دُعاءُ إبراهیم(علیه السلام):

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الشّعراء / الآیة 83 ـ 87 سورة الشّعراء / الآیة 88 ـ 104

من هنا تبدأ أدعیة إبراهیم الخلیل وسؤالاته من الله، فکأنّه بعد أن دعا قومه الضالین نحو الله، وبیّن آثار الربوبیة المتجلیّة فی عالم الوجود... یتجه بوجهه نحو الله ویعرض عنهم، فکل ما یحتاجه فانه یطلبه من الله، لیکشف للناس ولعبدة الأصنام أنّه مهما أرادوه من شؤون الدنیا والآخرة، فعلیهم أن یسألوه من الله، وهو تأکید آخر ـ ضمنیٌ ـ على ربوبیته المطلقة.

فأوّل ما یطلبه إبراهیم من ساحته المقدسة هو (ربّ هب لی حکماً والحقنی بالصّالحین).

فالمقام الأوّل هنا الذی یریده إبراهیم لنفسه من الله هو الحکم، ثمّ الإلحاق بالصالحین.

و «الحکم» و«الحکمة» کلاهما من جذر واحد... و«الحکمة» کما یقول عنها الراغب فی مفرداته: هی الوصول إلى الحق عن طریق العلم ومعرفة الموجودات والأفعال الصالحة، وبتعبیر آخر: هی معرفة القیم والمعاییر التی یستطیع الإنسان بها أن یعرف الحق حیثما کان، ویمیز الباطل فی أی ثوب کان، وهو ما یُعبّر عنه عند الفلاسفة بـ «کمال القوّة النظریة».

وهی الحقیقة التی تلقّاها لقمان من ربّه (ولقد آتینا لقمان الحکمة).(1) وعُبّر عنها بالخیر الکثیر فی الآیة 269 من سورة البقرة (ومن یؤت الحکمة فقد اُوتی خیراً کثیر).

ویبدو أنّ للحکم مفهوماً أسمى من الحکمة... أی إنّه العلم المقترن بالإستعداد للتنفیذ والعمل، وبتعبیر آخر: إنّ الحکم هو القدرة على القضاء الصحیح الخالی من الهوى والخطأ!

أجلْ، إنّ إبراهیم(علیه السلام) یطلب من الله قبل کل شیء المعرفة العمیقة الصحیحة المقرونة بالحاکمیّة، لأنّ أی منهج لا یتحقق دون هذا الأساس!

وبعد هذا الطلب یسأل من الله إلحاقه بالصالحین، وهو إشارة إلى الجوانب العملیة، أو کما یصطلح علیها بـ «الحکمة العملیة» فی مقابل الطلب السابق وهو «الحکمة النظریة»!

ولا شک أنّ إبراهیم(علیه السلام) کان یتمتع بمقام «الحکم» وکان فی زمرة الصالحین أیضاً... فلم سأل الله ذلک؟!

الجواب على هذا السؤال هو أنّه لیس للحکمة حد معین، ولا لصلاح الإنسان حدّ، فهو یطلب ذلک لیبلغ المراتب العلیا من العلم والعمل یوماً بعد یوم، حتى وهو فی موقع النبوة، وأنّه من أولی العزم.. لا یکتفی بهذه العناوین.

ثمّ ـ إضافة إلى ذلک ـ فإنّ إبراهیم(علیه السلام) یعلم أن کل ذلک من الله سبحانه، ومن الممکن فی أی لحظة أن تسلب هذه المواهب أو تزل به القدم، لذا فهو یطلب دوامها من الله إضافة إلى التکامل، کما أننا نخطو ونسیر إن شاء الله فی الصراط المستقیم، ومع ذلک فکلّ یوم نسأل ربّنا فی الصلاة أن یهدینا الصراط المستقیم، ونطلب منه التکامل ومواصلة هذا الطریق!

وبعد هذین الطَلَبینِ... یطلبُ موضوعاً مهماً آخر بهذه العبارة: (واجعل لی لسان صدق فی الآخرین).

أیْ اجعلنی بحال تذکرنی الأجیال الآتیة بخیر، واجعل منهجی مستمراً بینهم فیتخذونی اُسوةً وقدوة لهم فیتحرکون ویسیرون فی منهاجک المستقیم وسبیلک القویم.

فاستجاب الله دعاء إبراهیم کما یقول سبحانه فی القرآن الکریم: (وجعلنا لهم لسان صدق علیّ).(2)

ولا یبعد أن یکون هذا الطلب شاملا لما سأله إبراهیمُ الخلیل ربّه بعد بناء الکعبة، فقال: (ربّنا وابعث فیهم رسولا منهم یتلوا علیهم آیاتک ویعلّمهم الکتاب والحکمة ویزکّیهم).(3)

ونعرف أنّ هذا الدعاء تحقق بظهور نبیّ الإسلام، وذُکر إبراهیم الخلیل بالخیر فی هذه الاُمة عن هذا الطریق، وبقی هذا الذکر الجمیل مستمراً.

ثمّ ینظر إبراهیم إلى أفق أبعد من أفق الدنیا، ویتوجه إلى الدار الآخرة، فیدعو بدعاء رابع فیقول: (واجعلنی من ورثة جنّة النّعیم).

«جنة النعیم» التی تتماوج فیها النعم المعنویة والمادیة، النعم التی لا زوال لها ولا اضمحلال... النعم التی لا یمکن أن نتصورها نحنُ ـ سجناءَ الدنیا ـ فهی ما لا عین رأت ولا أذن سمعت!.

وقلنا سابقاً: إنّ التعبیر بالإرث فی شأن الجنّة إمّا لأنّ معنى الإرث الحصول على الشیء دون مشقّة وعناء، ومن المسلّم أنّ تلک النعم التی فی الجنّة تقاس بطاعاتنا، فطاعاتنا بالنسبة لا تمثل شیئاً إلیها!... أو أنّ ذلک ـ طبقاً لما ورد فی بعض الرّوایات ـ لأنّ کل إنسان له بیت فی الجنّة وآخر فی النار، فإذا دخل النّار ورث الآخرون بیته فی الجنّة.

وفی خامس أدعیته یتوجه نظره إلى عمّه الضالّ، وکما وعده أنّه سیستغفر له، فإنّه یقول فی هذا الدعاء: (واغفر لأبی إنّه کان من الضّالّین).

وهذا الوعد هو ما صرحت به الآیة 114 من سورة التوبة إذ تحکی عنه (وما کان استغفار إبراهیم لأبیه إلاّ عن موعدة وعدها إیّاه)! وعده من قبل، وکان هدفه أن ینفذ إلى قلبه عن هذا الطریق، وأن یجرّه إلى طریق الإیمان، لذلک قال له مثل هذا القول وعمل به أیضاً... وطبقاً لروایة عن ابن عباس أنّ إبراهیم(علیه السلام) استغفر لعمّه آزر مراراً، إلاّ أنّه حین غادر آزر الدنیا کافراً وثبت عداؤه للدین الحق، قطع إبراهیم استغفار عن عمه، کما نرى فی ذیل الآیة النص التالی: (فلمّا تبیّن لَهُ أنّه عدوّ لله تبرّأ منه).(4)

وأخیراً فإنّ دعاءه السادس من ربَّه فی شأن یوم التغابن، یوم القیامة، بهذه الصورة (ولا تخزنی یوم یبعثون).

(ولا تخزنی)، مأخوذ من مادة (خزی) على زنة (حزب) وکما یقول الراغب فی مفرداته، معناه الذل والإنکسار الروحی الذی یظهر على وجه الإنسان من الحیاء المفرط، أو من جهة الآخرین حین یحرجونه ویخجلونه!

وهذا التعبیر من إبراهیم، بالإضافة إلى أنّه درس للآخرین، هو دلیل على منتهى الإحساس بالمسؤولیة والاعتماد على لطف الله العظیم.


1. لقمان، 12.
2. مریم، 50.
3. البقرة، 129.
4. لمزید الإیضاح یراجع تفسیر الآیة 114 من سورة التوبة.
سورة الشّعراء / الآیة 83 ـ 87 سورة الشّعراء / الآیة 88 ـ 104
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma