نتیجة حبّ التسلط والفساد فی الأرض:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة القصص / الآیة 83 ـ 84 بحوث

بعد البیان المثیر لما حدث لثری مستکبر ومتسلط، وهو قارون، تبدأ الآیة الاُولى من هذا المقطع ببیان استنتاج کلی لهذا الواقع وهذا الحدث، إذ تقول الآیة (تلک الدار الآخرة نجعلها للذین لا یریدون علوّاً فی الأرض ولا فساد).

أجل، فهم غیر مستکبرین ولا مفسدین فی الأرض ولیس هذا فحسب، بل قلوبهم مطهّرة من هذه المسائل، وأرواحهم منزهة من هذه الأوساخ! فلا یریدون ذلک ولا یرغبون فیه.

وفی الحقیقة إنّ ما یکون سبباً لحرمان الإنسان من مواهب الدار الآخرة، هو هذان الأمران: «الرغبة فی العلو» أیّ الاستکبار و«الفساد فی الأرض» وهما الذنوب.. لأنّ کل ما نهى الله عنه فهو على خلاف نظام خلق الإنسان وتکامل وجوده حتماً، فارتکاب ما نهى الله عنه یدمر نظام حیاة الإنسان، لذا فهو أساس الفساد فی الأرض! حتى مسألة الإستعلاء ـ بنفسها ـ هی أیضاً واحدة من مصادیق الفساد فی الارض، إلاّ أنّ أهمّیته القصوى دعت إلى أن یذکر بالخصوص من بین جمیع المصادیق للفساد فی الأرض!.

وقد رأینا فی قصّة «قارون» وشرح حاله أنّ السبب الأساس فی شقوته وهلاکه هو العلوّ و«الاستکبار».

ونجد فی الرّوایات الإسلامیة اهتماماً بهذه المسألة حتى أنّنا نقرأ حدیثاً عن الإمام أمیر المؤمنین على(علیه السلام) یقول: «إنّ الرجل لیعجبه أن یکون شراک نعله أجود من شراک نعل صاحبه فیدخل تحتها»(1).

(وهذا أیضاً فرع صغیر من الاستعلاء).

ومن الطریف أنّ صاحب «تفسیر الکشاف» یعلق بعد ذکر هذا الحدیث فیقول: بعض الطامعین ینسبون «العلوّ» فی الآیة محل البحث لفرعون بمقتضى قوله: (إنّ فرعون علا فی الأرض)،(2) والفساد لقارون بمقتضى قوله: (تبغ الفساد فی الأرض)،(3) ویدعون بأن من لم یکن کمثل فرعون وقارون فهو من أهل الجنّة والدار الآخرة، وعلى هذا فهم یبعدون فرعون وقارون وأمثالهما من الجنّة فحسب، ویرون الباقین من أهل الجنّة، إلاّ أنّهم لم یلاحظوا ذیل الآیة (والعاقبة للمتقین) بدقة ـ کما لاحظها الإمام علی(علیه السلام)(4).

وما ینبغى إضافته على هذا الکلام هو أنّ هؤلاء الجماعة اخطاؤا حتى فی معرفة قارون وفرعون.. لأنّ فرعون کان عالیاً فی الأرض وکان من المفسدین (إنّه کان من المفسدین)،(5) وقارون أیضاً کان مفسداً وکان عالیاً بمقتضى قوله:(فخرج على قومه فی زینته).(6)

ونقرأ فی حدیث آخر عن الإمام أمیرالمؤمنین(علیه السلام) أنّه کان یسیر فی الأسواق أیام خلافته الظاهریة، فیرشد التائهین إلى الطریق ویساعد الضعفاء، وکان یمرّ على الباعة والکسبة ویتلوا الآیة الکریمة (تلک الدار الآخرة نجعلها للذین لا یریدون علوّاً فی الأرض ولا فساد). ثمّ یضیف سلام الله علیه: «نزلت هذه الآیة فی أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من الناس»(7).

ومعنى هذا الکلام، أنّه کما لم یجعل الخلافة والحکومة وسیلة للاستعلاء،  فلا ینبغی أن تجعلوا أموالکم وقدرتکم وسیلة للتسلط على الآخرین، فأنّ العاقبة لأولئک الذین لا یریدون علواً فی الأرض ولا فساداً وکما یقول القرآن فی نهایة الآیة: (والعاقبة للمتقین).

و«العاقبة» بمفهومها الواسع هی النتیجة الصالحة، وهی الإنتصار فی هذه الدنیا، والجنّة ونعیمها فی الدار الاُخرى... وقد رأینا أنّ قارون وأتباعه إلى أین وصلوا وأیّة عاقبة تحمّلوا! مع أنّهم کانوا مقتدرین ولکن حیث کانوا غیر متقین فقد ابتلوا بأسوأ العاقبة والمصیر!.

ونختم کلامنا فی شأن هذه الآیة بحدیث للإمام الصادق(علیه السلام) وهو أنّ الإمام الصادق حین تلا هذه الآیة أجهش بالبکاء وقال: «ذهبت والله الأمانی عند هذه الآیة».(8)

وبعد ذکر هذه الحقیقة الواقعیة، وهی أنّ الدار الآخرة لیست لمن یحب السلطة والمستکبرین، بل هی للمتقین المتواضعین وطلبة الحق، تأتی الآیة الثّانیة لتبیّن قانوناً کلیاً وهو مزیج بین العدالة والتفضل، ولتذکر ثواب الإحسان فتقول: (من جاء بالحسنة فله خیر منه).

وهذه هی مرحلة التفضل، أی أنّ الله سبحانه لا یحاسب الناس کما یحاسب الإنسان نظیره بعین ضیّقة، فإذا أراد الإنسان أن یعطی أجر صاحبه فإنّه یسعى أن یعطیه بمقدار عمله، إلاّ أنّ الله قد یضاعف الحسنة بعشر أمثالها وقد یضاعفها بمئات الأمثال وربّما بالآلاف، إلاّ أنّ أقلّ ما یتفضل الله به على العبد أن یجازیه عشرة أضعاف حسناته، حیث یقول القرآن فی الآیة 160 من سورة الأنعام: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثاله).

أمّا الحدّ الأکثر من ثواب الله وجزائه فلا یعلمه إلاّ الله، وقد جاءت الإشارة إلى جانب منه ـ وهو الإنفاق فی سبیل الله ـ فی الآیة 261 من سورة البقرة... إذ یقول سبحانه فی هذا الصدد: (مثل الذین ینفقون أموالهم فی سبیل الله کمثل حبّة أنبتت سبع سنابل فی کل سنبلة مائة حبّة والله یضاعف لمن یشاء والله واسع علیم).

وبالطبع فإنّ مضاعفة الأجر والثواب لیس أمراً اعتباطیاً، بل له إرتباط وثیق بنقاء العمل ومیزان الإخلاص وحسن النیّة وصفاء القلب، فهذه هی مرحلة التفضل الإلهی فی شأن المحسنین.

ثمّ یعقّب القرآن لیذکر جزاء المسیئین فیقول: (ومن جاء بالسّیّئة فلا یجزى الذین عملوا السّیّئات إلاّ ما کانوا یعملون).

وهذه هی مرحلة العدل الإلهی، لأنّ المسیء لا یجازى إلاّ بقدر إساءته، ولا تضاف على إساءته أیة عقوبة!.

الطریف هنا عند ذکر جزاء السیئة أنّ القرآن یعبر عن الجزاء بالعمل نفسه (إلاّ ما کانوا یعملون) أی أنّ أعمالهم التی هی طبقاً لقانون بقاء الموجودات فی عالم الوجود، تبقى ولا تتغیر، وتبرز فی یوم القیامة متجسمة دون خفاء، فهو (یوم البروز) فی شکل یناسب العمل، وهذا الجزاء یرافق المسیئین ویعذبهم!.


1. تفسیر جوامع الجامع، ذیل الآیة مورد البحث.
2. القصص، 4.
3. القصص، 77.
4. التفسیر الکبیر، ج 25، ص 20، ذیل الآیة مورد البحث.
5. القصص، 4.
6. القصص، 79.
7. نقل هذه الروایة زاذان عن أمیرالمؤمنین (تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث).
8. تفسیر علی بن إبراهیم، ج 2، ص 146، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة القصص / الآیة 83 ـ 84 بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma