کیف کان عاقبة الظالمین؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة القصص / الآیة 38 ـ 42 أئمّة «النّور» وأئمّة «النّار»:

نواجه هنا المقطع التاسع من هذا التاریخ الملیء بالأحداث والعبر.

هذا المقطع یعالج مسألة صنع فرعون البرج ـ أو بنائه الصرح المعروف ـ للبرهنة على وهمیة دعوة موسى(علیه السلام).

ونعرف أنّ من سنن الساسة القدماء فی أعمالهم أنّه کلما وقعت حادثة مهمّة على خلاف رغباتهم ومیولهم (ومن أجل التمویه وایهام الناس) یبادرون إلى خلق جوّ جدید لیلفتوا أنظار الناس إلیه، ولیصرفوهم عن تلک الحادثة المطلوبة.

ویبدو أنّ بناء «الصرح العظیم» حدث بعد ما جرى لموسى من مواجهته السحرة ماجرى... لأنّه یستفاد من سورة «المؤمن» أنّ هذا العمل «بناء البرج» تمّ حین کان الفراعنة یخططون لقتل موسى(علیه السلام)، وکان مؤمن آل فرعون یدافع عنه... ونعرف أنّه قبل أن یواجه

موسى(علیه السلام) السحرة لم یکن مثل هذا العمل ولا مثل هذا الحدیث، وحیث إنّ القرآن ا لکریم تحدّث عن مواجهة موسى(علیه السلام) للسحرة فی سورة «طه، والأعراف، ویونس، والشعراء» فإنّه لم یتطرق إلیها هنا، وإنّما تحدث هنا وفی سورة المؤمن عن بناء البرج.

وعلى کل حال فقد شاع خبر إنتصار موسى(علیه السلام) على السحرة فی مصر، وإیمان السحرة بموسى زاد فی الأمر أهمّیة، کما أنّ موقع الحکومة الفرعونیة أصبح فی خطر جدیّ شدید.

واحتمال تیقظ الجماهیر التی فی أسر الذل کان کبیراً جدّاً.. فیجب صرف أفکار الناس بأیة قیمة کانت، واشغالهم بسلسلة من المشاغل الذهنیة مقرونة ببذل من الجهاز الحکومی، لإغفال الناس وتحمیقهم!

وفی هذا الصدد یتحدث القرآن الکریم عن جلوس فرعون للتشاور فی معالجة الموقف، إذ نقرأ فی أوّل آیة من هذا المقطع: (وقال فرعون یا أیّها الملأ ما علمت لکم من إله غیری).

فأنا إلهکم فی الأرض.. أمّا إله السماء فلا دلیل على وجوده، ولکننی سأتحقق فی الأمر ولا أترک الإحتیاط، فالتفت إلى وزیره هامان وقال: (فأوقد لی یا هامان على الطّین) ثمّ أصدر الأوامر ببناء برج أو قصر مرتفع جدّاً لأصعد علیه واستخبر عن إله موسى.

(فاجعل لی صرحاً لعلّی اطّلع إلى إله موسى وإنّی لأظنّه من الکاذبین).

لم لَمْ یذکر فرعون اسم الآجر، واکتفى بالقول: (فأوقد لی یا هامان على الطّین)؟ قال بعضهم: هذا دلیل على أن الآجر لم یکن متداولا حتى ذلک الحین، وإنّما ابتکره الفراعنة من بعد... فی حین أن بعضهم یرى أنّ هذا التعبیر أو هذا البیان فیه نوع من التکبر وموافق لسنّة الجبابرة.

وقال بعضهم: إنّ کلمة «آجر» لیست فصیحة، لذلک لم یستعملها القرآن، وإنّما استعمل هذا التعبیر المتقدم على لسان فرعون!.

هنا ناقش جماعة من المفسّرین کالفخر الرازی والآلوسی مسألة «الصرح»، وهل بنى فرعون «الصرح» حقّاً أم لا؟!

ویبدو أنّ الذی شغل فکر المفسّرین هو أنّ هذا العمل لم یکن متزّناً بأیّ وجه وأی حساب.

ترى... ألم یکن الناس قد صعدوا الجبال من قبل فرأوا منظر السماء کما هو على الأرض؟.

وهل البرج الذی یبنیه البشر أکثر ارتفاعاً من الجبل؟

وأی أحمق یصدق أنّه یمکن الوصول إلى السماء بواسطة مثل هذا البرج؟!

ولکن اُولئک الذین یفکرون مثل هذا التفکیر غفلوا عن هذه المسألة، وهی أنّ مصر لم تکن أرضاً جبلیة، وبعد هذا کلّه نسوا أنّ الطبقة العامّة لأهل مصر بسطاء ویخدعون بشتى الوسائل.

حتى فی عصرنا الذی یسمى عصر العلم وعصر النور، نجد مسائل تشبه ما وقع فی العصور الماضیة ینخدع بها الناس.

وعلى کل حال، فطبقاً لما ورد فی بعض التواریخ، فإنّ هامان أمر بأرض واسعة لیبنى علیها الصرح أو البرج، وهیّأ خمسین ألف رجل من العمال والمهندسین لهذا العمل المضنی، وآلاف العمال لتهیئة الوسائل اللازمة لهذا البناء، وفتح أبواب الخزائن وصرف أموالا طائلة فی هذا السبیل، واشغل عمالا کثیرین فی هذا البناء... حتى أنّه ما من مکان إلاّ وتسمع فیه أصوات هذا البناء أو أصداؤه!.

وکلما اعتلى البناء أکثر فأکثر کان الناس یأتون للتفرج، وما عسى أن یفعل فرعون بهذا البناء وهذا البرج.

صعد البناء إلى مرحلة بحیث أصبح مشرفاً على جمیع الأطراف. وکتب بعضهم: إنّ المعمارین بنوا هذا البرج بناءً بحیث جعلوا حوله سلالم حلزونیة یمکن لراکب الفرس أن یرتقی إلى أعلى البرج.

ولمّا بلغ البناء تمامه ولم یستطع البناؤون أن یعلوه أکثر من ذلک.. جاء فرعون بنفسه یوماً وصعده بتشریفات خاصة.. فنظر إلى السماء فوجدها صافیة کما کان ینظرها من الأرض لم تتغیر ولم یطرأ علیها جدید.

المعروف أنّه رمى سهماً إلى السماء، فرجع السهم مخضباً بالدم على أثر إصابته لأحد الطیور أو أنّها کانت خدیعة من قبل فرعون من قبل. فنزل فرعون من أعلى القصر وقال للناس: اذهبوا واطمأنوا فقد قتلت إله موسى(1).

ومن المسلم به أنّ جماعة من البسطاء الذین یتبعون الحکومة اتباعاً أعمى وأصم، صدّقوا ما قاله فرعون ونشروه فی کل مکان، وشغلوا الناس بهذا الخبر لإغفالهم عن الحقائق!

ونقلوا هذا الخبر أیضاً، وهو أنّ البناء لم یدم طویلا «وطبعاً لا یدوم» أجل لقد تهدم البناء وقتل جماعة من الناس... ونقلوا فی هذا الصدد قصصاً اُخرى، وحیث إنّ لم تتّضح صحتها لنا فقد صرفنا عنها النظر.

والذی یلفت النظر أنّ فرعون فی کلامه هذا (ما علمت لکم من إله غیری) کان قد استعمل نهایة الخبث ومنتهى الشیطنة.. إذ کان یرى من المسلّم به أنّه إله!!... وکان مدار بحثه: هل یوجد إله غیره؟!!... ثمّ ینفی أن یکون هناک إله سواه إله; لعدم وجود الدلیل!!

وفی المرحلة الثّالثة والأخیرة، ومن أجل أن یقیم الدلیل على عدم وجود إله غیره بنى ذلک الصرح!

کل هذه الاُمور تؤکّد جیداً أنّه کان یعرف تلک المسائل، إلاّ أنّه کان یضلل الناس ویصرف أفکارهم عن الحق، لیحفظ موقعه وحکومته!.

بعد هذا کلّه یتحدث القرآن عن استکبار فرعون ومن معه، وعدم إذعانهم لمسألتی «المبدأ والمعاد» بحیث کان فرعون یرتکب ما یشاء من إجرام وجنایات بسبب إنکار هذین الأصلین فیقول: (واستکبر هو وجنوده فی الأرض بغیر الحقّ وظنّوا أنّهم إلینا لا یرجعون).

هذا الإنسان الضعیف الذی لا یستطیع أن یبعد عن نفسه بعوضة، وربّما قتله میکروب لا یرى بالعین المجرّدة کیف یمکن له أن یدعی العظمة والألوهیّة!؟.

ورد فی الحدیث القدسی أنّ الله سبحانه یقول: «الکبریاء ردائی، والعظمة إزاری، فمن نازعنی واحداً منهما ألقیته فی النّار»(2).

ومن البدیهی أنّ الله لا یحتاج إلى أوصاف کهذه، ولکن حالة الطغیان والعدوان تستولی الإنسان حینما ینسى نفسه، وتملأ ریح الکبر والغرور فکره! لکن لننظر إلى أین وصل هذا الغرور بفرعون وجنوده؟! یقول القرآن الکریم: (فأخذناه وجنوده فنبذناهم فی الیمّ).

أجل، لقد جعلنا سبب موتهم فی مصدر معیشتهم، وجعلنا النیل الذی هو رمز عظمتهم وقوّتهم مقبرةً لهم!

من الطریف أنّ القرآن یعبّر بـ«نبذناهم» من مادة «نبذ» على زنة «نبض» ومعناه رمی الأشیاء التی لا قیمة لها وطرحها بعیداً، تُرى ما قیمة هذا الإنسان الأنانی المتکبر المتجبّر الجانی المجرم؟!

أجل، لقد نبذنا هؤلاء الذین لا قیمة لهم من المجتمع البشری، وطهّرنا الأرض من لوث وجودهم.

ثمّ، یختتم الآیة بالتوجه إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) قائلا: (فانظر کیف کان عاقبة الظالمین).

هذا النظر لیس بعین «البصر» بل هو بعین «البصیرة»، وهو لا یخص ظلمة الماضی وفراعنة العهد القدیم، بل إن ظلمة هذا العصر لیس لهم من مصیر سوى هذا المصیر المشؤوم!.

ثمّ یضیف القرآن قائلا فی شأنهم: (وجعلناهم أئمّة یدعون إلى النّار ویوم القیامة لا ینصرون).

هذا التعبیر أوجد إشکالا لدى بعض المفسّرین، إذ کیف یمکن أن یجعل الله اُناساً أئمة للباطل؟!

ولکن هذا الأمر لیس معقداً... لأنّه أولا... إنّ هؤلاء هم فی مقدمة جماعة من أهل النّار، وحین تتحرک الجماعات من أهل النّار، فإنّ هؤلاء یتقدمونهم إلى النّار! فکما أنّهم کانوا فی هذه الدنیا أئمّة الضلال، فهم فی الآخرة ـ أیضاً ـ أئمّة النّار، لأنّ ذلک العالم تجسم کبیر لهذا العالم!.

ثانیاً... کونهم أئمّة الضلال ـ فی الحقیقة ـ نتیجة أعمالهم أنفسهم، ونعرف أن تأثیر کل سبب هو بأمر الله، فهم اتخذوا طریقاً یؤدّی بهم إلى الضلال وینتهی بهم إلى أن یکونوا أئمّة الضالین، فهذه حالهم فی یوم القیامة!.

ولمزید التأکید یصور القرآن صورتهم وماهیتهم فی الدنیا والآخرة! (واتبعناهم فی هذه الدنیا لعنةً ویوم القیامة هم من المقبوحین!)(3) لعنة الله معناها طردهم من رحمته، ولعنة الملائکة والمؤمنین هی الدعاء علیهم صباحاً ومساءً... وفی کل وقت. وأحیاناً تشملهم اللعنة العامة، وأحیاناً یأتی اللعن خاصّة لبعضهم، حیث إنّ کل من یتصفح تأریخهم یلعنهم، ویتنفّر من أعمالهم.

وعلى کل حال فإنّ سوء أعمالهم فی هذه الدنیا، هو الذی قبّح وجوههم فی الدار الآخرة «یوم القیامة»، لأنّه یوم البروز ویوم هتک الحُجب.


1. مقتبس من تفسیر روح الجنان، ذیل الآیات مورد البحث، ج 8، ص 462.
2. تفسیر روح المعانی، والتّفسیر الکبیر، ج 24، ص 253، تفسیر المیزان، ج 16، ص 40، وتفاسیر أخرى ذیل الآیة مورد البحث.
3. «المقبوح» مشتق من «القبح» ومعناه السوء. ما فسّره بعضهم بأنّ المقبوح معناه المطرود أو المفضوح أو المغضوب علیه وما شاکلها، فهو من التّفسیر بلازم المعنى، وإلاّ فالمقبوح معناه واضح.
سورة القصص / الآیة 38 ـ 42 أئمّة «النّور» وأئمّة «النّار»:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma