التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 4
سورة الأنعام / الآیة 142 ـ 144 سورة الأنعام / الآیة 145

إنَّ هذه الآیات ـ کما أشَرنا إلى ذلک ـ بصدد إبطال أحکام خرافیّة جاهلیّة کان المشرکون یدینون بها فی مجال الزراعة والأنعام.

ففی الآیة المتقدّمة جرى الحدیث حول أنواع المزروعات والثمار التی أنشأها الله، وفی هذه الآیات یدور الحدیث حول الحیوانات المحلّلة اللحم، وما تؤدّیه من خدمات، وما یأتی منها من منافع.

یقول أوّلا: إنّ الله هو الذی خلق لکم حیوانات کبیرة للحمل والنقل، واُخرى صغیرة: (ومن الأنعام حمولة وفرشاً ) (1).

و «حمولة» جمع ولیس لها مفرد ـ کما قال علماء اللغة ـ وتعنی الحیوانات الکبیرة التی تستخدم للحمل والنقل کالإبل والفرس ونظائرها.

و «فرش» هو بنفس المعنى المتعارف، ولکن فُسِّر هنا بالغنم وما یشابهه من الحیوانات الصغیرة، والظاهر أنّ العلّة فی ذلک هو أنّ هذا النوع من الأنعام لصغرها واقترابها من الأرض کالفراش فی مقابل الأنعام والحیوانات الکبیرة الجثّة ـ التی تقوم بعملیة الحمل والنقل، کالإبل ـ فعند ما نشاهد قطیعاً من الاغنام وهی مشغولة بالرعی فی الصحاری والمراعی فانّها تبدو لنا وکأنّها فرش ممدودة على الأرض، فی حین أن قطیع الإبل لا یکون له مثل هذا المنظر.

ثمّ إنّ تقابلَ «الحمولة» لـ «الفرش» أیضاً یؤیّد هذا المعنى.

وقد ذهبَ بعض المفسّرین إلى احتمال آخر أیضاً، وهو أنّ المراد من هذه الکلمة هی الفُرُش التی یتخذها الناس من هذه الأنعام والحیوانات، یعنی أنّ الکثیر من هذه الحیوانات تستخدم للحمل والنقل، کما یُستفاد منها فی صنع الفُرُش. ولکن الاحتمال الأوّل أقرب إلى معنى الآیة.

ثمّ إنّ الآیة الشریفة تخلص إلى القول بأنّه لمّا کانت جمیع هذه الانعام قد خلقها الله تعالى وحکمها بیده، فإنّه یأمرکم قائلا: (کُلُوا ممّا رزقکم الله ).

أمّا أنّه لماذا لا یقول: کُلُوا من هذه الأنعام والحیوانات، بل یقول: (کلوا ممّا رزقکم الله )؟ فلأنّ الحیوانات المحلّلة اللحم لا تنحصر فی ما ذکر فی هذه الآیات، بل هناک حیوانات اُخرى محلّلَة اللحم أیضاً ولکنّها لم تُذکر فی الآیاتِ السابقةِ.

ولتأکید هذا الکلام وإبطال أحکام المشرکین الخرافیة یقول: (ولا تتّبعوا خطوات الشیطان إنّه لکم عدوٌّ مبین ) فهو الذی أعلن الحرب على آدم منذ بدایة الخلق.

وهذه العبارة إشارة إلى أنّ هذه الأحکام والمقررات العاریة عن الدلیل، والتی تنبع فقط من الهوى والجهل، ما هی إلاّ وساوس شیطانیة من شأنها أن تبعدکم عن الحق خطوةً فخطوةً، وتؤدّی بکم إلى متاهات الحیرة والضلالة.

هذا وقد مرّ توضیح أکثر لهذه العبارة عند تفسیر الآیة 168 من سورة البقرة.

الآیة الثانیة تبیّن قسماً من الحیوانات المحلّلة اللحم، وبعض الأنعام التی یستفاد منها فی النقل، کما یستفاد منها فی تغذیة البشر وطعامهم أیضاً فیقول: إنّ الله خلق لکم ثمانیة أزواج

من الأنعام: زوجین من الغنم (ذکر واُنثى)، وزوجین من المعز: (ثمانیة أزواج (2) من الضّأن اثنین ومن المعز اثنین ).

وبعد ذکر هذه الأزواج الأربعة یأمر تعالى نَبیّهُ فُوراً بأن یسألهم بصراحة: هل أنّ الله حرّم الذکور منها أم الاناث: (قل آلذّکرین حرّمَ أم الأُنثیین )؟! أم أنّه حرّم علیهم ما فی بطون الإناث من الأغنام، أم ما فی بطون الإناث من المعز؟: (أمّا اشتملت علیه أرحام الأُنثیین )؟!

ثمّ یضیف قائلا: إذا کنتم صادقین فی أنّ الله حرّم شیئاً ممّا تدعونه، وکان لدیکم ما یدلّ على تحریم أىّ واحد من هذه الأنعام فهاتوا دلیلکم على ذلک: (نَبِّئونی بعلم إن کنتم صادقین ).

ثمَ فی الآیة اللاحقة یبیّن الأزواج الأربعة الاُخرى من الأنعام التی خلقها الله للبشر، إذ یقول: وخلق من الإبل ذکراً واُنثى، ومن البقر ذکراً واُنثى، فأىّ واحد من هذه الأزواج حرّم الله علیکم: الذکور منها أم الإناث؟ أم ما فی بطون الإناث من الإبل والبقر: (ومن الإبل اثنین ومن البقر اثنین قل آلذّکرین حرّم أم الأُنثیین أمّا اشتملت علیه أرحام الأُنثیین )؟!

وحیث إنّ الحکم بتحلیل هذه الأنعام وتحریمها إنّما هو بید الله، خالقها وخالق البشر وخالق العالم کلّه، من هنا یتوجَّب على کلّ مَن یَدّعی تحلیل أو تحریم شیء منها، إمّا أن یثبت ذلک عن طریق شهادة العقل، وإمّا أن یکون قد اُوحی له بذلک، أو یکون حاضراً عند النّبی (صلى الله علیه وآله) عند صدور هذا الحکم منه.

ولقد صرّح فی الآیة السابقة بأنّه لم یکن لدى المشرکین أىّ دلیل علمیّ أو عقلیّ على تحریم هذه الأنعام، وحیث إنّهم لم یَدّعوا أیضاً نزول الوحی علیهم، أو النبوة، فعلى هذا یبقى الاحتمال الثالث فقط، وهو أن یدّعوا أنّهم حضروا عند أنبیاء الله ورسله یوم أصدروا هذه الأحکام، ولهذا یقول الله لهم فی مقام الإحتجاج علیهم: هل حضرتم عند الأنبیاء وشهدتم أمر الله لهم بتحلیل أو تحریم شیء من هذه الأنعام: (أم کنتم شهداء إذ وصّاکم الله بهذا )؟!

ویحتمل أیضاً أن یکون المراد من الأزواج الثمانیة فی الآیة: الألیف من تلک الأصناف الأربعة وما یقابلها من الوحشی، أی الذکر والأنثى من الغنم الألیف، والذکر والاُنثى من الغنم الوحشی، وهکذا... فتکون الأزواج حینئذ ثمانیة.

وحیث إنّ الجواب على هذا السؤال هو الآخر بالنفی والسَلب، یثبت أنّهم ما کانوا یمتلکون فی هذا المجال إلاّ الإفتراء، ولا یستندون إلاّ إلى الکذب.

ولهذا یضیف فی نهایة الآیة قائلا: (فمن أظلم ممّن افترى على الله کذباً لیضلّ الناس بغیر علم إنَّ الله لا یَهدی القوم الظالمین ) (3).

فیستفاد من هذه الآیة أنّ الإفتراء على الله من أکبر الذنوب والآثام، إنّه ظلم لله تعالى ولمقامه الربویّ العظیم، وظلم لعباد الله، وظلم للنفس، وللتعبیر بـ«أظلم» فی مثل هذه الموارد - کما قلنا سابقاً - جانب نسبیّ، وعلى هذا فلا مانع من استعمال نفس هذا التعبیر بالنسبة إلى بعض الذنوب الکبیرة الاُخرى.

کما ویُستفاد من هذه الآیة أیضاً أنّ الهدایة والإضلال الإلهیین لا یکونان بالجبر، بل إنّ لهما مقدمات وعللا تبدأ من الإنسان نفسه وتتحقق بفعله هو، فعندما یعمد أحدٌ باختیاره إلى ممارسة الظلم والجور یحرمه الله حینئذ من عنایته وحمایته، ویترکه یضیع فی متاهات الحیرة والضلالة.


1.«الواو» فی صدر الآیة هی واو العاطفة وما بعدها عطف على الجنّات فی الآیة السابقة.
2.«أزواج» جمع «زوج» تعنی فی اللغة ما یقابل الفرد، ولکن یجب الإنتباه إلى أنّه ربّما یراد منه مجموع الذکر والاُثنى، وربّما یطلق على کل واحد من الزوجین، ولهذا یُطلق على الذکر والاُنثى معاً: زوجین، واستعمال لفظ الأزواج الثمانیة فی الآیة إشارة إلى الذکور الأربعة من الأصناف الأربعة، والإناث الأربع من تلک الأصناف.
3. ثمّة إحتمالات عدیدة حول ما هو متعلق بالجار والمجرور فی قوله: «بغیر علم» ، ولکن لا یبعد أن یکون هذا الظرف متعلقاً بفعل: «یضل» یعنی أنّهم بسبب جهلهم یضلون الناس.
سورة الأنعام / الآیة 142 ـ 144 سورة الأنعام / الآیة 145
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma