1ـ على الرّغم من أنّ «قرن» تعنی فترة طویلة من الزمن (مئة، أو سبعین أو ثلاثین سنة)، ولکنّها قد تعنی أیضاً ـ کما یقول اللغویون ـ القوم والجماعة فی زمان معیّن (القرن من الإقتران بمعنى التقارب، وبالنظر لأنّ أهل العصر الواحد أو العصور المتقاربة قریبون من بعضهم فقد یطلق علیهم وعلى زمانهم اسم القرن). (1)
2ـ یتکرر فی القرآن القول بأنّ الإمکانات المادیة الکثیرة تبعث على الغرور والغفلة لدى ضعفاء النفس من الناس کقوله تعالى: (إنّ الإنسان لیطغى * أن رآه استغنى ) (2) لأنّهم بتوفّر تلک الإمکانات عندهم یرون أنفسهم فی غنى عن الله، غافلین عن العنایة الإلهیّة والإمدادات الربانیة المغدقة علیهم فی کلّ لحظة وثانیة، ولولاها لما استمروا على قید الحیاة.
3ـ لیس هذا التحذیر مختصاً بعبدة الأصنام، فالقرآن یخاطب ـ أیضاً ـ الیوم العالم الصناعی الثری الذی أثملته الإمکانات المادیة وملأته بالغرور، ویحذّره من نسیان الأقوام السابقة وممّا حاق بهم نتیجة ما ارتکبوه من ذنوب، وکأنّی بالقرآن یقول للمغرورین فی عالمنا الیوم: إنّکم ستفقدون کل شیء بانطلاق شرارة حرب عالمیة اُخرى، لتعودوا إلى عصر ما قبل التمدّن الصناعی اعلموا أنّ سبب تعاسة اُولئک لم یکن شیئاً سوى إثمهم وظلمهم واضطهادهم الناس وعدم إیمانهم وهذه عوامل ظاهرة فی مجتمعکم أیضاً.
حقّاً إنّ دراسة تاریخ فراعنة مصر، وملوک سبأ وسلاطین کلدة وآشور، وقیاصرة الرّوم، ومعیشتهم الباذخة الأسطوریة وما کانوا یتقلّبون فیه من نعم لا تعدّ ولا تحصى، ثمّ رؤیة عواقب اُمورهم المؤلمة التی حاقت بهم بسبب ظلمهم الذی قوّض أرکان حیاتهم، فیها أعظم العبر والدروس.