جنون الثّروة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة القصص / الآیة 79 ـ 82 1ـ نماذج قارونیة بالأمس والیوم!

المعروف أَنّ أصحاب الثروة یبتلون بأنواع الجنون... وواحد منها «جنون عرض الثروة وإظهارها» فهؤلاء یشعرون باللذة عندما یعرضون ثروتهم على الآخرین، وحین یعبرون على مرکب غال وثیر ویمرّون بین حفاة الأقدام فیتصاعد الغبار والأتربة لینتشر على وجوههم، ویحقّرونهم بذلک، فحینئذ یشعرون بالراحة النفسیة والنشوة تدغدغ قلوبهم.

وبالرغم من أَن عرض الثروة هذا غالباً ما یکون سبباً للبلاء علیهم ، لأنّه یربی الأحقاد فی الصدور ویعبىء الحساسیّات ضده، وکثیراً ما ینهی هذا العمل الردیء حیاة الإنسان، أو یزیل ثروته مع الریح!.

ولعل هذا الجنون یحمل هدفاً من قبیل اغراء الطامعین وتسلیم الأفراد المعاندین، ولکن الأثریاء غالباً ما یقومون بهذا العمل دون هدف، لأنّه نوع من الهوى والهوس ولیس خطة أو برنامجاً معیناً.

وعلى کل حال فإنّ قارون لم یکن مستثنى من هذا القانون، بل کان یعدّ مثلا بارزاً له، والقرآن یتحدث عنه فی جملة موجزة فی بعض آیاته فیقول: (فخرج على قومه فی زینته). امام قومه من بنی اسرائیل.

والتعبیر بـ «فی زینته» ناطق عن هذه الحقیقة، وهی أنّه أظهر جمیع قدرته وقوته لیبدی ما لدیه من زینة وثروة.

ومعلوم طبعاً إنّ رجلا بهذه المثابة من الثروة ماذا یستطیع أن یفعل!؟

وینقل فی التاریخ ـ فی هذا الصدد قصص کثیرة ـ مقرونة بالأساطیر أحیاناً، فإنّ بعضهم یکتب أنّ قارون خرج فی استعراض کبیر، وقد أرکب أربعة آلاف نفر على أربعة آلاف فرس حُمر «غالیة القیمة» مغطاة بالقماش الفاخر، وقد ملأها زینة من الذهب والجواهر الاُخرى، فمرّ بهذا الإستعراض على بنی إسرائیل.. وقد أثار هذا المنظر الناس، إذ رأوا أربعة آلاف من الخدم أبیض یلبسون ثیاباً حُمراً مع زینتهم.

وقال بعضهم: بل بلغ عدد هؤلاء «الخدم والحشم» سبعة آلاف نفر، وذکروا أخباراً اُخرى فی هذا الصدد.

ولو فرضنا أنّ کل ذلک مبالغ فیه، إلاّ أنّه لا یمکن إنکار هذه الحقیقة، وهی أَن قارون لدیه ثروات مهمّة أظهرها فی زینته!

هنا أصبح الناس طائفتین ـ بحسب العادة فطائفة وهم الأکثریة ـ من عبدة الدنیا ـ أثارهم هذا المشهد، فاهتزت قلوبهم وتأوهوا بالحسرات وتمنوا لو کانوا مکان قارون ولو یوماً واحداً ولو ساعة واحدة وحتى ولو لحظة! واحدة.

فأیّة حیاة عذبة جمیلة هذه الحیاة التی تهب اللذات والنشاط... (قال الذین یریدون الحیاة الدنیا یا لیت لنا مثل ما أوتی قارون إنّه لذو حظ عظیم).

هنیئاً لقارون ولثروته العظیمة!.. وما أعظم جلاله وعزّته.. ولا نظن فی التاریخ أحداً أعطاه الله ما أعطى قارون.. وما إلى ذلک من الکلمات.

وهنا جاء دور الامتحان الإلهی العظیم فمن جانب نجد قارون علیه أن یؤدّی امتحانه فی غروره وطیشه! ومن جانب آخر من بهرهم مشهده الذین أحاطوا به ـ من بنی إسرائیل ـ .

وبالطبع فإنّ العقاب الألیم هو العقاب الذی سیقع بعد هذا العرض المثیر، وهو أن یهوی قارون من أوج العظمة إلى قعر الأرض إذ تنخسف به الأرض على حین غرّة!.

لکن أمام هذه الطائفة التی ذکرناها آنفاً طائفة اُخرى من العلماء والمتقین الورعین، سمت

آفاقهم عن مثل هذه المسائل، وکانوا حاضرین حینئذ و«المشهد» یمرّ من أمامهم.

هؤلاء الرجال لا یقوّمون الشخصیة بالذهب والقوّة، ولا یبحثون عن القیم فی الاُمور المادیّة، لا تبهرهم هذه المظاهر، بل یسخرون منها ویتبسمون تبسم استهزاء وازدراء! ویحقّرون هذه الرؤوس الفارغة.

فهؤلاء کانوا هناک، وکان لهم موقف آخر من قارون، وکما یعبر عنهم القرآن (وقال الذین أوتوا العلم ویلکم ثواب الله خیر لمن آمن وعمل صالح) ثمّ أردفوا مؤکّدین (ولا یلقّاها إلاّ الصابرون).

اُولئک الذین لا تهزّهم زخارف الدنیا وزبارجها، ویقفون فی استقامة ـ برجولة وشهامة ـ أمام الحرمان، ولا یطأطئون رؤوسهم للاراذل ویقفون کالجبال الرواسی فی الامتحان الإلهی ـ امتحان الثروة والمال والخوف والمصیبة... وهؤلاء هم الجدیرون بثواب الله سبحانه!.

ومن المسلم به أنّه المقصود بجملة (الذین أوتوا العلم) هم علماء بنی إسرائیل، ومن بینهم «یوشع» وهو من کبار رجالهم.

غیر أنّ الطریف فی الأمر أنّ القرآن عبّر عن الطائفة الاُولى بجملة (الذین یریدون الحیاة الدنی) لکنّه لم یعبر عن الطائفة الثّانیة بأنّهم «الذین یریدون الحیاة الاخرة» بل عبر عنهم بـ (الذین أوتوا العلم) فحسب، لأنّ العلم هو أساس کل شیء وجذر الإیمان والاستقامة والعشق للثواب الإلهی والدار الآخرة.

کما أنّ التعبیر بـ (الذین أوتوا العلم) هو جواب دامغ ـ ضمناً ـ لقارون الذی یدّعی العلم، فالقرآن یرید أن یبیّن أنّ العلماء هم هؤلاء الذین لا یریدون الحیاة الدنیا، أمّا أنت یاقارون فمغرور وطائش!

وهکذا نرى مرّة اُخرى أنّ أساس البرکات والخیرات هو العلم الحقیقی.

لقد أوصل قارون بعمله هذا طغیانه وعناده إلى الدرجة القصوى، غیر أنّ ما ورد فی التواریخ حکایة منقولة عن قارون تدل على منتهى الخسة وعدم الحیاء! ننقلها هنا حسب تفصیلها!

فقال له موسى(علیه السلام) إنّ الله أمرنی أن آخذ الزکاة فأبى فقال: إنّ موسى یرید أن یأکل أموالکم جاءکم بالصلاة وجاءکم بأشیاء فاحتملتموها فتحتملوه أن تعطوه أموالکم؟ قالوا: لا نحتمل فما ترى؟ فقال لهم: أرى أن أرسل إلى بغی من بغایا بنی إسرائیل فنرسلها إلیه

فترمیه بأنّه أرادها على نفسها فأرسلوا إلیها فقالوا لها: نعطیک حکمک على أن تشهدی على موسى أنّه فجر بک، قالت: نعم.

فجاء قارون إلى موسى(علیه السلام) قال: اجمع بنی إسرائیل فأخبرهم بما أمرک ربّک قال: نعم، فجمعهم فقالوا له: بم أمرک ربّک؟ قال: أمرنی أن تعبدوا الله  ولا تشرکوا به شیئاً وأن تصلوا الرحم وکذا وکذا وقد أمرنی فی الزانی إذا زنى وقد أحصن أن یرجم. قالوا: وإن کنت أنت؟ قال: نعم. قالوا: فإنّک قد زنیت، قال: أنا؟

فأرسلوا إلى المرأة فجاءت فقالوا: ما تشهدین على موسى؟ فقال لها موسى(علیه السلام) أنشدتک بالله إلاّ ما صدقت. قالت: أمّا إذا نشدتنی فإنّهم دعونی وجعلوا لی جعلا على أن أقذفک بنفسی وأنا أشهد أنّک بریء وأنّک رسول الله، فخرّ موسى(علیه السلام) ساجداً یبکی فأوحى الله إلیه: ما یبکیک؟ قد سلطناک على الأرض فمرها فتطیعک(1)، فرفع رأسه فقال: خذیهم فأخذتهم إلى أعقابهم فجعلوا یقولون: یا موسى یا موسى فقال: خذیهم فأخذتهم إلى أعناقهم فجعلوا یقولون: یا موسى یا موسى فقال: خذیهم فغیّبتهم فأوحى الله: «یا موسى سألک عبادی وتضرّعوا إلیک فلم تجبهم فوعزّتی لو أنّهم دعونی لأجبتهم».

یقول القرآن الکریم فی هذا الصدد (فخسفنا به وبداره الأرض).

أجل حین یبلغ الطغیان والغرور وتحقیر المؤمنین الأبریاء والمؤامرّة ضد نبی الله الذروة، تتجلى قدرة الله تعالى وتطوی حیاة الطغاة... وتدمرهم تدمیراً یکون عبرة للآخرین.

مسألة «الخسف» هنا التی تعنی انشقاق الأرض وابتلاع ما علیها، حدثت على مدى التاریخ عدّة مرات.. إذ تتزلزل الأرض ثمّ تنشقّ وتبتلع مدینة کاملة أو عمارات سکنیة داخلها، لکن هذا الخسف الذی حدث لقارون یختلف عن تلک الموارد.. هذا الخسف کان طعمته قارون وخزائنه فحسب!.

یا للعجب!.. ففرعون یهوی فی ماء النیل!.. وقارون فی أعماق الأرض!.

الماء الذی هو سرّ الحیاة وأساسها یکون مأموراً بهلاک فرعون.

والأرض التی هی مهاد الاطمئنان والدعة تنقلب قبراً لقارون واتباعه! ومن البدیهی أنّ قارون لم یکن لوحده فی ذلک البیت فقد کان معه أعوانه وندماءه ومن أعانه على ظلمه وطغیانه، وهکذا توغلوا فی أعماق الأرض جمیعاً.

(فما کان له من فئة ینصرونه من دون الله وما کان من المنتصرین).

فلم یخلصه أصدقاؤه، ولا الذین کانوا یحملون أمتعته ولا أمواله ولا أی أحد من عذاب الله، ومضى قارون وأمواله ومن معه فی قعر الأرض!

أمّا آخر آیة ـ محل البحث ـ فتحکى عن التبدل العجیب لأولئک الذین کانوا یتفرجون على استعراض قارون بالأمس ویقولون: یالیت لنا مثل ما أوتی قارون، وما شابه ذلک!. وإذا هم الیوم یقولون: واهاً له، فإنّ الرزق بید الله (وأصبح الذین تمنوا مکانه بالأمس یقولون ویکأن الله یبسط الزرق لمن یشاء من عباده ویقدر).

لقد ثبت عندنا الیوم أن لیس لأحد شیء من عنده! فکلّ ما هو موجود فمن الله، فلا عطاؤه دلیل على رضاه عن العبد، ولا منعه دلیل على تفاهة عبده عنده!.

فالله تعالى یمتحن بهذه الأموال والثروة عباده أفراداً وأقواماً، ویکشف سریرتهم ونیّاتهم.

ثمّ أخذوا یفکرون فی ما لو أجیب دعاؤهم الذی کانوا یصرون علیه، وأعطاهم الله هذا المال، ثمّ هووا کما هوى قارون، فماذا یکون قد نفعهم المال؟

لذلک شکروا الله على هذه النعمة وقالوا: (لولا أن منّ الله علینا لخسف بنا ویکأنّه لا یفلح الکافرون).

فالآن نرى الحقیقة بأعیننا، وعاقبة الغرور والغفلة ونهایة الکفر والشهوة!. ونعرف أنّ أمثال هذه الحیاة المثیرة للقلوب بمظاهرها الخداعة، ما أوحشها! وما أسوأ عاقبتها!.

ویتّضح من الجملة الأخیرة فی هذه القصّة ـ ضمناً ـ أنّ قارون المغرور مات کافراً غیر مؤمن، بالرغم من أنّه کان یعدّ عارفاً بالتوراة قارئاً لها، وعالماً من بنی إسرائیل ومن أقارب موسى.


1. تفسیر الدرّالمنثور، نقلاً عن تفسیر المیزان، ج 16، ص 84، و ایضاً تفسیر روح المعانى و تفاسیر أخرى، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة القصص / الآیة 79 ـ 82 1ـ نماذج قارونیة بالأمس والیوم!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma