول الشمس، والقمر یدور حول الأرض، وبذلک تنتقل الشمس فی أنظارنا من برج إلى برج بین الأبراج الفلکیة الاثنتی عشرة، والقمر یدور فی حرکته المنتظمة من الهلال حتى المحاق، أنّ حساب هذا الدوران من الدقّة والضبط بحیث إنّه لا یتقدّم ولا یتأخر لحظة واحدة، ولو لاحظنا أنّ الأرض تدور حول الشمس فی مدار بیضوی معدّل شعاعه 150 ملیون کیلومتر ضمن جاذبیة الشمس العظیمة، والقمر الذی یدورکل شهر حول الأرض فی مدار شبه دائرة شعاعه نحو 374 ألف کیلومتر ولا یخرج من جاذبیة الأرض العظیمة، فهو دائم الإنجذاب نحوها، عندئذ یمکن أن ندرک مدى التعادل الدقیق بین قوّة الجذب بین هذه الأجرام السماویة من جهة، والقوّة الطاردة عن مراکزها (القوّة المرکزیة) من جهة اُخرى، بحیث لا یمکن أن تتوقف لحظة واحدة أو تختلف قید شعرة.

وهذا ما لا یمکن أن یکون إلاّ فی ظل علم وقدرة لا نهائیتین یضعان تخطیطه وینفذانه بدقّة، لذلک تنتهی الآیة بقولها: (ذلک تقدیر العزیز العلیم ).


1. المفردات، للراغب الاصفهانی، ص 385.
2. المصدر السابق، ص 105.
3. البقرة، 258.
4. طه، 53.
5. اُصول الکافی، ج 2، ص 5، باب (طینة المؤمن والکافر); وتفسیر البرهان، ج 1، ص 543.
6. یقول علماء الفلک: یبدأ طلوع الصبح عندما تصل الشمس إلى 18 درجة قبل الاُفق الشرقی، ویعمّ الظلام کلّ شیء ویختفی الشفق عندما تصل إلى 18 درجة تحت الاُفق الغربی.
7. نهج البلاغة، الرسالة 12.
8. اصول الکافی، ج 5، ص 367; وسائل الشیعة، ج 20، ص 91.
9. اصول الکافی، ج 6، ص 236; والتهذیب، ج 9، ص 60.
سورة الأنعام / الآیة 95 ـ 96 سورة الأنعام / الآیة 97
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma