التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأعراف / الآیة 127 ـ 129 العقوبات التنبیهیة:

فی هذه الآیات یبیّن لنا القرآن الکریم مشهداً آخر من الحوار الذی دار بین فرعون وبین ملئه حول وضع موسى (علیه السلام)، ویستفاد من القرائن الموجودة فی نفس الآیة أنّ محتوى هذه الآیات یرتبط بفترة ما بعد المواجهة بین موسى وبین السحرة.

تقول الآیة فی البدایة: (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه لیفسدوا فی الأرض ویذرک وآلهتک ).

یستفاد من هذا التعبیر ـ جیداً ـ أنّ فرعون بعد هزیمته أمام موسى (علیه السلام) ترک موسى وبنی إسرائیل أحراراً (طبعاً الحریة النسبیة) مدّة من الزمن، ولم یترک بنو إسرائیل بدورهم هذه الفرصة من دون أن یشتغلوا بالدعوة والتبلیغ لصالح دین موسى (علیه السلام) إلى درجة أن قوم فرعون قلقوا من انتشاره ونفوذ دعوته، فحضروا عند فرعون وحرضوه على اتّخاذ موقف مشدد تجاه موسى وبنی اسرائیل.

فهل فترة الحریة النسبیة هذه کانت لأجل الخوف والرعب الذی أصاب فرعون بسبب ما رأى من معجزة موسى (علیه السلام) القویة، أو للاختلاف الذی برز فی شعب مصر (وحتى

القبطیین منهم) حول موسى ودینه، حیث إنّ جماعة رغبوا فی دینه، وکان فرعون شاهداً لهذه الحالة فلم یمکنه أن یتخذ فی مثل هذه الأجواء والظروف موقفاً متشدداً من موسى ودینه.

کلا الاحتمالین قریبان إلى ذهن فرعون، ویمکن أن یکون کلاهما معاً قد ترکا أثراً فی نفسه وفکره.

وعلى کل حال فإنّ فرعون ـ بسبب تحذیرات أعوانه وحاشیته ـ صمم على اتّخاذ موقف متشدد من بنی إسرائیل، فقال لحاشیته فی معرض الجواب على تحریضهم وتحذیرهم: سأقتل أبناءهم وأستخدم نساءهم ونحن متفوقون علیهم على کل حال: (قال سنقتّل أبناءهم ونستحیی نساءهم وإنّا فوقهم قاهرون ).

وقد وقع کلام بین المفسّرین حول المراد من لفظة «آلهتک» والظاهر من الآیة هو أنّ فرعون کانت له معبودات وأصنام، وإن کان یُفهم من الآیة 24 من سورة النازعات (أنا ربّکم الأعلى ) ومن الآیة 38 من سورة القصص (ما علمت لکم من إله غیری ) إنّ فرعون کان أعظم إله لشعب مصر، أو على الأقل کان فرعون یعتبر نفسه أعظم معبود لشعب مصر ولکن مع ذلک کان قد إختار آلهة لنفسه وکان یعبدها.

والنقطة الاُخرى أنّ فرعون عمد هنا إلى مکافحة جذریة وعمیقة، وقرر تحطیم قوّة بنى إسرائیل تحطیماً کاملا، وذلک بالقضاء على المقاتلین ورجال الحرب بقتل أبناء بنی إسرائیل واستئصالهم، ویستبقی نساءهم وبناتهم لاسترقاقهن واستخدامهن، وهذا هو نهج کل مستعمر قدیم وجدید، فهو یقضی على الرجال والقوى المؤثرة فی المواجهة، أو یقتل فیهم روح الرجولة والشهامة والغیرة والحمیة بالوسائل المختلفة، ویستبقی غیر المؤثرین فی هذا المجال.

على أنّه یحتمل ـ أیضاً ـ أنّ فرعون کان یرید أن یبلغ هذا الکلام إلى مسامع بنی إسرائیل، فتتحطم معنویاتهم من جهتین: أولاهما من جهة قتل أبنائهم ورجال مستقبلهم، والاُخرى: من جهة وقوع نسائهم وأعراضهم فی أیدی العدو.

وعلى کل حال أراد بعبارة (إنّا فوقهم قاهرون ) أن یزیل الخوف والقلق من قلوب حاشیته وأعوانه، ویخبرهم بأنّه مسیطر على الأوضاع سیطرة کاملة.

السؤال: وهنا یطرح سؤال، وهو: لماذا لم یقرر فرعون قتل موسى، وإنّما قرر ـ فقط ـ القضاء على أبناء بنی إسرائیل؟

الجواب: یستفاد من آیات سورة المؤمن ـ جیداً ـ أنّ فرعون کان عازماً فی البدایة على قتل موسى، ولکن نصائح مؤمن آل فرعون المقترنة بالتهدید، فی أنّ قتل موسى یمکن أن یقترن بالخطر فیحتمل أن یکون مرسلا من الله حقیقة وواقعاً، وأن کل ما یقوله من العقوبات الإلهیّة یتحقق بمقتله، أثرت فی روح فرعون وفکره.

هذا مضافاً إلى أنّ خبر انتصار موسى على السحرة انتشر فی کل مکان، ووقع بسببه خلاف بین شعب مصر فی مخالفة أو تأیید موسى، ولعل فرعون خاف إن هو اتّخذ من موسى (علیه السلام) موقفاً حاداً واجه ردّ فعل قوی من جانب الناس الذین تأثروا بهذه المسألة، ولهذا انصرف عن فکرة قتل موسى (علیه السلام).

والآیة اللاحقة بیّنت ـ فی الحقیقة ـ خطّة موسى التی اقترحها على بنی إسرائیل لمواجهة تهدیدات فرعون، وشرح فیها شروط الغلبة على العدو، وذکرهم بأنّهم إذا عملوا بثلاث مبادیء انتصروا على العدو حتماً:

أوّلها: الإتکال على الله فقط (قال موسى لقومه استعینوا بالله ).

والآخر: أن یثبتوا ولا یخافوا من تهدیدات العدو: (واصبروا ).

وللتأکید على هذا المطلب، ومن باب ذکر الدلیل، ذکّرهم بأنّ الأرض کلّها ملک الله، وهو الحاکم علیها والمالک المطلق لها، فهو یعطیها لمن یشاء (إنّ الأرض لله یورثها من یشاء من عباده ).

وآخر هذه المبادیء هو أن یعتمدوا التقوى لأنّ العاقبة لمن اتّقى (والعاقبة للمتّقین ).

هذه المبادىء والشروط الثلاثة ـ أحدها فی العقیدة (الإستعانة بالله) والثّانی فی الأخلاق (الصبر والثبات) والأخیر فی العمل (التقوى) ـ لیست شرائط إنتصار قوم بنی إسرائیل وحدهم على العدو، بل کل شعب أراد الغلبة على أعدائه لابدّ له من تحقیق هذه البرامج الثلاثة فالأشخاص غیر المؤمنین والجبناء الضعفاء الإرادة، والشعوب الفاسقة الغارقة فی الفساد، إذا ما انتصرت فإنّ انتصارها یکون لا محالة مؤقتاً غیر باق.

والملفت للنظر أنّ هذه الشروط الثلاثة کل واحد منها متفرع على الآخر، فالتقوى لا

تتوفر من دون الثبات والصبر فی مواجهة الشهوات، وأمام بهارج العالم المادّی، کما أنّ الصبر والثبات لا یکون لهما أی بقاء ودوام من دون الإیمان بالله.

وفی آخر آیة من الآیات الحاضرة یعکس القرآن الکریم شکایات بنی إسرائیل وعتابهم من المشکلات التی ابتلوا بها بعد قیام موسى (علیه السلام) فیقول: (قالوا أوذینا من قبل أن تأتینا ومن بعد ما جئتنا ) فإذاً متى یحصل الفرج؟!

وکأنّ بنی إسرائیل مثل کثیر منّا کانوا یتوقعون أن تصلح جمیع الاُمور بقیام موسى (علیه السلام)فی لیلة واحدة.... أن یزول فرعون ویسقط، ویهلک الجهاز الفرعونی برمته، وتصبح مصر بجمیع ثرواتها تحت تصرف بنی إسرائیل، ویتحقق کل ذلک عن طریق الإعجاز، من دون أن یتحمل بنو إسرائیل أیّ عناء.

ولکن موسى (علیه السلام) أفهمهم بأنّهم سینتصرون فی المآل، ولکن أمامهم طریقاً طویلا، وإنّ هذا الإنتصار ـ طبقاً للسنة الإلهیّة ـ یتحقق فی ظل الإستقامة والثبات والسعی والإجتهاد، کما جاء ذلک فی الآیة الحاضرة (قال عسى ربّکم أن یُهلک عدوّکم ویستخلفکم فی الأرض ).

وذکر کلمة «عسى» مثل کلمة «لعلّ» التی وردت فی کثیر من الآیات القرآنیة إشارة ـ فی الحقیقة ـ إلى أنّ لهذا التوفیق والإنتصار شرائط، من دونها لا یصلون إلیه، (للوقوف على المزید فی هذا المجال راجع ما کتبناه فی تفسیر الآیة 84 من سورة النساء).

ثمّ یقول فی ختام الآیة: إنّ الله أعطاکم هذه النعمة، وأعاد إلیکم حریتکم المسلوبة کی ینظر کیف تتصرفون أنتم (فینظر کیف تعملون

یعنی ستبدأ ـ بعد الإنتصار ـ مرحلة امتحانکم واختبارکم، اختبار شعب کان فاقداً لکل شیء ثمّ حصل على کل شیء فی ضوء الهدایة الإلهیّة.

إنّ هذا التعبیر ـ هو ضمناً ـ إشعار بأنّکم سوف لا تخرجون من هذا الاختبار ـ فی المستقبل ـ بنجاح، وستفسدون وتظلمون کما فعل من کان قبلکم.

ونقرأ فی روایة وردت فی کتاب الکافی مرویة عن الإمام الباقر (علیه السلام) أنّه قال: «وجدنا فی کتاب علی: إنّ الأرض لله یورثها من یشاء من عباده والعاقبة للمتقین، أنا وأهل بیتی الذین أورثنا الله الأرض ونحن المتقون». (1)

وهذه إشارة إلى أنّ الحکم المذکور فی هذه الآیة حکم شامل، وقانون عام، والأرض هی الآن ـ فی الحقیقة ـ للمتقین.


1. تفسیر نورالثقلین، ج 2، ص 56; اصول الکافی، ج 1، ص 407.
سورة الأعراف / الآیة 127 ـ 129 العقوبات التنبیهیة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma