بحران متجاوران: عذب فرات وملح اُجاج

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الفرقان / الآیة 51 ـ 55 1ـ وحدة القیادة

الآیة الاُولى ـ مورد البحث ـ أشارت إلى عظمة مقام النّبی(صلى الله علیه وآله)، یقول تعالى: لو أردنا لبعثنا نبیّاً فی کل مدینة وبلد، لکنّنا لم نفعل هذا وألقینا مسؤولیة هدایة العالمین على عاتقک: (ولو شئنا لبعثنا فی کلّ قریة نذیر).

کما أنّ الله عزَّوجلّ ـ طبقاً للآیات السابقة ـ قادر على إرسال قطرات المطر الباعث على الحیاة إلى کل الأراضی المیتة، فله القدرة أیضاً على إنزال الوحی والنبوّة على قلب نبیّ فی کل قریة، وأن یبعث لکل اُمة نذیراً، لکن الله یختار لعباده ما هو أصلح، لأنّ تمرکز النبوّة فی وجود فرد واحد یکون باعثاً على وحدة وانسجام الناس، ومانعاً من کل فرقة وتشتت.

و یحتمل أن بعض المشرکین أوردوا هذا الاشکال وهو: ألم یکن من الأفضل أن یبعث الله نبیّاً فی کل مدینة وقریة؟!

لکن القرآن یقول فی ردّهم: لو أراد الله ذلک لفعل، لکن هذا التشتت لیس فی صالح الأمم والشعوب قطعاً.

وعلى أیة حال، فکما أنّ هذه الآیة دلیل على عظمة مقام النّبی(صلى الله علیه وآله)، فهی دلیل کذلک على وجوب وحدة القائد، وعلى ثقل عبء مسؤولیته.

وبنفس هذا الدلیل، یبیّن الله تبارک وتعالى فی الآیة التالیة، أمرین إلهیین مهمین یشکلان منهجین أساسیین للانبیاء، فیوجه الخطاب أوّلا إلى الرّسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) ویقول: (فلا تطع الکافرین).

لا تخطُ أیة خطوة على طریق التوافق مع انحرافاتهم، فإنّ التوافق مع المنحرفین آفة الدعوة إلى الله، قف أمامهم بقوّة، واسعَ إلى إصلاحهم، لکن کن حذراً ولا تستسلم لأهواءهم وخرافاتهم.

أمّا القانون الثّانی فهو: جاهد اُولئک بالقرآن: (وجاهدهم به جهاداً کبیر).

جهاداً کبیراً بعظمة رسالتک، وبعظمة جهاد کل الأنبیاء الماضین، الجهاد الذی یشمل جمیع الأبعاد الروحیة والفکریة للناس، ویشمل کل الأصعدة المادیة والمعنویة.

لا شک أنّ المقصود من الجهاد فی هذا الموضع هو الجهاد الفکری والثقافی والتبلیغی ولیس الجهاد المسلح، ذلک لأنّ هذه السورة مکیة، والأمر بالجهاد المسلح لم یکن قد نزل فی مکّة. وعلى قول العلاّمة «الطبرسی» فی مجمع البیان، أنّ هذه الآیة دلیل واضح على أنّ الجهاد الفکری والتبلیغی فی مواجهة وساوس المضلین وأعداء الحق من أکبر أنواع الجهاد.

وروی عن النّبی(صلى الله علیه وآله): «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأکبر».(1)

وربّما کان هذا الحدیث إشارة إلى نفس هذا الجهاد وإلى عظمة ما یؤدّیه العلماء فی التبلیغ بالدین، هذا التعبیر یجسد أیضاً عظمة مقام القرآن، ذلک لأنّه وسیلة هذا الجهاد الکبیر وسلاحه القاطع، فإنّ قدرته البیانیة واستدلاله وتأثیره العمیق وجاذبیته فوق تصور وقدرة البشر.

الوسیلة المؤثرة والواضحة کوضوح الشمس وضیاء النهار، والمطمئنة کطمأنیة ستائر اللیل، والمحرکة کحرکة الریاح الخلاقة، والعظیمة بعظمة الغیوم وفیما تبثه قطرات المطر من حیاة، حیث أشارت إلى ذلک الآیات السابقة.

و بعد فاصلة وجیزة، یتناول القرآن الکریم مجدداً الاستدلال على عظمة الخالق عن طریق بیان نعمه فی النظام الکونی، فیشیر بعد ذکر المطر فی الآیات السابقة إلى عدم الإختلاط بین المیاه العذبة والمالحة: (وهو الّذی مرج البحرین هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بینهما برزخاً وحجراً محجور).

«مرج» من مادة «المرج» (على وزن فلج) بمعنى الخلط أو الإرسال، وهنا بمعنى المجاورة بین الماء العذب والمالح.

«عذب» بمعنى سائغ وطیب وبارد، و«فرات» بمعنى لذیذ وهنیء.

«ملح» بمعى مالح، و«أجاج» بمعنى مُرّ وحار. (بناء على هذا فملح وأجاج نقطتان مقابلتان لعذب وفرات).

«برزخ» بمعنى حجاب وحائل بین شیئین.

و جملة (حجراً محجور) کما أشرنا سابقاً (ذیل الآیة 22 من هذه السورة) کانت جملة لاخذ الأمان بین العرب یقولونها عندما یفاجؤون بشخص یخافونه ویرهبونه، یعنی (أعفُ عنا، وآمنا، وابتعد عنا).

على أیة حال، فهذه الآیة تصور واحداً من المظاهر المدهشة لقدرة الخالق فی عالم مخلوقاته، وکیف یستقر حجاب غیر مرئی، وحائل خفی بین البحر المالح والبحر العذب، فلا یسمح لهما بالاختلاط.

و قد اتّضح الیوم أن هذا الحجاب اللامرئی، هو ذلک «التفاوت بین کثافة المالح والعذب» وفی الإصطلاح «تفاوت الوزن النوعی» لهما، حیث یکون سبباً فی عدم امتزاجهما إلى مدة طویلة.

و رغم أنّ جماعة من المفسّرین وقعوا فی تعب من أجل اکتشاف مثل هذین البحرین فی الکرة الأرضیة وأین یوجد بحر عذب الماء فی جوار بحر مالح الماء ولا یمتزجان!؟ لکن هذه المشکلة انحلت لنا، لأنّنا نعلم أنّ جمیع أنهار الماء، العذب العظیمة التی تصب فی البحار عند الساحل، تشکل بحراً من الماء العذب، فتدفع المیاه المالحة إلى الخلف، ویستمر هذا الوضع إلى مدّة طویلة، وبسبب التفاوت فی کثافتهما یمتنعان عن الإمتزاج مع بعضهما، فکل واحد منهما یقول للآخر: (حجراً محجور).

الملفت هو أنّ سطح البحر یرتفع وینخفض بمقدار کبیر بسبب المد والجزر اللذین یحصلان مرّتین فی الیوم بتأثیر جاذبیة القمر وبذلک تغمر المیاه العذبة التی شکلت بحراً الیابسة فی مصبات تلک الأنهار وأطرافها، وقد استفاد الناس من هذه الحالة منذ قدیم الزمان، فحفروا جداول کثیرة فی أطراف ملتقى الأنهار مع البحر، وزرعوا اراض شاسعة بالاشجار، حیث تتمّ سقایتها بنفس ذلک الماء العذب الذی ینتشر فی مناطق واسعة بواسطة المد والجزر.

توجد حتى الآن فی جنوب العراق وإیران ملایین من أشجار النخیل، وقد شاهدنا عن قرب أنّ قسماً منها یسقى فقط بهذه الوسیلة، ویقع على بعد کبیر من ساحل البحر، وأحیاناً یتغلب الماء المالح حیث تقل المیاه التی تصبها الأنهار الکبیرة فی البحر فی السنین المجدیة، فیقلق المزارعون من أهل هذه المنطقة، لأنّ ذلک یضرُّ بزراعتهم ضرراً بالغاً.

لکن العادة لیست کذلک، فهذا الماء «العذب الفرات» المستقر إلى جوار الماء «المالح والأجاج» یُعدُّ ذخیرة عظیمة لهم.

معلوم أنّ وجود العلل الطبیعیة فی مثل هذه المسائل لا یقلل من قیمتها أبداً، وإلاّ فما هی الطبیعة؟ لیست هی إلاّ فعل الله وإرادته ومشیئته، وهو تعالى الذی منح هذه الخواص لهذه الموجودات.

و الملفت للنظر أنّ الإنسان حینما یجتاز هذه المناطق بالطائرة، یرى جیداً هذان الماءان المختلفان فی اللون، غیر الممتزجین، فیذکّر هذا المشهد الإنسان بهذه النکتة القرآنیة.

إنّ جعل هذه الآیة وسط آیات تتعلق بـ «الکفر» و«الإیمان» ربّما تکون أیضاً إشارة وتمثیلا لهذا الأمر، ففی المجتمع الواحد أحیاناً، وفی المدینة الواحدة، بل حتى فی البیت الواحد أحیاناً، یتواجد أفراد مؤمنون کالماء العذب والفرات، مع أفراد بلا إیمان کالماء المالح الأجاج... مع طرازین من الفکر، ونوعین من العقیدة، ونمطین من العمل، طاهر وغیر طاهر، دون أن یمتزجا.

فی الآیة التالیة ـ بمناسبة البحث فی نزول المطر، وفی البحرین العذب والأجاج المتجاورین یتحدث القرآن الکریم عن خلق الإنسان من الماء، فیقول تعالى: (وهو الّذی خلق من الماء بشر).

حقاً إن النحت فی الماء، وخلق صورة بدیعة کهذه على الماء، دلیل على عظمة قدرة الخالق، وکان الکلام فی الآیات السابقة حول إحیاء النباتات بواسطة المطر، والکلام ـ هنا عن مرحلة أعلى، یعنی خلق الإنسان من الماء.

و بین المفسّرین أقوال فی المراد من الماء هنا:

ذهب جماعة أنّ المقصود من «بشر» هو الإنسان الأول، یعنی آدم(علیه السلام)، ذلک لأنّ خلقه کان من «طین» یعنی عجیناً من ماء وتراب، إضافة إلى أنّ الماء کان أوّل موجود خلقه الله تعالى طبقاً للرّوایات الإسلامیة، وخلق الإنسان من ذلک الماء، وتنکیر «بشر» شاهد على هذا المعنى.

و ذهب جماعة آخرون أنّ المقصود من «الماء» هو ماء النطفة، حیث یتکون جمیع الناس منه بقدرة الخالق، ومع امتزاج نطفة الرجل «الحیمن» الذی یسبح فی الماء مع «البویضة» نطفة المرأة، تتکون أول نواة لحیاة الإنسان، یعنی الخلیة الإنسانیة الحیة الاُولى.

لو تدبّر الإنسان وتأمل فی مراحل انعقاد النطفة من بدایتها إلى نهایتها، فسیشاهد الکثیر من آیات عظمة الحق وقدرة الخالق فیها، حیث تکفی وحدها لمعرفة ذاته المقدسة تبارک وتعالى.

الشاهد على هذا التّفسیر، جملة وردت فی آخر الآیة، وسنشرحها (فجعله نسباً وصهر).

فضلا عن هذا، فلا شک أنّ الماء یشکل القسم الأکبر من وجود الإنسان، بالصورة التی یمکن القول أنّ المادة الأساس لوجود أی إنسان هی الماء، لهذا فإن مقاومة الإنسان إزاء العطش قلیلة جدّاً، فی حین یستطیع الإنسان أن یقاوم أیّاماً وأسابیع حیال قلّة المواد الغذائیة.

و یحتمل قویاً أیضاً، أنَّ جمیع هذه المعانی تجتمع فی مفهوم الآیة، أی إنّ الإنسان الأوّل خلق من ماء، وأن تکوّن جمیع أفراد البشر من ماء النطفة أیضاً، وأنّ الماء یشکل أهم مادة فی بناء جسم الإنسان أیضاً... الماء الذی یعتبر من أبسط موجودات هذا العالم، کیف صار مبدأ إیجاد مثل هذا الخلق الجمیل!؟ وهذا دلیل بیّن على قدرته تبارک وتعالى.

بعد ذکر خلق الإنسان، یورد جلّ ذکره الکلام عن انتشار الأنسان، فیقول: (فجعله نسباً وصهر).

المقصود من «النسب» هو القرابة التی تکون بین الناس عن طریق الذریة والولد، مثل إرتباط الأب والابن، أو الإخوة بعضهم مع بعض، أمّا المقصود من «صهر» التی هی فی الأصل بمعنى «الختن» هو الإرتباط الذی یقام بین طائفتین عن هذا الطریق، مثل إرتباط الإنسان بأقرباء زوجته، وهذان الإثنان هما ما یعبر عنه الفقهاء فی مباحث النکاح بـ «النسب» و«السبب».

فی القرآن المجید فی سورة النساء، أشیر إلى المحارم النسبیة النسب فی سبعة موارد (الأم، البنت، الأخت، العمة، الخالة، بنت الأخ، بنت الأخت) وإلى المحارم السببیة فی أربعة موارد (بنت الزوجة، أم الزوجة، زوجة الابن، زوجة الأب).

من المؤکّد أنّ هناک وجهات نظر اُخرى لدى المفسّرین فی تفسیر هذه الجملة، لکن ماقلناه أوضح وأقوى من جمیعها.

فمن جملتها أنّ جماعة منهم اعتبروا «النسب» بمعنى أولاد الابن،«الصهر» بمعنى أولاد البنت، ذلک لأنّ الإرتباط النسبی یحسب على أساس الآباء لا على أساس الاُمهات.

و کما قلنا بشکل مفصل ـ فی ذیل الایة 61 من سورة آل عمران ـ فإنّ هذا اشتباه کبیر، استمدَّ من سنن أیّام ما قبل الإسلام، حیث اعتبروا النسب عن طریق الأب فقط، ولیس للأم أی أثر، فی حین أنّ من المسلمات فی الفقه الإسلامی وبین جمیع علماء الإسلام أنّ الحرمة النسبیة من ناحیة الأب ومن ناحیة الاُم أیضاً (ولزیادة الاطلاع، راجع التّفسیر ذیل الآیة 61 من سورة آل عمران).

و الجدیر بالذکر، أنّ لدینا حدیثاً معروفاً، نقل فی کتب الشیعة والسنة، وطبقاً لهذا الحدیث فإنّ الآیة أعلاه نزلت فی النّبی(صلى الله علیه وآله) وعلی(علیه السلام)، وذلک أنّ النّبی زوّج ابنته فاطمة من علی(علیهما السلام)، ولهذا فقد کان علی(علیه السلام) ابن عمّ النّبی(صلى الله علیه وآله) وزوج ابنته أیضاً، وهذا معنى «نسباً وصهراً».(2)

ولکن هذه الرّوایات تعتبر بیان للمصادیق الواضحة، ولا تقدح بعمومیة مفهوم الآیة، فالآیة تشمل کل إرتباط یکون عن طریق النسب والمصاهرة، وأحد مصادیقها الواضحة کان إرتباط علی(علیه السلام) من جهتین مع النّبی(صلى الله علیه وآله).

فی ختام الآیة یقول تبارک وتعالى بصیغة التأکید على المسائل الماضیة: (وکان ربّک قدیر).

و یبیّن القرآن الکریم فی نهایة المطاف فی الآیة الأخیرة ـ مورد البحث ـ انحراف المشرکین عن أصل التوحید، من خلال المقایسة بین قدرة الأصنام وقدرة الخالق، حیث مرّت نماذج منها فی الآیات السابقة، یقول: (ویعبدون من دون الله ما لا ینفعهم ولا یضرّهم)

من المسلّم أنّ وجود المنفعة والضرر لا یکون وحده معیار العبادة، لکن القرآن یبیّن من خلال هذا التعبیر هذه النکتة، وهی أنّهم یفتقدون أیة حجة فی هذه العبادة، لأنّ الأصنام موجودات عدیمة الخاصیة تماماً، وفاقدة لأیة قیمة، ولأی تأثیر سلبی أو إیجابی.

و یضیف القرآن الکریم فی ختام الآیة أنّ الکفرة یعین بعضهم بعضاً فی مواجهة خالقهم «فی طریق الکفر» (وکان الکافر على ربّه ظهیر).

إنّ هؤلاء لیسوا وحدهم فی طریق الضلال، إنّهم یقوی بعضهم بعضاً بشکل قاطع، ویعبئون القوى ویقیمون العراقیل ضد دین الله ونبیّه والمؤمنین الحقیقیین، وإذا رأینا أنّ بعض المفسّرین یحصر «الکافر» الوارد فی هذه الآیة فی «أبی جهل» فمن باب ذکر المصداق البارز، وإلاّ فإنّ الکافر فی کل مورد له معنى واسع یشمل جمیع الکفار.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 175.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 175، وتفسیر روح المعانی، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة الفرقان / الآیة 51 ـ 55 1ـ وحدة القیادة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma