موسى یقتبس النّور:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة النّمل / الآیة 7 ـ 14سورة النّمل / الآیة 15 ـ 16

یجری الکلام فی هذه السورة ـ کما أشرنا من قبلُ ـ بعد بیان أهمّیة القرآن، عن قصص خمسة أنبیاء عظام، وذکر اُممهم، والوعد بانتصار المؤمنین وعقاب الکافرین.

فأوَّل نبیّ تتحدث عنه هذه السورة، هو موسى علیه السلام أحد الأنبیاء «أولی العزم» وتبدأ مباشرةً بأهم نقطة من حیاته وأکثرها «حسّاسیة» وهی لحظة نزول الوحی على قلبه وإشراقه فیه، وتکلیم الله إیّاه إذ تقول الآیة: (إذْ قال موسى لأهله إنّی آنست نار)(1) أی رأیت ناراً من بعید، فامکثوا هنیئة (سآتیکم منها بخبر أو آتیکم بشهاب قبس لعلّکم تصطلون)(2).

فی تلک اللیلة الظلماء، کان موسى(علیه السلام) یسیر بزوجته بنت النبیّ شعیب(علیه السلام) فی طریق مصر ـ وفی الصحراء ـ فهبت ریح باردة، وکانت زوجته (أهله) مُقرّباً، فأحسّت بوجع الطلق، فوجد موسى(علیه السلام) نفسه بمسیس الحاجة إلى النّار لتصطلی المرأة بها، لکن لم یکن فی الصحراء أىّ شیء، فلمّا لاحت له النّار من بعید سُرّ کثیراً، وعلم أنّها دلیل على وجود إنسان أو أناس، فقال: سأمضی وآتَیکم منها بخبر أو شعلة للتدفئة.

ممّا یلفت النظر أنّ موسى(علیه السلام) یقول لأهله سآتیکم منها بخبر أو آتیکم بشهاب قبس «بضمیر الجمع لا الإفراد» ولعل هذا التعبیر هو أنّ موسى(علیه السلام) کان معه بالإضافة إلى زوجته أطفال أیضاً... لأنّه کان قد مضى على زواجه عشر حجج (عشر سنین) فی مدین... أو أنّ الخطاب بصیغة الجمع (آتیکم) یوحی بالاطمئنان فی هذه الصحراء الموحشة!.

وهکذا فقد ترک موسى أهله فی ذلک المکان واتّجه نحو «النّار» التی آنسها (فلمّا جاءها نودی أن بورک من فی النّار ومن حولها وسبحان الله ربّ العالمین).

وهناک احتمالات مختلفة عند المفسّرین فی المراد من قوله تعالى: (من فی النّار) (ومن حوله)!... فما المقصود من هذا التعبیر؟!

ویبدو أنّ المراد مِن (مَن فی النّار) هو موسى نفسه، حیث کان قریباً منها ومن الشجرة الخضراء التی عندها، فکأنّ موسى کان فی النّار نفسها، وأنّ المراد مِن (مَنْ حوله)هم الملائکة المقرّبون من ساحة القدس، الذین کانوا یحیطون بتلک الأرض المقدّسة فی ذلک الوقت.

أو أنّ المراد ـ على عکس ما ذکرنا آنفاً ـ فمن فی النّار: هم الملائکة المقرّبون، ومن حولها هو موسى(علیه السلام).

وعلى کلّ حال فقد جاء فی بعض الرّوایات أنّ موسى(علیه السلام) لما وصل النّار ونظر بدقّة، رأى النّار تشتعل من غصن أخضر! وتتسع الشعلة لحظة بعد اُخرى، والشجرة تزداد إخضراراً وجمالا... فلا حرارة النّار تحرق الشجرة، ولا رطوبة الشجرة تطفىء لهب النّار، فتعجب من هذا المشهد الرائع... وانحنى لیقتبس من هذه النّار ویشعل الغصن الیابس «الحطب» الذی کان معه، فأتته النّار فارتاع ورجع... فمرّة یأتی موسى إلى النّار، ومرّة تأتی النّار إلى موسى، وبیّنا هو على هذه الحالة، إذا بالنداء یقرع سمعه مبشراً إیّاه بالوحی.

فالمراد أنّ موسى(علیه السلام) اقترب من النّار إلى درجة عُبّر عنه بأنّه «فی النّار».

والتّفسیر الثّالث لهذه الجملة، هو أنّ المراد من (من فی النّار) هو نور الله الذی تجلّى فی تلک الشعلة، والمراد من «من حولها» هو موسى الذی کان قریباً منها، وعلى کل حال فمن أجل أن لا یتوهم أحد من هذه العبارة مفهوم «التجسیم» فقد خُتمت الآیة بـ (سبحان الله ربّ العالمین) تنزیهاً له عن کلّ عیب ونقص وجسمیّة وما یعترض الجسم من عوارض!.

ومرّة اُخرى نودی موسى بالقول: (یاموسى إنّه أنا الله العزیز الحکیم).

وذلک یزول عن موسى(علیه السلام) کل شک وتردّد، ولیعلم أنّ الّذی یکلمه هو ربّ العالمین، لا شعلة النّار ولا الشجرة، الربّ القوی العزیز الذی لا یغلب ولا یُقهر، والحکیم ذو التدبیر فی جمیع الاُمور!.

وهذا التعبیر فی الحقیقة مقدّمة لبیان المعجزة التی سیأتی بیانها فی الآیة التالیة لأنّ الإعجاز آت من هاتین الصفتین «قدرة الله» و«حکمته»، ولکن قبل أن نصل إلى الآیة التالیة... ینقدح هذا السؤال وهو: من أین تیقّن موسى(علیه السلام) أنّ هذا النداء هو نداء الله ولیس سواه؟!

یمکن أن یجاب على هذا السؤال بأنّ هذا النداء ـ أو الصوت المقرون بمعجزة جلیّة، وهی إشراق النّار من الغصن الأخضر «فی الشجرة الخضراء» ـ دلیل حی على أنّ هذا أمر إلهی!.

ثمّ إنّه ـ کما سنرى فی الآیة التالیة ـ بعد هذا النداء أمر موسى(علیه السلام) بإلقاء العصا وإظهار الید البیضاء، على نحو الإعجاز، وهما شاهدان صادقان آخران على هذه الحقیقة.

ثمّ بعد هذا کله (فعلى القاعدة) فإن نداء الله له خصوصیة تمیزه عن کلّ نداء آخر، وحین یسمعه الإنسان یؤثر فی روحه وقلبه تأثیراً لا یخالطه الشک أو التردد بأنّ هذا النداء هو نداء الله سبحانه.

وحیث إنّ الصدع بالرسالة والبلاغ (وأیة رسالة وبلاغ... رسالة إلى جبار مستکبر ظالم کفرعون)، لابدّ له من قوّة ظاهریة وباطنیة وسند على حقانیّته... فلذا أمر موسى بأن یلقی عصاه: (وألق عصاک).

فألقى موسى عصاه، فتبدلت ثعباناً عظیماً، فلمّا رآه موسى یتحرک بسرعة کما تتحرک الحیّات الصغار خاف وولّى هارباً ولم یلتفت إلى الوراء: (فلمّا رآها تهتزّ کأنّها جانّ ولّى مدبراً ولم یعقِّب).(3)

ویحتمل أنّ عصا موسى تبدلت بادىء الأمر إلى حیّة صغیرة، ثمّ تحولت إلى أفعى کبیرة فی المراحل الاُخر!

وهنا خوطب موسى مرّة اُخرى أن (یا موسى لا تخف إنّی لا یخاف لدیّ المرسلون).

فهنا مقام القرب، وحرم أمن الله القادر المتعال.

وهنا لا معنى للخوف والوحشة، ومعنى الآیة: أن یا موسى إنّک بین یدی خالق الوجود العظیم، والحضور عنده ملازم للأمن المطلق!.

ونقرأ نظیر هذا التعبیر فی الآیة 31 من سورة القصص: (یا موسى أقبل ولاتخف إنّک من الآمنین).

إلاّ أنّ فی الآیة التالیة استثناءاً للجملة السابقة، حیث ذکره القرآن فقال: (إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حُسناً بعد سوء فإنّی غفورٌ رحیمٌ)!.

وهناک رأیان مختلفان لدى المفسّرین فی علاقة الاستثناء بالجملة:

فالرأی الأوّل: أنّ هناک حذفاً ذیل الآیة آنفة الذکر وتقدیره: إنّک من الآمنین وغیر الأنبیاء لیس آمناً، ثمّ استثنى سبحانه من ذلک «بإلاّ» من ظلم ثمّ بدل حسناً، فهو من الآمنین أیضاً لأنّ الله غفور رحیم.

والثّانی: أنّ الاستثناء من ضمن الجملة، والظلم إشارة إلى ترک الاُولى الذی قد یقع من الأنبیاء، وهو لا ینافی مقام العصمة، ومعنى الآیة على هذا الرأی: أنّ الأنبیاء فی حال ترک الأولى غیر آمنین أیضاً، وأنّ الله یحاسبهم حساباً عسیراً، کما جاء فی آیات القرآن عن قصّة آدم وقصّة یونس(علیهما السلام)!.

إلاّ اُولئک الذین التفتوا إلى ترک الأولى، وانعطفوا نحو الله الرحیم، فبدلوا حسناً وعملا صالحاً بعد ذلک، کما جاء فی شأن موسى (علیه السلام) نفسه فی قصّة قتله الرجل القبطی، إذ اعترف موسى بترکه الأَولى، فقال: (ربّ إنّى ظلمت نفسی فاغفر لی)(4).

أمّا المعجزة الثّانیة التی أمر موسى أن یظهرها، فهی الید البیضاء، إذ تقول الآیة: (وأدخل یدک فی جیبک تخرج بیضاء من غیر سوء).

والقید (من غیر سوء) إشارة إلى أنّ بیاض الید لیس من برص ونحوه، بل هو بیاضٌ نورانی یلفت النظر، وهو بنفسه کاشف عن إعجاز وأمر خارق للعادة.

ومن أجل أن یظهر الله تعالى عنایته ولطفه لموسى أکثر، وکذلک منح الفرصة للمنحرفین للهدایة أکثر، قال لموسى بأنّ معاجزه لیست منحصرة بالمعجزتین الآنفتین، بل (فی تسع آیات إلى فرعون وقومه إنّهم کانوا قوماً فاسقین)(5).

ویستفاد من ظاهر الآیة أنّ هاتین المعجزتین من مجموع تسع معاجز «آیات» موسى المعروفة، وقد استنتجنا ذلک من الآیة 101 من سورة الإسراء، وإن المعاجز السبع الاُخر هی:

1ـ الطوفان، 2ـ الجراد، 3ـ کثرة الضفادع، 4ـ تبدل لون نهر النیل کلون الدم، 5ـ الآفات فی النباتات، وکل واحدة من هذه المعاجز الخمس تعدّ إنذاراً لفرعون وقومه، فکانوا عند البلاء یلجأون إلى موسى لیرفع عنهم ذلک.

أمّا المعجزتان الاُخریان فهما: 6ـ القحط «السنین»، 7ـ ونقص الثمرات، إذ أشارت إلیهما الآیة 130 من سورة الأعراف فقالت: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنین ونقص من الثّمرات لعلّهم یذّکّرون)... «ولمزید الإیضاح یراجع التّفسیر الأمثل ذیل الآیة 101 من سورة الإسراء».

وأخیراً تعبّأ موسى بأقوى سلاح ـ من المعاجز ـ فجاء إلى فرعون وقومه یدعوهم إلى الحق، کما یصرح القرآن بذلک فی آیته التالیة (فلمّا جاءَتهم آیاتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبین).

و معلوم أنّ هذا الإتّهام «بالسحر» لم یکن خاصّاً بموسى(علیه السلام)، بل اتّخذه المعاندون ذریعة بوجه الأنبیاء، لیجعلوه سدّاً فی طریق الآخرین، والإتّهام بنفسه دلیل واضح على عظمة ما یصدر من الأنبیاء خارقاً للعادة، بحیث اتّهموه بالسحر.

مع أنّنا نعرف أنّ الأنبیاء کانوا رجالا صالحین صادقین طلاّب حق مخلصین، أمّا السحرة فهم منحرفون مادیّون تتوفر فیهم جمیع صفات المدلّسین «أصحاب التزویر».

وإضافة إلى ذلک فإنّ السحرة کانت لدیهم قدرة محدودة على الأعمال الخارقة، إلاّ أنّ الأنبیاء فقد کان محتوى دعوتهم ومنهاجهم وسلوکهم یکشف عن حقانیتهم، وکانوا یقومون بأعمال غیر محدودة، بحیث کان ما یقومون به معجزاً  لا یشبه سحر السحرة أبداً.

وممّا یلفت النظر أنّ القرآن یضیف فی آخر الآیة ـ محل البحث ـ قائلا: إنّ هذا الإتهام لم یکن لأنّهم کانوا فی شک من أمرهم ومترددین فعلا، بل کذبوا معاجز أنبیائهم مع علمهم بحقانیتها (وجحدوا بها واستیقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّ).

ویستفاد من هذا التعبیر أنّ الإیمان له حقیقة وواقعیة غیر العلم والیقین، ویمکن أن یقع الکفر جحوداً وإنکاراً بالرغم من العلم بالشیء!.

وبعبارة اُخرى: إنّ حقیقة الإیمان هی الإذعان والتسلیم ـ فی الباطن والظاهر ـ للحقّ، فبناءً على ذلک إذا کان الإنسان مستیقناً بشیء ما، إلاّ أنّه لا یذعن له فی الباطن أو الظاهر فلیس له إیمان، بل هو ذو کفر جحودی، وهذا موضوع مفصل، ونکتفی هنا بهذه الإشارة.

لذلک فإنّنا نقرأ حدیثاً عن الإمام الصادق(علیه السلام) یذکر فیه ضمن عدّه أقسام الکفر الخمسة «کفر الجحود» ویبیّن بعض شعبه بالتعبیر التالی (هو أنّ یجحد الجاحد وهو یعلم أنّه حق قد استقرّ عنده).(6)

وممّا ینبغی الالتفات إلیه أنّ القرآن یعدّ الباعث على إنکار فرعون وقومه أمرین:الأوّل الظلم، والثّانی العلوّ: (ظلماً وعلوّ).

ولعل «الظلم» إشارة إلى غصب حقوق الآخرین، و«العلوّ» إشارة إلى طلب التفوّق على بنی إسرائیل.

أیّ إنّهم کانوا یرون أنّهم إذا أذعنوا لموسى(علیه السلام) وآمنوا به وبآیاته، فإنّ منافعهم غیر المشروعة ستکون فی خطر، کما أنّهم سیکونون مع رقیقهم «بنى إسرائیل» جنباً إلى جنب، ولا یمکنهم تحمل أىّ من هذین الأمرین.

أو أنّ المراد من الظلم هو ظلم النفس أو الظلم بالآیات، وأنّ المراد من العلوّ هو الظلم للآخرین، کما جاء فی الآیة 9 من سورة الأعراف (بما کانوا بآیاتنا یظلمون).

وعلى کل حال، فإنّ القرآن یذکر عاقبة فرعون وقومه على أنّه درس من دروس العبرة، فی جملة موجزة ذات معنى کبیر، مشیراً إلى هلاکهم وغرقهم فیقول: (فانظر کیف کان عاقبة المفسدین).

والقرآن هنا لا یرفع الستار عن هذه العاقبة، لأنّ قصّة هؤلاء الکفرة ونهایتهم الوخیمة ذکرها فی آیات اُخرى واکتفى هنا بالإشارة إلى تلک الآیات لیفهم من یفهم.

والقرآن یعوّل ـ ضمناً على کلمة (مفسد) مکان ذکر جمیع صفاتهم السیئة، لأنّ الإفساد له مفهوم جامع یشمل الإفساد فی العقیدة، والإفساد فی الأقوال والأعمال، والإفساد على المستوى الفردی، والمستوى الجماعی، فجمع کلّ أعمالهم فی کلمة (المفسدین).


1. «آنستُ» فعل ماض مأخوذ من «الإیناس» وهو الرؤیة المقرونة بالراحة النفسیة والسکینة وإنّما یطلق على الإنسان فهو لهذا المعنى.
2. «الشهاب» هو النور الذی ینبثق من النّار کالعمود، وکل نور له عمود یدعى شهاباً، وفی الأصل یطلق الشهاب على واحد النیازک التی تهوی من السماء بسرعة مذهلة فتحرق بسب اصطدامها بالغلاف الجوی فیکون لها عمود من نار، «والقبس» شعلة من النّار تنفصل عنها. «وتصطلون» من الاصطلاء وهو الدفء (بالنّار).
3. یعتقد بعض المفسّرین أنّ «الجان» مأخوذ من الجن، وهو الموجود غیر المرئی، لأنّ الحیّات الصغیرة تتحرک بین العشب فی الأرض وتخفی نفسها.
4. القصص، 16.
5. الجار والمجرور (فی تسع آیات) إمّا متعلقان بجملة (إذهب) أو بأحد أفعال العموم المقدرة.. وقد تکون (فی) بمعنى (مع) و(إلى فرعون) متعلق بالجملة ذاتها، أو بجملة أنت مرسل بها المفهومة من السیاق تقدیراً.
6. اصول الکافی، ج 2، ص 287، (باب وجوه الکفر).
سورة النّمل / الآیة 7 ـ 14سورة النّمل / الآیة 15 ـ 16
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma