وفی المآل عندما عرفَ آدم وحواء بکید إبلیس، وخطّته ومکره الشیطانی، ورأیا نتیجة مخالفتهم فکّرا فی تلافی ما فات، وجبران ما صدر منهما، فکانت أوّل خطوة خطیاها هی: الاعتراف بظلمهما لنفسیهما أمام الله: (قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنکوننّ من الخاسرین ).

والخطوة الأولى فی سبیل التوبة والإنابة إلى الله وإصلاح المفاسد هی: أن ینزل الإنسان عن غروره ولجاجه، ویعترف بخطأه اعترافاً بَنَّاءً واقعاً فی سبیل التکامل.

والملفت للنظر أنّ آدم وحواء یُظهران أدَباً کبیراً مع الله فی توبتهما وطلبهما العفو والغفران منه تعالى فلم یقولا: ربّنا اغفر لنا، بل یقولان: (إن لم تغفر لنا وترحمنا لنکوننّ من الخاسرین ).

ولا شک أنّ مخالفة أوامر الله ونواهیه ظلم یورده الإنسان على نفسه، لأنّ جمیع البرامج والأوامر الإلهیّة تهدف إلى خیر الإنسان، وتتکفل سعادته وتقدّمه، وعلى هذا الأساس فإنّ أیّة مخالفة من جانب الإنسان تکون مخالفة لتکامل نفسه، وسببا لتأخّرها وسقوطها، وآدم وحواء وإن لم یذنبا ولم یرتکبا معصیة، ولکن نفس هذا الترک للأولى أنزلهما من مقامهما الرفیع، واستوجب حطّ منزلتهما.

إنّ توبة آدم وحواء الخالصة وإن قُبِلت من جانب الله تعالى ـ کما نقرأ ذلک فی الآیة 37

من سورة البقرة (فتاب علیه ) ـ ولکنّهما لم یستطیعا على کل حال التخلّص من الأثر الوضعی والنتیجة الطبیعة لعملهما، فقد اُمِرا بمغادرة الجنّة، وشمل هذا الأمر الشیطان أیضاً: (قال اهبطوا بعضکم لبعض عدوّ ولکم فی الأرض مستقرّ ومتاع إلى حین ).

کما ذکّر الجمیع بأنّهم سیتعرّضون فی الأرض للموت بعد الحیاة، ثمّ یخرجون من الأرض مرّة اُخرى للحساب (قال فیها تحیون وفیها تموتون ومنها تخرجون ).

والظاهر أنّ المخاطبین فی هذه الآیة: (قال اهبطوا بعضکم لبعض عدوّ ) هم آدم وحواء وإبلیس جمیعاً، ولکن لا یبعد أن یکون المخاطبین فی الآیة اللاحقة هم آدم وحواء فقط لأنّهما هما اللذان یخرجان من الأرض.