نور الإیمان فی قلوب السَحَرَةَ:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الشّعراء / الآیة 43 ـ 51 سورة الشّعراء / الآیة 52 ـ 59

حین اتفق السحرة مع فرعون ووعدهم بالأجر والقرب منه، وشدّ من عزمهم، فإنّهم بدأوا بتهیئة المقدمات ووفروا خلال ماسنحت لهم الفرصة عصیّهم وحبالهم، ویظهر أنّهم صیّروها جوفاء وطلوها بمادة کیمیائیة کالزئبق ـ مثلا ـ بحیث تتحرک وتلمع عند شروق الشمس علیها!

وأخیراً کان الیوم الموعود والمیقات المعلوم، وانثال الناس إلى ساحة العرض لیشهدوا المبارزة التاریخیّة، ففرعون وقومه من جانب، والسحرة من جانب آخر، وموسى وأخوه هارون من جانب ثالث، کلهم حضروا هناک!

وکعادة القرآن فی حذف المقدمات المفهومة من خلال الآیات المذکورة، والشروع بذکر أصل الموضوع، فیتحدّث عن مواجهة موسى للسحرة حیث التفت إلیهم و: (قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون).

ویستفاد من الآیة 115 من سورة الأعراف، أنّ موسى(علیه السلام) قال ذلک عندما سأله السحرة: هل تلقی أنت أوّلا أم نلقی نحن أوّلا؟

وهذا الإقتراح من قبل موسى(علیه السلام) یدلّ أنّه کان مطمئناً لإنتصاره، ودلیلا على هدوئه وسکینته أمام ذلک الحشد الهائل من الأعداء وأتباع فرعون... کان هذا الإقتراح یُعدّ أوّل «ضربة» یدمغ بها السحرة، ویبیّن فیها أنّه یتمتع بالهدوء النفسی الخاص، وأنّه مرتبط بمکان آخر ومتصل به.

وأمّا السحرة الغارقون بغرورهم، والذین بذلوا أقصى جهودهم لانتصارهم فی هذا «المیدان»، فقد کانوا مستعدین ومؤمّلین لأن یغلبوا موسى(علیه السلام) (فألقوا حبالهم وعصیّهم وقالوا بعزّة فرعون إنّا لنحن الغالبون).(1)

أجل، لقد استندوا إلى عزّة فرعون کسائر المتملقین، وبدأوا باسمه وقدرته الواهیة!

وهنا ـ کما یبیّن القرآن فی مکان آخر من سورة وآیاته ـ تحرکت العصیُّ کأنّها الأفاعی والثعابین و(یخیّل إلیه من سحرهم أنّها تسعى).(2)

وقد انتخب السحرة العصی کوسائل لسحرهم، لتتغلّب حسب تصوّرهم على عصى موسى، وأضافوا علیها الحبال لیثبتوا علوّهم وفضلهم علیه.

فتهللت أساریر وجوه الناس ووجه فرعون فرحاً، وأشرق الأمل فی عینی فرعون وأتباعه، وسُرّوا سروراً لم یکن لیخفى على أحد، وسرت فیهم نشوة اللّذة من هذا المشهد!

إلاّ أنّ موسى(علیه السلام) لم یمهل الحاضرین لیستمر هذا المشهد ویدوم هذا الفصل المثیر، فتقدم (فألقى موسى عصاه) فتحولت إلى ثعبان عظیم وبدأت بالتهام وسائل وأدوات السحرة بسرعة بالغة (فإذا هی تلقفُ ما یأفکون).(3)

وهنا طاف صمت مهیب على وجوه الحاضرین وغشّاهم الوجوم وفغرت الأفواه من الدهشة والعجب، وجمدت العیون، ولکن سرعان ما انفجر المشهد بصراخ المتفرجین المذعورین ففر جماعة من مکانهم وبقی آخرون یترقبون نهایة المشهد، وأفواه السحرة فاغرة من الدهشة.

و تبدّل کل شیء، وثاب السحرة إلى رشدهم بعد أن کانوا ـ إلى تلک اللحظة ـ مع فرعون غارقین فی الشیطنة، ولأنّهم کانوا عارفین بقضایا السحر ودقائقه، فإنّهم تیقنوا أن عصا موسى لم تکن سحراً، بل هی معجزة إلهیة کبرى (فاُلقی السّحرة ساجدین).

الطریف أنّ القرآن یعبر عن خضوع السحرة بـ «اُلقی» وهذا التعبیر إشارة إلى منتهى التأثیر وجاذبیة معجزة موسى لهم، حتى کأنّهم سقطوا على الأرض وسجدوا دون اختیارهم.

واقترن هذا العمل العبادی ـ وهو السجود ـ بالقول بلسانهم فـ (قالوا آمنّا بربّ العالمین).

ولئلا یبقى مجالُ للإبهام والغموض والتردد، ولئلا یفسر فرعون ذلک تفسیراً آخر فإنّهم قالوا: (ربّ موسى وهارون).

وهذا التعبیر یدّل على أنّه وإن کان موسى(علیه السلام) متکفلاً لأمر المبارزة وإلقاء العصا ومحاججة السحرة، إلاّ أنّ أخاه هارون کان یعاضده فی الأمر، وکان مستعداً لتقدیم أی عون لأخیه.

وهذا التبدل والتغیّر المفاجیء العجیب فی نفوس السحرة بحیث خطوا فی لحظة واحدة من الظلمة المطلقة إلى النور المبین. ولم یکتفوا بذلک حتى أقحموا أنفسهم فی خطر القتل، وأعرضوا عن مغریات فرعون ومصالحهم المادیة... کلّ ذلک لما کان عندهم من «علم» استطاعوا من خلاله أن یترکوا الباطل ویتمسکوا بالحقّ!

إنّهم لم یجوبوا باقی الطریق بخطى العقل فحسب، بل رکبوا خیول العِشْقِ، وقد سکروا من عطر أزهاره، حتى کأنّهم لم یفیقوا من سکرتهم، وسنرى أنّهم لِهذا السبب استقاموا بشجاعة أمام تهدیدات فرعون الرهیبة.

نقراُ حدیثاً عن الرّسول(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «ما من قلب إلاّ بین إصبعین من أصابع الرحمان، إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه»(4) (وبدیهی أن مشیئة الله فی هاتین المرحلتین تتعلق باستعداد الإنسان، وهذا التوفیق أو سلب التوفیق إنّما هو لأجل قابلیة القلوب المختلفة، ولیس اعتباطاً).

أمّا فرعون، فحیث وجد نفسه مهزوماً معنویاً ویرى من جانب آخر أنّ وجوده وسلطانه فی خطر، وخاصّة أنه کان یعرف أیّ تأثیر عمیق لإیمان السحرة فی قلوب سائر الناس، ومن الممکن أن یسجد جماعة آخرون کما سجد السحرة، فقد تذرع بوسیلة جدیدة وابتکار ماکر، فالتفت إلى السحرة و(قال آمنتم له قبل أن آذن لکم).(5)

لقد تربع على عرش الإستبداد سنین طوالا، ولم یکن یترقب من الناس أن لا یسجدوا أو یقوموا بعمل دون إذنه فحسب، بل کان ترقُّبه أن تکون قلوب الناس وأفکارهم مرهونةً به وبأمره، فلیس لهم أن یفکّروا دون اذنه!! وهکذا هی سنة الجبابرة والمستکبرین!.

هذا المغرور الطائش لم یکن مستعدّاً لأن یذکر اسم الله ولا اسم موسى، بل اکتفى بالقول (آمنتم له)! والمراد من هذا التعبیر هو التحقیر!!

إلاّ أنّ فرعون لم یقنع بهذا المقدار، بل أضاف جملتین اُخریین لیُثّبت موقعه کما یتصوّر أوّلا، ولیحول بین أفکار الناس الیقظین فیعیدهم غفلةً نیاماً.

فاتّهم السحرة أوّلا بأنّهم تآمروا مع موسى(علیه السلام) على أهل مصر جمیعاً، فقال: (إنّه لکبیرکم الّذی علّمکم السّحر).

وقد اتفقتم مع موسى من قبل أن تردوا هذه الساحة، فتضلوا أهل مصر وتجرّوهم إلى الخضوع تحت سیطرة حکومتکم; وتریدون أن تطردوا أصحاب هذا البلد وتخرجوهم من دیارهم وتُحلّوا العبید محلهم.

إلاّ أننی لا أدعکم تنتصرون فی هذه المؤامرة، وسأخنق المؤامرة فی مهدها (فلسوف تعلمون لاُقطّعنّ أیدیکم وأرجلکم من خلاف ولاُصلّبنّکم أجمعین).

أی: لا أکتفی بإعدامکم فحسب، بل أقتلکم قتلاً بالتعذیب والزجر بین الملأ العام، وعلى جذوع النخل، (لأن قطع الأیدی والأرجل من خلاف یؤدّی إلى الموت البطیء، فیذوق معه الإنسان التعذیب أکثر).

وهذه هی طریقة الجبابرة والحکّام الظلمة فی کل عصر وزمان، ففی البدء یتهمون الرجال المصلحین بالتآمر ضد الناس، وبعد الاستفادة من حربة التهمة یعملون السیف فی رقاب لیضعف موقع المطالبین بالحق ولا یجدوا معاضداً لهم، فیزیحوهم من طریقهم.

إلاّ أنّ فرعون لم یحقق هدفه هنا، لأنّ السحرة قبل لحظة ـ والمؤمنین فی هذه اللحظة ـ قد غمر قلوبهم الإیمان، وأضرمهم عشق الله; بحیث لم یهزّهم تهدید فرعون، فأجابوه بضرس قاطع واحبطوا خطته و(قالوا لا ضیر إنّا إلى ربّنا منقلبون).

فأنت بهذا العمل لا تنقص منّا شیئاً، بل توصلنا إلى معشوقنا الحقیقی والمعبود الواقعی، فیوم کانت هذا التهدیدات تؤثر فینا لم نعرف أنفسنا ولم نعرف ربّنا، وکنّا ضالین مضلین، إلاّ أنّنا عثرنا الیوم على ضالتنا (فاقض ما أنت قاض)!

ثمّ أضافوا بأنّهم واجهوا النّبی موسى(علیه السلام) من قبل بالتکذیب وأذنبوا کثیراً، ولکن مع ذلک فـ (إنّا نطمع أن یغفر لنا ربّنا خطایانا أن کنّا أوّل المؤمنین).

إنّنا لا نستوحش الیوم من أی شیء، لا من تهدیداتک، ولا من تقطیع الأیدی والأرجل من خلاف ولا من الصلب على جذوع النخل.

وإذا کنّا نخاف من شیء، فإنّما نخاف من ذنوبنا الماضیة، ونرجوا أن تمحى فی ظل الإیمان وبفضل الله ولُطْفهِ!

أیة طاقة وقوّة هذه التی إن وُجدت فی الإنسان صغرت عندها أعظم القوى، وهانت عنده أشد الاُمور، وکرمت نفسه بسخاء فی موقف التضحیة والإیثار؟!

إنّها قوّة الإیمان.

إنّها شعلة العشق النیرة، التی تجعل الشهادة فی سبیل الله أحلى من الشهد والعسل، وتصیّر الوصال إلى المحبوب أسمى الأهداف!

هذه هی القوّة التی استعان بها النّبی(صلى الله علیه وآله) وربّى المسلمین الأوائل علیها، وأوصل أمة جهلاءَ متأخرة إلى أوج الفخر بسرعة مذهلة، فکانت الاُمة المسلمة التی اذهلت الدنیا!

إلاّ أنّ هذا المشهد ـ على کل حال ـ کان غالیاً وصعباً على فرعون وقومه، بالرغم من أنّه طبّق تهدیداته ـ طبقاً لبعض الروایات ـ فاستشهد على یدیه السحرة المؤمنون ـ إلاّ أنّ ذلک لم یطفىء عواطف الناس تجاه موسى فحسب، بل أثارها أکثر فأکثر!.

ففی کل مکان کانت اصداء النّبی الجدید. وفی کل حدب وصوب حدیث عن أوائل الشهداء المؤمنین، وهکذا آمن جماعة بهذا النحو، حتى أن جماعة من قوم فرعون وأصحابه المقربین حتى زوجته، آمنوا بموسى أیضاً.

وهنا ینقدح هذا السؤال، وهو: کیف عبر السحرة التائبون المؤمنون عن أنفسهم بأنّهم أوّل المؤمنین.

هل کان مرادهم أنّهم أوّل المؤمنین فی ذلک المشهد؟!

أو کان مرادهم أنّهم أوّل المؤمنین من حماة فرعون؟!

أو أنّهم أوّل المؤمنین الذین وردوا «الشهادة».

کل هذه الاُمور محتملة، ولا تتنافی فی مابینها.

وهذه التفاسیر إنّما تصحّ فی صورة ما لو قلنا بأنّ جماعة من بنی إسرائیل أو من غیرهم آمنوا بموسى قبل ذلک، أما لو قلنا بأنّهم أمروا بعد البعثة أن یتصلوا بفرعون مباشرةً وأن یوردوا الضربة الاُولى علیه، فلا یبعد أن یکونوا أول المؤمنین،  ولا حاجة عندئذ إلى تفسیر آخر.


1. «الحبال» جمع «حبل»على وزن (طبل) ومعناها واضح، والعصی جمع العصا.
2. طه، 66.
3. «تلقف» مشتق من «اللقف» على زنه (السقف) ومعناه إمساک الشیء بسرعة، سواء کان ذلک بالید أم الفم، ومعلوم أنّ المراد هنا الإمساک بالفم والإبتلاع، و«یأفکون» مشتق من «الإفک» ومعناه الکذب، وهی إشارة إلى وسائلهم الباطلة.
4. تفسیر فی ظلال القرآن، ج 6، ص 208 .
5. جاء التعبیر فی هذه الآیة والآیة 71 من سورة طه بـ (آمنتم له) وجاء التعبیر فی الآیة 123 من سورة الأعراف (آمنتم به) قال بعض ارباب اللغة: اذا تعدى الایمان بالام یعطى معنى الخضوع، وإن تعدى بالباء فیحطی معنى التصدیق.

 

سورة الشّعراء / الآیة 43 ـ 51 سورة الشّعراء / الآیة 52 ـ 59
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma