المشیئة الإلهیّة تقتضی انتصار:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة القصص / الآیة 1 ـ 6 1ـ حکومة المستضعفین العالمیة

هذه هی المرّة الرابعة عشرة التی نواجه بها بدایات السورة «بالحروف المقطعة» فی القرآن، وقد تکررت فیها (طسم) ثلاث مرات، وهی هنا ـ أی «طسم» ـ ثالث المرات وآخرها...

وقد بیّنا مراراً وتکراراً أنّ للحروف المقطعة من القرآن تفاسیر متعددة ومختلفة، وقد ذکرناها وبحثناها بحثاً وافیاً فی بدایات سوَر «البقرة» و«آل عمران» و«الأعراف».

وعلاوة على ذلک کلّه فإنّه یظهر من کثیر من الرّوایات فی شأن (طسم) أنّ هذه الحروف إشارات موجزة عن صفات الله سبحانه وتعالى، أو أنّها أماکن مقدسّة.. ولکنّها فی الوقت ذاته لا تمنع من ذلک التّفسیر المعروف الذی أکّدنا علیه مراراً، وهو أنّ الله تعالى یرید أن یوضح هذه الحقیقة للجمیع، وهی أنّ هذا الکتاب السماوی العظیم الذی هو أساس

التغییر الکبیر فی تأریخ البشریة وحامل المنهج المتکامل للحیاة الکریمة للإنسانیّة یتشکّل من اُمور بسیطة کهذه الحروف «ألف باء...» التی یستطیع أن یتلفظ بها کل صبّی.

ومن هنا تتجلى عظمة القرآن وأهمّیته القصوى، إذ یتألف من هذه الحروف البسیطة التی هی فی اختیار الجمیع.

ولعل هذا السبب کان داعیاً لأن یکون الحدیث بعد «الحروف المقطّعة» مباشرةً عن عظمة القرآن، إذ یقول: (تلک آیات الکتاب المبین)، وبالرغم من أنّ (الکتاب المبین) جاء بمعنى اللوح المحفوظ کما قد ورد فی الآیة 61 من سورة یونس (ولا أصغر من ذلک ولا أکبر إلاّ فی کتاب مبین) والآیة السادسة من سورة هود (کلّ فی کتاب مبین) ولکنّه جاء بمعنى القرآن فی الآیة محل البحث بقرینة ذکر «الآیات» وکذلک جملة (نتلوا علیک)الواردة فی الآیة التی بعدها.

وقد وصف القرآن هنا بکونه «مبین» وکما یستفاد من اللغة فإنّ کلمة «مبین» تستعمل فی المعنیین «اللازم والمتعدی»، فهو واضح فی نفسه وموضّح لغیره، والقرآن المجید بمحتواه المشرق یمیّز الحق عن الباطل، ویبیّن الطریق اللاحب من الطریق المعوّج(1).

والقرآن بعد ذکر هذه المقدّمة القصیرة یحکى قصّة «فرعون» و«موسى» فیقول: (نتلوا علیک من نبأ موسى وفرعون بالحقّ لقوم یؤمنون).

التعبیر بـ «من» التی هی للتبعیض إشارة إلى هذه اللطیفة الدقیقة، وهی أن ما ورد ـ هنا فی القرآن ـ من هذه القصّة ذات الأحداث الکبیرة یتناسب وما تقتضیه الضرورة فحسب...

والتعبیر «بالحق» إشارة إلى أنّ ما ورد هنا خال من کل خرافة واُسطورة، وبعید عن الأباطیل والأکاذیب.. فهی إذن تلاوة مقترنة بالحق والواقعیة.

والتعبیر بـ (لقوم یؤمنون) هو تأکید على هذه الحقیقة، وهی أنّ مؤمنی ذلک العصر الذین کانوا یرزخون تحت ضغوط المشرکین والأعداء، علیهم أن یدرکوا هذه الحقیقة، وهی أنّ الأعداء مهما تعاظمت قواهم وتزایدوا عَدَداً وَعُدَداً، وأن المؤمنین مهما قلّوا وکانوا تحت ضغط أعدائهم وکانوا ضعافاً بحسب الظاهر،  فلا ینبغی أن یهنوا وینکصوا عن طریق الحق، فکل شیء عند الله سهل یسیر!

الله الذی ربّى «موسى» فی أحضان «فرعون» لإبادته وتدمیره... الله الذی أوصل العبید والمستضعفین إلى أن یکونوا حاکمین فی الأرض، وأذل الجبابرة والمستکبرین وأبادهم.

الله الذی رعى الطفل الرضیع بین أمواج النیل فحفظه ونجاه وأغرق آلاف الفراعنة الأقویاء فی تلک الأمواج.. هو قادر على أن ینجیکم «أیّها المؤمنون».

أجل، إنّ الهدف الأصل من هذه الآیات هم المؤمنون وهذه التلاوة لأجلهم، والمؤمنون الذین یستلهمون من معانی هذه الآیات ویشقّون طریقهم ـ وسط زحام المشاکل والأخطار ـ باطمئنان.

کان ذلک فی الحقیقة بیاناً إجمالیاً، ثمّ یفصّل القرآن ما أجمله بقوله: (إنّ فرعون علا فی الأرض).

فقد کان عبداً ضعیفاً، وعلى أثر جهله وعدم معرفته أضاع شخصیته ووصل إلى مرحلة من الطغیان حتى أنّه ادّعى الرّبوبیة... والتعبیر بـ«الأرض» إشارة إلى أرض مصر وما حولها... وحیث إنّ القسم المهم العامر من الأرض فی ذلک العصر کان «مصراً» فقد جاء التعبیر بالأرض بصورة مطلقة.

ویحتمل أیضاً أنّ الألف واللام للعهد أی «أرض مصر».

وعلى کل حال فإنّ فرعون ـ من أجل تقویة قواعده الإستکباریة ـ قد أقدم على عدّة جرائم کبرى!

فالجریمة الأولى، أنّه فرّق بین أهل مصر (وجعل أهلها شیع) وهی سیاسة معروفة ومتبعة على امتداد التاریخ، وعلیها یستند المستکبرون فی حکمهم،  فلا یمکن أن تحکم الأقلیة ـ التی لا تُعدّ شیئاً ـ على الأکثریة إلاّ بالخطة المعروفة «فرّق تَسُدْ» فهم مستوحشون من «کلمة التوحید» و«توحید الکلمة» ویخافون منهما أبداً.

ویخافون من التفاف الناس بعضهم حول بعض، ولذلک یلجأون إلى الطبقیة فی الحکم، فهذه الطریقة وحدها تتکفل بقاءهم فی الحکم، کما صنعه فرعون فی أهل مصر، ویصنعه الفراعنة فی کل عصر ومصر.

أجل، إنّ فرعون قسّم أهل مصر إلى طائفتی «الأقباط» و«الأسباط».

فالأقباط هم أهل مصر «الأصلیون» الذین کانوا یتمتعون بجمیع وسائل الرفاه والراحة، وکانت فی أیدیهم القصور ودوائر الدولة والحکومة.

و«الأسباط» هم المهاجرون إلى مصر من بنی إسرائیل الذین کانوا على هیئة العبید والخدم «فی قبضة الأقباط»! وکانوا محاطین بالفقر والحرمان، ویحملون أشدّ الأعباء دون أن ینالوا من وراء ذلک نفعاً ]والتعبیر بالأهل فی شأن الطائفتین الأقباط والأسباط هو لأنّ بنی إسرائیل کانوا قد سکنوا مصر مدّة طویلة فکانوا یُعدّون من أهلها حقیقة![.

وحین نسمع أنّ بعض الفراعنة یستعمل مائة ألف مملوک من العبید لتشیید مقبرة خلال عشرین سنة (کما هی الحال بالنسبة إلى هرم خوفو المعروف الکائن بمقربة من القاهرة عاصمة مصر) ویموت فی سبیل ذلک آلاف العبید والممالیک على أثر الضرب بالأسواط وتحت ضغط العمل الشاق، ندرک جیداً الحالة الارهابیة السائدة فی ذلک المجتمع.

والجریمة الثّانیة هی استضعافه لجماعة من أهل مصر بشکل دموی سافر کما یعبر عن ذلک القرآن بقوله:(یستضعف طائفةً منهم یذبح أبناءهم ویستحیی نساءهم).

فقد کان أصدر أمراً بأن یراقبوا الأطفال الذین یولدون من بنی إسرائیل، فإن کانوا ذکوراً فإنّ حظهم الذبح، وإن کانوا إناثاً فیترکن للخدمة فی المستقبل فی بیوت الأقباط.

وترى ماذا کان یهدف فرعون من وراء عمله هذا؟!

المعروف أنّه رأى فی منامه أنّ شعلة من النّار توهّجت من بیت المقدس وأحرقت جمیع بیوت مصر، ولم تترک بیتاً لأحد من الأقباط إلاّ أحرقته، ولکنّها لم تمسّ بیوت بنی إسرائیل بسوء، فسأل الکهنة والمعبرین للرؤیا عن تأویل ذلک، فقالوا له: یخرج رجل من بیت المقدس یکون على یدیه هلاکک وزوال حکومة الفراعنة(2).

وأخیراً کان هذا الأمر سبباً فی عزم فرعون على قتل الرضّع من الأطفال الذکور من بنی إسرائیل(3).

کما یحتمل ـ أیضاً ـ أنّ الأنبیاء السابقین بشّروا بظهور موسى(علیه السلام)وخصائصه، وقد أحزن الفراعنة خبره، فلمّا اطّلعوا على هذا الأمر أقدموا على التصدی له(4).

ولکون ورود جملة (یذبح أبناءهم) بعد جملة (یستضعف طائفة منهم)فإنّ مسألة اُخرى تتجلّى أمامنا، وهی أنّ الفراعنة اتّخذوا خطة لاستضعاف بنی إسرائیل بذبح الأبناء، لئلا یستطیع بنوا إسرائیل أن یواجهوا الفراعنة ویحاربوهم، وکانوا یترکون النساء اللاتی لا طاقة لهن على القتال والحرب، لیکبرن ثمّ یخدمن فی بیوتهم.

والشاهد الآخر هو الآیة 25 فی سوره المؤمن، إذ یستفاد منها ـ بصورة جیدة ـ أنّ خطة قتل الأبناء واستحیاء النساء کانت موجودة حتى بعد ظهور موسى(علیه السلام) ]ومجیئه إلى الفراعنة[. إذ تقول: (فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذین آمنوا معه واستحیوا نساءهم وما کید الکافرین إلاّ فی ضلال).

وجملة (یستحی نساءهم) یظهر منها أنّهم کانوا یصرّون على إبقاء البنات والنساء، إمّا لکی یخدمن فی بیوت الأقباط، أو للإستمتاع الجنسی، أو لکلا الأمرین جمیعاً.

وفی آخر جملة تأتی الآیة بتعبیر جامع، وفیه بیان العلة أیضاً فتقول: (إنّه کان من المفسدین).

وباختصار فإنّ عمل فرعون یتلخص فی الفساد فی الأرض، فاستعلاؤه کان فساداً، وإیجاد الحیاة الطبقیة فی مصر فساد آخر، وتعذیب بنی إسرائیل واستضعافهم وذبح أبنائهم واستحیاء نسائهم لیخدمن فی بیوت الأقباط فساد ثالث، وسوى هذه المفاسد کانت لدیه مفاسد کثیرةً اُخرى أیضاً.

والتعبیر بـ «یُذبح» المشتق من مادة «المذبح» تدل على معاملة الفراعنة لبنی إسرائیل کمعاملة القصابین للأغنام والأنعام الاُخرى، إذ کانوا یذبحون هؤلاء الناس الأبریاء ویحتزون رؤوسهم!(5).

وفی هذه الخطة الإجرامیة من قبل الفراعنة ضد الحوامل قصص مذکورة، إذ قال بعضهم: إنّ فرعون کان قد أمر برقابة مشددة على النساء الحوامل من بنی إسرائیل، وأن لا یلی إیلادهن إلاّ قابلة من القبطیّات والفرعونیّات، فإذا کان المولود ذکراً فإنّ جلاوزة القصر الفرعونی یأتون لیتسلموا «قربانهم»(6).

ولا یعرف بدقّة کم بلغ عدد «ضحایا الحوامل» من أطفال بنی إسرائیل على أثر هذه الخطة الإجرامیة؟ قال بعضهم: کان الضحایا من الأطفال الموالید تسعین ألفاً، وأوصلها بعضهم إلى مئات الآلاف!

لقد کانوا یظنون أنّهم سیقفون بوجه إرادة الله الحتمیة بهذه الجرائم الوحشیة، فلا ینهض بنوا إسرائیل ضدهم ولا یزول سلطانهم.

ثمّ تأتی الآیة الاُخرى لتقول: إنّ إرادتنا ومشیئتنا إقتضت احتواء المستضعفین بلطفنا وکرمنا (ونرید أن نمنّ على الذین استضعفوا فی الأرض) وأن تشملهم رعایتنا ومواهبنا تکون بید الحکومة ومقالید الأمور: (ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثین).

ویکونون اُولی قوّة وقدرة فی الأرض (ونمکّن لهم فی الأرض ونُری فرعون وهامان وجنودهما منهم ما کانوا یحذرون).

ما أبلغ هاتان الآیتان، وما أعظم ما فیهما من رجاء وأمل!... إذ جاءتا بصورة الفعل المضارع والاستمرار، لئلا یتصور أنّهما مختصتان بالمستضعفین من  بنی إسرائیل وحکومة الفراعنة، إذ تبدآن بالقول: (ونرید أن نمن...).

أی إنّ فرعون أراد أن یجعل بنی إسرائیل شذر مذر ویکسر شوکتهم ویبیر قواهم وقدرتهم، ولکننا أردنا ـ ونرید ـ أن ینتصروا ویکونوا أقویاء!

فرعون یرید أن تکون الحکومة بید المستکبرین إلى الأبد، ولکنّا أردنا أن تکون بید المستضعفین، فکان کما أردنا.

والتعبیر بـ «نمنّ» کما أشرنا إلى ذلک من قبل، معناه منح الهبات والنعم، وهو یختلف تمام الاختلاف مع «المنّ» المراد به عدّ النعم لتحقیر الطرف المقابل، وهو مذموم قطعاً.

ویکشف الله فی هاتین الآیتین الستار عن إرادته ومشیئته بشأن المستضعفین، ویذکر فی هذا المجال خمسة اُمور بعضها مرتبط ببعض ومتقاربة أیضاً:

الأوّل: قوله تعالى: (ونرید أن نمن...) لنشملهم بالمواهب والنعم... الخ.

الثّانی: قوله: (ونجعلهم أئمّة).

الثّالث: قوله: (ونجعلهم الوارثین) أی المستخلفین بعد الفراعنة والجبابرة.

الرّابع: قوله: (ونمکن لهم فی الأرض) أی نجعلهم یحکمون فی الأرض وتکون السلطة والقدرة وغیرهما لهم وتحت تصرفهم..

والخامس: إنّ ما کان یحذره الأعداء منهم وما عبأوه لمواجهتهم یذهب أدراج الریاح، وتکون العاقبة لهم (ونُری فرعون وهامان وجنودهما منهم ما کانوا یحذرون).

هکذا لطف الله وعنایته فی شأن المستضفین، أمّا من هم اُولئک المستضعفون؟! وما هی أوصافهم؟! فسنتحدث عن کل ذلک بعد قلیل بأذن الله.

وکان «هامان» وزیر فرعون المعروف یتمتع بنفوذ وسلطة إلى درجة أنّ الآیة المتقدمة إذ تتحدث عن جنود مصر فإنّها تعزوهم إلى فرعون وهامان معاً (وسیأتی مزید إیضاح وشرح عن حال هامان بإذن الله فی ذیل الآیة 38 من هذه السورة ذاتها).


1. ونذکر ضمناً أنّ التعبیر بـ «تلک» المستعملة للإشارة للبعید ـ کما بیّنا سابقاً ـ لبیان عظمة هذه الآیات أیضاً.
2. راجع فی ذلک، تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 239، والتّفسیر الکبیر، ج 24، ص 225، ذیل الآیات مورد البحث.
3. المصدر السابق.
4. راجع التّفسیر الکبیر، ج 24، ص 225، ذیل الآیة مورد البحث.
5. ممّا یلفت النظر أنّ مادة (ذبح) فی الفعل الثلاثی مجرّدة، وفعلها متعدٍّ بنفسه، ولکنّها هنا استعملت بصیغة التفعیل لتدلّ على الکثرة، کماتستفاد من صیغة المضارع الاستمرار على هذه الجنایة ]فلاحظوا بدقّة[.
6. التّفسیر الکبیر، ج 24، ذیل الآیات مورد البحث.
سورة القصص / الآیة 1 ـ 6 1ـ حکومة المستضعفین العالمیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma