فی قصر فرعون!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة القصص / الآیة 7 ـ 9 تخطیط الله العجیب:

من أجل رسم مثل حیّ لإنتصار المستضعفین على المستکبرین، یدخل القرآن المجید فی سرد قصّة موسى وفرعون، ویتحدث بالخصوص عن مراحل یکون فیها موسى فی أشدّ حالات الضعف، أمّا فرعون فهو فی أقوى الحالات وأکثرها هیمنة... لیتجسّد إنتصار مشیئة الله على إرادة الجبابرة فی أعلى الصور وأحسن الوجوه.

یقول القرآن: (وأوحینا إلى اُمّ موسى أن أرضعیه فإذا خفِت علیه فالقیه فی الیمّ ولا تخافی ولا تحزنی إنّا رادّوه إلیک وجاعلوه من المرسلین).

وهذه الآیة على إیجازها تشتمل على أمرین ونهیین وبشارتین، وهی خلاصة قصّة کبیرة وذات أحداث ومجریات ننقلها بصورة مضغوطة:

کانت سُلطة فرعون وحکومته الجائرة قد خططت تخطیطاً واسعاً لذبح «الأطفال» من بنی إسرائیل حتى أنّ القوابل ]من آل فرعون[ کن یراقبن النساء الحوامل ]من بنی إسرائیل[.

ومن بین هؤلاء القوابل کانت قابلة لها علاقة مودّة مع أمّ موسى(علیه السلام) «وکان الحمل خفیّاً لم یظهر أثره على أم موسى» وحین أحسّت أم موسى بأنّها مقرب وعلى أبواب الولادة

أرسلت خلف هذه القابلة وأخبرتها بالواقع، وأنّها تحمل جنیناً فی بطنها وتوشک أن تضعه، فهی بحاجة ـ هذا الیوم ـ إلیها.

وحین ولد موسى(علیه السلام) سطع نور بهیّ من عینیه فاهتزّت القابلة لهذا النور وطُبع حُبُّه فی قلبها، وأنار جمیع زوایا قلبها.

فالتفتت القابلة إلى أم موسى وقالت لها: کنت أروم أن أخبر الجهاز الفرعونی بهذا الولید لیأتی الجلاوزة فیقتلوه «وأنال بذلک جائزتی» ولکن ما عسى أن أفعل وقد وقع حبّه الشدید فی قلبی، وأنا غیر مستعدة لأن تنقص ولو شعرة واحدة من رأسه، فاهتمی بالمحافظة علیه، وأظنّ أن عدوّنا المتوقع سیکون هذا الطفل أخیراً.

ثمّ خرجت القابلة من بیت أمّ موسى فرآها بعض الجواسیس من جلاوزة فرعون وصمموا على أن یدخلوا البیت، فعرفت أخت موسى ما أقدموا علیه فأسرعت إلى أمّها وأخبرتها بأن تتهیأ للأمر، فارتبکت ولم تدر ماذا تصنع؟! وفی هذه الحالة من الإرتباک وهی ذاهلة لفت ولیدها «موسى» بخرقة وألقته فی التنور فاذا بالمأمورین والجواسیس یقتحمون الدار، فلم یجدوا شیئاً إلاّ التنور المشتعل ناراً.. فسألوا أم موسى عن سبب دخول القابلة علیها فقالت: إنّها صدیقتی وقد جاءت زائرة فحسب، فخرجوا آیسین.

ثمّ عادت أمّ موسى إلى رشدها وصوابها وسألت «أخت موسى» عن أخیها فأظهرت عدم معرفتها بمکانه، وإذا البکاء یعلو من داخل التنور، فرکضت إلى التنور فرأت موسى مسالماً وقد جعل الله النّار علیه برداً وسلاماً «الله الذی نجّى إبراهیم الخلیل من نار النمرود» فأخرجت ولیدها سالماً من التنور.

لکن الأمّ لم تهدأ إذ أنّ الجواسیس یمضون هنا وهناک ویفتشون البیوت یمنة ویسرة، وکان الخطر سیقع لو سمعوا صوت هذا الطفل الرضیع.

وفی هذه الحال اهتدت أم موسى بإلهام جدید، إلهام ظاهره أنّه مدعاة للخطر، ولکن مع ذلک أحسّت بالإطمئنان أیضاً.

کان ذلک من الله ولابدّ أن یتحقق، فلبست ثیاب عملها وصممت على أن تلقی ولیدها فی النیل.

فجاءت إلى نجّار مصری «وکان النجار من الأقباط والفراعنة أیضاً» فطلبت منه أن یصنع صندوقاً صغیراً.

فسألها النجار قائلا: ما تصنعین بهذا الصندوق مع هذه الأوصاف؟ ولکن الاُمّ لما کانت

غیر متعودة على الکذب لم تستطع دون أن تقول الحق والواقع، وأنّها من بنی إسرائیل ولدیها طفل ترید إخفاءه فی الصندوق.

فلمّا سمع النجّار القبطی هذا الخبر صمم على أن یخبر الجلاوزة والجلاّدین، فمضى نحوهم لکن الرعب سیطر على قلبه فارتج على لسانه وکلّما حاول أن یفهمهم ولو کلمة واحدة لم یستطع، فأخذ یشیر إلیهم إشارات مبهمة، فظن اُولئک أنّه یستهزىء بهم فضربوه وطردوه، ولما عاد إلى محله عاد علیه وضعه الطبیعی، فرجع ثانیة إلیهم لیخبرهم فعادت علیه الحالة الاُولى من الإرتجاج والعیّ، وأخیراً فقد فهم أنّ هذا أمر إلهی وسرّ خفی، فصنع الصندوق وأعطاه لأم موسى.

ولعلّ الوقت کان فجراً والناس ـ بعد ـ نیام، وفی هذه الحال خرجت أم موسى وفی یدیها الصندوق الذی أخفت فیه ولدها موسى، فاتجهت نحو النیل وأرضعت موسى حتى ارتوى، ثمّ ألقت الصندوق فی النیل فتلقفته الأمواج وأخذت تسیر به مبتعدة عن الساحل، وکانت أم موسى تشاهد هذا المنظر وهی على الساحل.. وفی لحظة أحسّت أن قلبها انفصل عنها ومضى مع الأمواج، فلولا لطف الله الذی شملها وربط على قلبها لصرخت ولانکشف الأمر واتضح کل شیء.

ولا أحد یستطیع أن یصور ـ فی تلک اللحظات الحساسة ـ قلب الاُم بدقّة.

لا یستطیع أیّ أحد أن یصور حال اُم موسى وما أصابها من الهلع والفزع ساعة ألقت طفلها فی النیل، ولکنّ هذه الأبیات المترجمة عن الشاعرة «پروین اعتصامی» ـ بتصرف ـ تحکی صورة «تقریبیة» عن ذلک الموقف:

أمّ موسى حین ألقت طفلها *** للذی رب السما أوحى لها

نظرت للنیل یمضی مسرعاً *** آه لو تعرف حقاً حالها

ودوی الموج فیه صاخب *** وفتاها شاغل بلبالها

* * *

وتناغیه بصمت: ولدی *** کیف یمضی بک هذا الزورق

دون ربان، وإن ینسک من *** هو ذو لطف فمن ذا یشفق

فأتاها الوحی: مهلا، ودعی *** باطل الفکر ووهما یزهق

إن موسى قد مضى للمنزل *** فاتق الله ولا تستعجلی

قد تلقینا الذی ألقیته *** بید ترعى الفتى لا تجهلی

وخریر الماء أضحى مهده *** فی اهتزاز مؤنس إن تسألی

* * *

وله الموج رؤوماً حدبا *** فاق من یحدب أمّا وأبا

کل نهر لیس یطغى عبثاً *** إن أمر الله کان السببا

* * *

یأمر البحر فیغدو هائجا *** وله الطوفان طوعاً مائجا

عالم الإیجاد من آثاره *** کل شیء لعلاه عارجا

* * *

أین تمضین دعیه فله *** خیر ربّ یرتضیه لا هجا

کل هذا من جهة!...

ولکن تعالوا لنرى مایجری فی قصر فرعون؟!

ورد فی الأخبار أنّ فرعون کانت له بنت مریضة، ولم یکن له من الأبناء سواها، وکانت هذه البنت تعانی من آلام شدیدة لم ینفعها علاج الأطباء، فلجأ إلى الکهنة فقالوا له: نتکهّنُ ونتوقع أنّ إنساناً یخرج من البحر یکون شفاؤها من لعاب فمه حین یدهن به جسدها، وکان فرعون وزوجه «آسیة» فی إنتظار هذا «الحادث» وفی یوم من الأیّام.. فجأة لاح لعیونهما صندوق تتلاطمه أمواج النیل فلفت الأنظار، فأمر فرعون عمّاله أن یأتوا به لیعرفوا ما به؟!

ومثّل الصندوق «المجهول» الخفیّ أمام فرعون، ولم یتمکن أحد أن یفتحه.

بلى کان على فرعون أن یفتحه لینجو موسى على ید فرعون نفسه، وفتح الصندوق على یده فعلا!.

فلمّا وقعت عین آسیة علیه سطع منه نور فأضاء قلبها، ودخل حبّه فی قلوب الجمیع، ولا سیما قلب امرأة فرعون «آسیة».. وحین شفیت بنت فرعون من لعاب فمه زادت محبّته أکثر فأکثر(1).

ولنعد الآن إلى القرآن الکریم لنسمع خلاصة القصّة من لسانه! یقول القرآن فی هذا الصدد: (فالتقطه آل فرعون لیکون لهم عدوّاً وحزن).

کلمة «التقط» مأخوذة من مادة «التقاط» ومعناها فی الأصل الوصول إلى الشیء دون جهد وسعی، وإنّما سمیت الأشیاء التی یعثر علیها «لقطة» للسبب نفسه أیضاً..

وبدیهی أنّ الفراعنة لم یجلبوا الصندوق الذی فیه الطفل الرضیع من الماء لیربوه فی أحظانهم فیکون لهم عدواً لدوداً، بل أرادوه ـ کما قالت امرأة فرعون ـ قرة عین لهم.

ولکن النتیجة والعاقبة..کان ما کان وحدث ما حدث.. وکما یقول علماء الأدب: إنّ اللام فی الآیة هنا (فالتقطه آل فرعون لیکون...) هی «لا العاقبة» لیست «لام العلة» ولطافة التعبیر کامنة فی أنّ الله سبحانه یرید أن یبیّن قدرته، وکیف أن هذه الجماعة «الفراعنة» عبّأت جمیع قواها لقتل بنی إسرائیل، وإذا الذی أرادوا قتله ـ وکانت کل هذه المقدمات من أجله ـ یتربى فی أحضانهم کأعزّ أبنائهم.

والتعبیر ـ ضمناً ـ بآل فرعون یدل على أنّ الملتقط لم یکن واحداً، بل اشترک فی التقاط الصندوق جماعة من آل فرعون، وهذا بنفسه شاهد على أنّهم کانوا ینتظرون مثل هذا الحدث!.

ثمّ تختتم الآیة بالقول: (إنّ فرعون وهامان وجنودهما کانوا خاطئین).

کانوا خاطئین فی کل شیء، وأی خطأ أعظم من أن یحیدوا عن طریق العدل والحقّ، وأن یبنوا قواعد حکمهم على الظلم والجور والشرک!.

وأی خطأ أعظم أن یذبحوا آلاف الأطفال لیقتلوا موسى(علیه السلام)، ولکن الله سبحانه أودعه فی أیدیهم وقال لهم: خذوا عدوّکم هذا وربّوه لیکبر عندکم؟!(2)

ویستفاد من الآیة التالیة أنّ شجاراً حدث ما بین فرعون وامرأته، ویحتمل أنّ بعض أتباعه کانوا قد وقفوا عند رأس الطفل لیقتلوه، لأنّ القرآن الکریم یقول فی هذا الصدد: (وقالت امرأت فرعون قرّت عین لی ولک لا تقتلوه عسى أن ینفعنا أو نتّخذه ولداً...).

ویلوح للنظر أنّ فرعون وجد فی مخایل الطفل والعلائم الاُخرى ومن جملتها إیداعه فی التابوت «الصندوق» وإلقاءه بین أمواج النیل، وما إلى ذلک ـ أنّ هذا الطفل من بنی إسرائیل، وأن زوال ملکه على یده، فجثم کابوسٌ ثقیل على صدره من الهم وألقى على روحه ظلّة، فأراد أن یجری قانون إجرامه علیه.

فأیده أطرافه وأتباعه المتملّقون على هذه الخطة، وقالوا: ینبغی أن یذبح هذا الطفل، ولا دلیل على أن لا یجری هذا القانون علیه.

ولکن آسیة امرأة فرعون التی لم ترزق ولداً ذکراً، ولم یکن قلبها منسوجاً من قماش عمال قصر فرعون، وقفت بوجه فرعون وأعوانه ومنعتهم من قتله.

وإذا أضفنا قصّة شفاء بنت فرعون بلعاب فم موسى ـ على ما قدمناه ـ فسیکون دلیلا آخر یوضح کیفیة انتصار آسیة فی هذه الازمة.

ولکن القرآن ـ بجملة مقتضیة وذات مغزى کبیر ـ ختم الآیة قائلا: (وهم  لا یشعرون!).

أجل، إنّهم لم یشعروا أنّ أمر الله النافذ ومشیئته التی لا تقهر، اقتضت أن یتربى هذا الطفل فی أهم المراکز خطراً... ولا أحد یستطیع أن یردّ هذه المشیئة،  ولا یمکن مخالفتها أبداً.


1. ورد هذا القسم من الرّوایة عن ابن عباس فی التفسیر الکبیر، ج 24، ص 227، کما هناک روایات آخرها فی تفسیر روح الجنان وتفسیر مجمع البیان.
2. یقول الراغب فی مفرداته: إن الفرق بین «الخاطىء» «والمخطىء» هو أنّ الخاطىء هو من یقدم على عمل لا یخرج من عهدته ویطوی طریق الخطأ بنفسه، أمّا المخطی فیقال فی من یقدم على عمل ویخرج من عهدته، إلاّ أنّه یخطیء فی الاثناء صدفة، فیتلف العمل.
سورة القصص / الآیة 7 ـ 9 تخطیط الله العجیب:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma