إن اختلاق ونشر الشائعة الکاذبة یُودِّی إلى سَیْطَرةِ القَلَقِ واستبدادِ الإضطراب وانعدام الثقةِ، وهذِهِ مِن أهَمِّ ما تَرْمی إلیه الحَرْبُ النفسیّةُ للمستعمرین بغیة إثارة الْبَلْبلةِ وَنشْرَ الفَزَع، لیتسنى لهم التَّغَلُّب العَسکری والسیاسی.
فعندما یعجز العدو عن إلحاق الضرر بصورة مباشرة، یقوم بنشر الشائعات، لبث الرعب والقلق فی الناس، لیشغلهم بأنفُسهم، وَلِیَحْرِفَهُمْ عَنْ أهم قضایاهم حساسیة، ولیتسنَّى لَهُ الظُهُورُ علیهم والتمکُّنُ مِنهُم فی کل مجال. واختلاق الشائعة من الأسلحة المخربة المستعملة ضدّ الصالحین والطیبین، لِعَزْلِهِم وإقصاءِ الناس عنهم.
وبحسب أسباب النّزول المعروفة بشأن الآیات موضع البحث لجأ المنافقون إلى أخَسِّ السبل لتلویث سمعة النّبی(صلى الله علیه وآله) والحط من شأنه المقدّس لدى الناس، باختلاق شائعة تمسّ طهارة وعفة إحدى زوجاته مستغلین فی ذلک فرصة سنحت لهم، ممّا أدى إلى تشویش أفکار المسلمین، وإدخال الحزن إلى قلوبهم، بحیث اضطرب الجمیع، وأصاب المؤمنین القلق الشدید حتى نزل الوحی وأنقذهم من هذه الحالة، ومرّغ أنُوفَ المنافقین فی الوَحلِ بما اختلقوا هذه الشائعة، وجعلهم عبرة للآخرین .
ورغم أنّ اختلاق الشائعة یعدّ نوعاً من الکفاح فی المجتمعات التی تسودها الدکتاتوریة ویفتقد الناس فیها الحریة، إلاَّ أنّ من أسبابها ودوافعها الإنتقام، وتصفیة الحساب مع أشخاص معنیین، وإزالة الثقة العامّة بالشخصیات الکبیرة، وحرف الرأی العام عن القضایا الجوهریة.
ولا یهمنا أن نعلم دوافع اختلاق الشائعات، إنّما المهم تحذیر المجتمع من مغبة الوقوع فی براثن الذین یختلقون الشائعات وینشرونها بین الناس، وبذلک یدمرون المجتمع وأنفسهم بأیدیهم! وأن نعلّم الناس بأن یدفنوا الشائعة فی مهدها،وإلاّ فقد أدخلنا السرور إلى قلب العدو، وعرضنا أنفسنا إلى عذاب الدنیا والآخرة کما نصّت علیه الآیات السابقة.
