قصّة فیها عبرة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأعراف / الآیة 163 ـ 166بحوث

فی هذه الآیات یستعرض مشهداً آخر من تاریخ بنی إسرائیل الزاخر بالحوادث، وهو مشهد یرتبط بجماعة منهم کانوا یعیشون عند ساحل بحر. غایة ما فی الأمر أنّ الخطاب موجه فیها إلى الرّسول الأکرم (صلى الله علیه وآله)، فیقول له: اسأل یهود عصرک حول تلک الجماعة، یعنی جدّد هذه الخاطرة فی أذهانهم عن طریق السؤال لیعتبروا بها، ویجتنبوا المصیر والعقاب الذی ینتظرهم بسبب طغیانهم وتعنتهم.

إنّ هذه القصّة ـ کما اُشیر إلیها فی الأحادیث الإسلامیة ـ ترتبط بجماعة من بنی إسرائیل کانوا یعیشون عند ساحل أحد البحار (والظاهر أنّه ساحل البحر الأحمر المجاور لفلسطین) فی میناء یسمى بمیناء «أیلة» (والذی یسمى الآن بمیناء ایلات) وقد أمرهم الله تعالى على سبیل الاختبار والامتحان أن یعطّلوا صید الأسماک فی یوم السبت، ولکنّهم خالفوا هذا التعلیم، فأصیبوا بعقوبة موجعة مؤلمة نقرأ شرحها فی هذه الآیات.

فی البدایة تقول الآیة: (واسألهم عن القریة التی کانت حاضرة البحر ). أی اسأل یهود عصرک عن قضیة القریة التی کانت تعیش على ساحل البحر.

ثمّ تقول: وذکّرهم کیف أنّهم تجاوزوا ـ فی یوم السبت ـ القانون الإلهی (إذ یَعدون فی السبت ) لأنّ یوم السبت کان یوم عطلتهم، وکان علیهم أن یکفوا فیه عن الکسب، وعن صید السمک ویشتغلوا بالعبادة، ولکنّهم تجاهلوا هذا الأمر.

ثمّ یشرح القرآن العدوان المذکور بالعبارة التالیة: (إذ تأتیهم حیتانهم یوم سبتهم شرّعاً )فالأسماک کانت تظهر على سطح الماء فی یوم السبت، بینما کانت تختفی فی غیره من الأیّام.

و«السبت» فی اللغة تعنی تعطیل العمل للإستراحة، وما نقرأوه فی سورة النبأ الآیة 9 (وجعلنا نومکم سباتاً ) اشارة ـ کذلک ـ إلى هذا الموضوع، وسمّى «یوم السبتِ» بهذا الإسم لأنّ الأعمال العادیة والمشاغل کانت تتعطل فی هذا الیوم، ثمّ بقی هذا الإسم لهذا الیوم علماً له.

ومن البدیهی أنّ صید الأسماک یشکّل لدى سکنة ساحل البحر مورد کسبهم وتغذیتهم، وکأنّ الأسماک بسبب تعطیل عملیة الصید فی یوم السبت صارت تحس بنوع من الأمن من ناحیة الصیادین، فکانت تظهر على سطح الماء أفواجاً أفواجاً، بینما کانت تتوغل بعیداً فی البحر فی الأیّام الاُخرى التی کان الصیّادون فیها یخرجون للصید.

إنّ هذا الموضوع سواء کان له جانب طبیعی عادی أم کان له جانب استثنائی وإلهی، کان وسیلة لامتحان واختبار هذه الجماعة، لهذا یقول القرآن الکریم: وهکذا اختبرناهم بشیء یخالفونه ویعصون الأمر فیه (کذلک نبلوهم بما کانوا یفسقون ).

وجملة (بما کانوا یفسقون ) إشارة إلى أنّ اختبارهم کان من خلال أدوات موافقة لأهوائهم وما من شأنه أن یدعوهم إلى المعصیة والمخالفة، وجمیع الاختبارات کذلک، لأن الاختبار یجب أن یبیّن مدى مقاومة الأشخاص أمام جاذبیة المعاصی والذنوب.

عندما واجهت هذه الجماعة من بنی إسرائیل هذا الامتحان الکبیر الذی کان متداخلا مع حیاتهم تداخلا کاملا، انقسموا إلى ثلاث فرق:

«الفریق الأوّل» وکانوا یشکّلون الأکثریة، وهم الذین خالفوا هذا الأمر الإلهی.

«الفریق الثّانی» وکانوا على القاعدة یشکلون الأقلیة، وهم الذین قاموا ـ تجاة الفریق الأوّل بوظیفة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

«الفریق الثّالث» وهم الساکتون المحایدون الذین لم یوافقوا العصاة، ولا قاموا بوظیفة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

وفی الآیة الثّانیة من الآیات المبحوثة هنا یشرح الحوار الذی دار بین الساکنین، وبین الذین تحرکوا للنهی عن ارتکاب هذه المخالفة فیقول: (وإذ قالت أُمّة منهم لِمَ تعظون قوماً اللهُ مهلکهم أو معذّبهم عذاباً شدیداً ) (1).

فأجابهم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنکر: بأنّنا ننهى عن المنکر لأنّنا نؤدّی واجبنا تجاه الله تعالى، وحتى لا نکون مسؤولین تجاهه، هذا مضافاً إلى أنّنا نأمل أن یؤثر کلامنا فی قلوبهم، ویکفوا عن طغیانهم وتعنتهم (قالوا معذرة إلى ربّکم ولعلّهم یتّقون ).

ویستفاد من الجملة الحاضرة أنّ هؤلاء الواعظین کانوا یفعلون ذلک بهدفین:

الأوّل: أنّهم کانوا یعظون العصاة حتى یکونوا معذورین عند الله.

والآخر: عسى أن یؤثروا فی نفوس العصاة، ویفهم من هذا الکلام أنّهم حتى مع عدم احتمال التأثیر، فإنّهم کانوا لا یحجمون عن الوعظ والنصیحة فی حین أنّ المعروف هو أنّ وجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر مشروطین باحتمال التأثیر.

ولکن لابدّ من الإنتباه إلى أنّه ربّما یجب بیان الحقائق والوظائف الإلهیّة حتى مع عدم احتمال التأثیر، وذلک عندما یکون عدم بیان الأحکام الإلهیّة، وعدم إنکار المنکر سبباً لتناسی وتنامی البدع، وحینما یعدّ السکوت دلیلا على الرضا والموافقة. ففی هذه الموارد یجب إظهار الحکم الإلهی فی مکان حتى مع عدم تأثیره فی العصاة والمذنبین.

إنّ هذه النقطة جدیرة بالإلتفات، وهی أنّ الناهین عن المنکر کانوا یقولون: نحن نرید أن نکون معذورین عند (ربّکم) وکأنّ هذا إشارة إلى أنّکم أیضاً مسؤوولون أمام الله، وإنّ هذه الوظیفة لیست وظیفتنا فقط، بل هی وظیفتکم تجاه ربّکم فی الوقت ذاته.

ثمّ إنّ الآیة اللاحقة تقول: وفی المآل غلبت عبادة الدنیا علیهم، وتناسوا الأمر الإلهی، وفی هذا الوقت نجینا الذین کانوا ینهون عن المنکر، وعاقبنا الظالمین بعقاب ألیم بسبب فسقهم وعصیانهم (فلمّا نسوا ما ذکّروا به أنجینا الذین ینهون عن السوء وأخذنا الذین ظلموا بعذاب بئیس بما کانوا یفسقون ) (2).

ولا شک أنّ هذا النسیان لیس نسیاناً حقیقیاً غیر موجب للعذر، بل هو نوع من عدم الإکتراث والإعتناء بأمر الله، وکأنّه قد نسی بالمرّة.

ثمّ یشرح العقوبات هکذا: (فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم کونوا قردة خاسئین ) (3).

وواضح أن أمر «کونوا» هنا أمر تکوینی مثل: (إنّما أمره إذا أراد شیئاً أن یقول له کن فیکون ) (4).


1. التعبیر بـ ( اُمّة منهم ) یکشف عن أن الفریق الثّانی کانوا أقلّ من العصاة، لأنّه عبّر عنهم بلفظة «قوماً» بدون کلمة منهم) ونقرأ فی بعض الآیات أنّ عدد نفوس هذه المدینة کان ثمانین ألف وبضعة آلاف، وقد إرتکب 70 ألفاً منهم هذه المعصیة (راجع تفسیر البرهان، ج 2، ص 42; وبحارالانوار، ج 14، ص 56 و57 ذیل الآیة مورد البحث).
2. «بئیس» مشتقة من مادة «بأس» یعنی الشدید.
3. «عتوا» من مادة «عتّو» على وزن «غلوّ» بمعنى الإمتناع عن طاعة أمر، وما ذکره بعض المفسّرین من تفسیره بمعنى الإمتناع فقط یخالف ما قاله أرباب اللغة.
4. یس، 82.
سورة الأعراف / الآیة 163 ـ 166بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma