الشّرارة الاُولى للوحی:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة القصص / الآیة 29 ـ 35 سورة القصص / الآیة 36 ـ 37

نصل الآن ـ إلى المقطع السابع ـ من هذه القصّة..

لا یعلم أحد ـ بدّقة ـ ما جرى على موسى فی سنواته العشر مع شعیب(1)، ولاشکّ أنّ هذه السنوات العشر کانت من أفضل سنوات العمر لموسى(علیه السلام) سنوات عذبة هادئة، سنوات هیأته للمسؤولیة الکبرى.

فی الحقیقة کان من الضروری أن یقطع موسى(علیه السلام) مرحلة عشر سنین من عمره فی الغربة إلى جانب النّبی العظیم شعیب، وأن یکون راعیاً لغنمه; لیغسل نفسه ممّا تطبّعت علیه من قبل أو ما قد أثرت علیه حیاة القصر من خلق وسجیة.

کان على موسى(علیه السلام) أن یعیش إلى جوار سکنة الأکواخ فترةً لیعرف همومهم وآلامهم، وأن یتهیأ لمواجهة سکنة القصور.

ومن جهة اُخرى کان موسى بحاجة إلى زمن طویل لیفکر فی أسرار الخلق وعالم الوجود وبناء شخصیته. فأیُّ مکان أفضل له من صحراء مدین، وأفضل من بیت شعیب؟!.

إنّ مسؤولیة نبی من أولی العزم، لیست بسیطة حتى یمکن لکل فرد أن یتحملها، بل یمکن أن یقال: إنّ مسؤولیة موسى(علیه السلام) ـ بعد مسؤولیة النّبی محمّد(صلى الله علیه وآله) ـ من بین الأنبیاء جمیعاً، کانت أثقل وأهم، بالنظر لمواجهته الجبابرة على الأرض، وتخلیص أمّة من أسرهم، وغسل آثار الأسر الثقافی من أدمغتهم.

نقرأ فی «التوراة» وفی بعض الروایات الإسلامیة ـ أیضاً ـ أنّ شعیباً قرر تکریماً لأتعاب موسى وجهوده معه أن یهب له ما تلده الأغنام فی علائم خاصة، فاتفق أن ولدت جمیع الأغنام أو أغلبها ـ فی السنة الذی ودّع فیها موسى شعیباً ـ أولادها بتلک العلائم التی قررها شعیب(2)، وقدمها شعیب مع کامل الرغبة إلى موسى.

ومن البدیهی أنّ موسى(علیه السلام) لا یقنع فی قضاء جمیع عمره برعی الغنم، وإن کان وجود «شعیب» إلى جانبه یعدّ غنیمة کبرى.

فعلیه أن ینهض إلى نصرة قومه، وأن یخلصهم من قیود الأسر، وینقذهم من حالة الجهل وعدم المعرفة.

وعلیه أن ینهی وجودالظلمة وحکام الجور فی مصر، وأن یحطّم الأصنام، وأن یجد المظلومون العزة بالله معه، هذا الإحساس کان یدفع موسى للسفر إلى قومه.

وأخیراً جمع موسى أثاثه ومتاعه وأغنامه وتهیأ للسفر.

ویستفاد ضمناً من التعبیر بـ «الأهل» التی وردت فی آیات کثیرة فی القرآن أنّ موسى(علیه السلام) کان عنده هناک غیر زوجته ولدٌ أو أولاد، کما تؤید الرّوایات الإسلامیة هذا المضمون، وکما صرّح بهذا المعنى فی «التوراة» فی سفر الخروج، وإضافةً إلى کل ذلک فإنّ زوجته کانت حاملا أیضاً.

وعند عودته من مدین إلى وطنه أضاع الطریق، ولئلا یقع أسیراً بید الظلمة من أهل الشام اختار طریقاً غیر مطروق.

وعلى کل حال فإنّ القرآن یقول فی أوّل من آیة هذا المقطع: (فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله انس من جانب الطّور نار) ثمّ التفت إلى أهله و(قال لأهله امکثوا إنّی آنست ناراً لعلّی آتیکم منها بخبر أو جذوة من النّار لعلّکم تصطلون)أی (تتدفؤون).

«آنست»: مشتقّة من مادة «إیناس» ومعناها المشاهدة والرؤیة المقترنة بالهدوء والراحة.

«جذوة» هی القطعة من النّار، وقال بعضهم: بل هی القطعة الکبیرة من الحطب.

ویستفاد من قوله (لعلّی آتیکم منها بخبر) أنّه کان أضاع الطریق، کما یستفاد من جملة (لعلّکم تصطلون) أن الوقت کان لیلا بارداً.

ولم یرد فی الآیة کلامٌ عن حالة زوجة موسى، ولکن المشهور أنّها کانت حاملا ـ کما فی کثیر من التفاسیر والرّوایات ـ وکانت تلک اللحظة قد أحسّت بالطلق وألم الولادة.. وکان موسى قلقاً لحالها أیضاً.

(فلمّا أتاه) أی أتى النّار التی آنسها ورآها، وجدها ناراً لا کمثل النیران الاُخر فهی غیر مقترنة بالحرارة والحریق، بل هی قطعة من النور والصفاء، فتعجب موسى من ذلک (نودی من شاطىء الواد الأیمن فی البقعة المبارکة من الشّجرة أن یاموسى إنّی أنا الله ربّ العالمین).

«الشاطىء» معناه الساحل.

و«الوادی» معناه الطریق بین الجبلین، أو ممر السیول.

و«الأیمن» مشتق من «الیمین» خلاف الیسار، وهو صفة للوادی.

و«البقعة» القطعة من الأرض المعروفة الأطراف.

ولا شک أنّ الله سبحانه قادر على أن یجعل الأمواج الصوتیة فی کل شىء، فأوجد فی الوادی شجرة لیکلّم موسى... وموسى بشر له جسم وأذنان ولابدّ له لیسمع الکلام من أمواج صوتیة... وطبیعی أنّ کثیراً من الأنبیاء کان الوحی بالنسبة لهم إلهاماً داخلیاً،

وأحیاناً یرون ما یوحى إلیهم فی «النوم» کما کان الوحی یأتیهم. أحیاناً ـ عن طریق سماع الأمواج الصوتیة.

وعلى کل حال فلا مجال للتوهم بأنّ الله جسم، تعالى الله عن ذلک.

وفی بعض الرّوایات ورد أن موسى(علیه السلام) حین اقترب من النّار، دقق النظر فلاحظ أنّ النّار تخرج من غصن أخضر وتضیء وتزداد لحظة بعد لحظة وتبدو أجمل، فانحنى موسى وفی یده غصن یابس لیوقده من النّار، فجاءت النّار من ذلک الغصن الأخصر إلیه فاستوحش ورجع إلى الوراء... ثمّ رجع إلیها لیأخذ منها قبساً فأتته ثانیة... وهکذا مرّة یتجه بنفسه إلیها ومرّة تتجه النّار إلیه، وإذا النداء والبشارة بالوحی إلیه من قبل الله سبحانه.

ومن هنا ومع ملاحظة قرائن لا تقبل الإنکار اتّضح لموسى(علیه السلام) أنّ هذا النداء هو نداء إلهی لا غیر.

ومع الإلتفات إلى أنّ موسى(علیه السلام) سیتحمل مسؤولیة عظیمة وثقیلة.. فینبغی أن تکون عنده معاجز عظیمة من قبل الله تعالى مناسبة لمقامه النبوی، وقد أشارت الآیات إلى قسمین مهمین من هذه المعاجز:

الاُولى قوله تعالى: (وأن ألق عصاک فلمّا رآها تهتزّ کأنّها جانٌ ولّى مدبراً ولم یعقّب).

ویوم اختار موسى(علیه السلام) هذه العصا لیتوکأ علیها للاستراحة، ویهشُّ بها على غنمه، ویرمی لها بهذه العصا أوراق الأشجار، لم یکن یعتقد أنّ فی داخلها هذه القدرة العظیمة المودعة من قبل الله. وأنّ هذه العصا البسیطة ستهز قصور الظالمین، وهکذا هی موجودات العالم، نتصور أنّها لا شیء، لکن لها استعدادات عظیمة مودعة فی داخلها بأمر الله تتجلى لنا متى شاء.

فی هذه الحال سمع موسى(علیه السلام) مرّة اُخرى النداء من الشجرة (یا موسى أقبل ولا تخف إنّک من الأمنین).

«الجانّ» فی الأصل معناه الموجود غیر المرئی، کما یطلق على الحیات الصغار اسم (جان) أیضاً; لأنّها تعبر بین الأعشاب والأحجار بصورة غیر مرئیة.. کما عبر فی بعض الآیات عن العصا بـ (ثعبان مبین) ]سورة الأعراف الآیة 107 وسورة الشعراءالآیة 32[.

وقد قلنا سابقاً: إنّ هذا التفاوت فی التعابیر ربّما لبیان الحالات المختلفة لتلک الحیة... التی کانت فی البدایة حیة صغیرة، ثمّ ظهرت کأنّها ثعبان مبین.

کما ویحتمل أنّ موسى(علیه السلام) رآها فی الوادی بصورة حیة، ثمّ فی المرات الاُخرى بدأت تظهر بشکل مهول (ثعبان مبین)

وعلى کل حال، کان على موسى(علیه السلام) أن یعرف هذه الحقیقة، وهی أنّه لا ینبغی له الخوف فی الحضرة الإلهیة; لأنّ الأمن المطلق حاکم هناک، فلا مجال للخوف إذاً.

کانت المعجزة الاُولى آیة «من الرعب»، ثمّ أمر أن یظهر المعجزة الثّانیة وهی آیة اُخرى «من ا لنور والأمل» ومجموعهما سیکون ترکیباً من «الإنذار» و«البشارة» إذْ جاءه الأمر (أسلک یدک فی جیبک تخرج بیضاء من غیر سوء).

فالبیاض الذی یکون على یده للناس لم یکن ناشئاً عن مرض ـ کالبرص ونحوه ـ بل کان نوراً الهیاً جدیداً.

لقد هزّت موسى(علیه السلام) مشاهدته لهذه الاُمور الخارقة للعادات فی اللیل المظلم وفی الصحراء الخالیة... ومن أجل أن یهدأ روع موسى من الرهب، فقد أمر أن یضع یده على صدره (واضمم إلیک جناحک من الرهب).

قال بعضهم: هذه العبارة (واضمم إلیک جناحک) کنایة عن لزوم القاطعیة والعزم الراسخ فی أداء المسؤولیة بالنسبة لرسالته، وأن لا یخاف أو یرهب شیئاً أو أحداً أو قوّة مهما بلغت.

وقال بعضهم: حین ألقى موسى(علیه السلام) عصاه فرآها کأنّها «جان» أو (ثعبان مبین) رهب منها، فمدّ یده لیدافع عن نفسه ویطردها عنه، لکن الله أمره أن یضم یده إلى صدره، إذ لا حاجة للدفاع فهی آیة من آیاته.

والتعبیر بـ «الجناح» ]الذی یستعمل للطائر مکان الید للإنسان[ بدلا عن الید فی غایة الجمال والروعة.. ولعل المراد منه تشبیه هذه الحالة بحالة الطائر حین یدافع عن نفسه وهو أمام عدوّه المهاجم، ولکنه یعود إلى حالته الاُولى ویضم جناحه إلیه عندما یزول عنه العدو ولا یجد ما یرهبه!.

وجاء موسى النداءُ معقّباً: (فذانک برهانان من ربّک إلى فرعون وملائه إنّهم کانوا قوماً فاسقین).

فهم طائفة خرجت عن طاعة الله وبلغ بهم الطغیان مرحلة قصوى.. فعلیک ـ یا موسى ـ أن تؤدّی وظیفتک بنصحهم، وإلاّ واجهتهم بما هو أشد.

هنا تذکر موسى(علیه السلام) حادثةً مهمّة وقعت له فی حیاته بمصر، وهی قتل القبطی، وتعبئه القوى الفرعونیة لإلقاء القبض علیه وقتله.

وبالرغم من أنّ موسى(علیه السلام) کان یهدف عندها إلى انقاذ المظلوم من الظالم الذی کان فی شجار معه، فکان ما کان... إلاّ أنّ ذلک لا معنى له فی منطق فرعون وقومه، فهم مصممون على قتل موسى إن وجدوه... لذلک فإنّ موسى: (قال ربّ إنّی قتلت منهم نفساً فأخاف أن یقتلون).

وبعد هذا کلّه فإنّی وحیدٌ ولسانی غیر فصیح (وأخی هارون هو أفصح منّی لساناً فأرسله معی ردءاً یصدّقنی إنّی أخاف أن یکذبون).

کلمة «أفصح» مشتقّة من «الفصیح» وهو فی الأصل کون الشیء خالصاً، کما تطلق على الکلام الخالص من کل حشو وزیادة کلمة «الفصیح» أیضاً.

و«الردء» معناه المعین والمساعد.

وعلى کل حال فلأن هذه المسؤولیة کانت کبیرة جدّاً، ولئلا یعجز موسى عن أدائها، سأل ربّه أن یرسل معه أخاه هارون أیضاً.

فأجاب الله دعوته، وطمأنه بإجابة ما طلبه منه و(قال سنشدّ عضدک بأخیک ونجعل لکما سلطان) فالسلطة والغلبة لکما فی جمیع المراحل.

وبشرهما بالنصر والفوز، وأنّه لن یصل إلیهما سوء من أولئک: إذ قال سبحانه: (فلا یصلون إلیکما بآیاتن) فبهذه الآیات والمعاجز لن یستطیعوا قتلکما أو الاضرار بکما (أنتما ومن اتبعکما الغالبون).

فکان ما أوحى الله إلى موسى أملا کبیراً وبشارةً عظمى اطمأن بها قلبه، وأصبح راسخ العزم والحزم، وسنجد آثار ذلک فی الصفحات المقبلة حین نقرأ الجوانب الاُخرى من قصّة موسى(علیه السلام) إن شاء الله(3).


1. یظهر من الرّوایات الإسلامیة أنّ موسى(علیه السلام) عمل مع شعیب عشر سنوات، وهذا الموضوع موجود فی کتاب وسائل الشیعة، ج 15، ص 34 (کتاب النکاح، أبواب المهور، الباب 22، ح 4.
2. راجع أعلام القرآن، ص 409.
3. کانت لنا بحوث عدیدة فی هذا المجال، فراجعها إن شئت فی «تفسیر سورة الأعراف» و«تفسیر سورة طه» «تفسیر سورة الشعراء». وفی بعض السور الاُخرى.
سورة القصص / الآیة 29 ـ 35 سورة القصص / الآیة 36 ـ 37
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma