الملوکُ مفسدون مخرّبون:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة النّمل / الآیة 27 ـ 35 1ـ آداب کتابة الرسائل

لقد أصغى سلیمان(علیه السلام) إلى کلام الهُدهد بکل اهتمام.. وفکّر ملیّاً، ولعل سلیمان کان یظنُّ أنّ کلام الهدهد صحیح، ولا دلیل على کذب بهذا الحجم.. لکن حیث إنّ هذه المسألة لم تکن مسألة «ساذجةً» بسیطة، ولها أثر کبیر فی مصیر بلد کامل وأمّة کبیرة!.. فینبغی أن لا یکتفی بمخبر واحد، بل ینبغی التحقیق أکثر فی هذا المجال: (قال سننظر أصدقت أم کنت من الکاذبین).

وهذا الکلام یثبت بصورة جیدة أنّه یجب الاهتمام فی المسائل المصیریة المهمّة، حتى لو أخبر بها «فردٌ» صغیر، وأن یُعجّل فی التحقیقات اللازمة «کما تقتضیه السین» فی جملة «سننظر»!

سلیمان(علیه السلام) لم یتّهم الهدهد فیحکم علیه بالکذب.. ولم یُصدّق کلامه دون أىّ دلیل... بل جعله أساساً للتحقیق!

وعلى کل حال،فقد کتب کتاباً وجیزاً ذا مغزى عمیق، وسلّمه إلى الهدهد وقال له: (اذهب بکتابی هذا فألقه إلیهم ثمّ تولّ عنهم فانظر ماذا یرجعون)(1).

یستفاد من التعبیر (ألقه إلیهم) أن یلقی الکتاب عندما تکون ملکة سبأ حاضرة بین قومها، لئلا تعبث به ید النسیان أو الکتمان.، ومن هنا یتّضح أنّ ما ذهب إلیه بعض المفسّرین بأنّ الهدهد ذهب إلى قصر ملکة سبأ ودخل مخدعها وألقى الکتاب على صدرها أو حنجرتها ـ لا یقوم علیه دلیل ـ وإن کان متناسباً مع الجملة التی وردت فی الآیة التالیة (إنّی اُلقی إلیّ کتاب کریم).

ففتحت ملکة سبأ کتاب سلیمان، واطّلعت على مضمونه، وحیث إنّها کانت من قبل قد سمعت بأخبار سلیمان واسمه، ومحتوى الکتاب یدلّ على إقدامه وعزمه الشدید فی شأن بلدة «سبأ»، لذلک فکّرت ملیّاً، ولما کانت فی مثل هذه المسائل المهمّة تستشیر من حولها، لذلک فقد دعتهم وتوجهت إلیهم و(قالت یا أیّها الملأ إنّی اُلقی إلیّ کتاب کریم).

ترى، حقّاً أنّ ملکة سبأ لم تکن رأت «حامل الکتاب»، إلاّ أنّها أحست بأصالة الکتاب من القرائن الموجودة فیه؟ ولم تحتمل أن یکون الکتاب مفتعلا ومفترى أبداً؟!

أم أنّها رأت الرّسول باُم عینیها، ورأت کیفیة وصول الکتاب المدهشة التی هی بنفسها دلیل على أنّ المسألة واقعیة ومهمّة، ومهما کان الأمر فإنّها عوّلت على الکتاب بکل اطمئنان؟

وقول الملکة: (إنّی ألقی إلىّ کتاب کریم) «أی قیم» لعله لمحتواه العمیق، أو لأنّه بُدىء باسم الله أو لأنّه ختم بإمضاء صحیح(2). أو لأنّ مرسله رجل عظیم، وقد احتمل کل مفسّر وجهاً منها ـ أو جمیعها ـ لأنّه لا منافاة بینها جمیعاً. وقد تجتمع جمیعها فی هذا المفهوم الجامع!.

صحیح أنّهم (قوم سبأ) کانوا یعبدون الشمس، إلاّ أننا نعرف أنّ کثیراً من عبدة الأصنام کانوا یعتقدون بالله ـ أیضاً ـ ویسمونه ربّ الأرباب ویعظمونه ویحترمونه.

ثمّ إنّ «ملکة سبأ» تحدثت عن مضمون الکتاب فقالت: (إنّه من سلیمان وإنّه بسم الله الرّحمن الرّحیم * ألاّ تعلوا علىَّ وأتونی مسلمین)(3).

ومن البعید ـ کما یبدو ـ أن یکون سلیمان کتب کتابه إلى ملکة سبأ بهذه العبارات «وهذه الألفاظ العربیّة». إذاً فالجمل الآنفة یمکن أن تکون منقولة بالمعنى، أو أنّها خلاصة ما کان کتبه سلیمان، وقد أدّتها ملکة سبأ بهذه الوجازة والاقتضاب إلى قومها.

الطریف أنّ مضمون هذا الکتاب لم یتجاوَز فی الواقع ثلاث جمل:

الأولى: ذکر «اسم الله» وبیان رحمانیّته ورحمته.

الثّانیة: الأمر بترک الإستعلاء والغرور.. لأنّ الإستعلاء مصدر المفاسد الفردیّة والاجتماعیّة.

والثّالثة: التسلیم والإذعان للحق.

وإذا أمعنا النظر لم نجد شیئاً آخر لابدّ من ذکره.

وبعد أن ذکرت ملکة سبأ محتوى کتاب سلیمان لقومها... التفتت إلیهم و(قالت یا أیّها الملأ افتونی فی أمری ما کنت قاطعةً أمراً حتّى تشهدون).

لقد أرادت الملکة بهذه الاستشارة تقویة مرکزها فی قومها، وأن تلفت أنظارهم إلیها، کما أرادت ضمناً أن تعرف مدى انسجامهم ومیزان استجابتهم لما تُقدم علیه من تصمیم.

کلمة «أفتونی» مشتقّة من (الفتوى) معناها فی الأصل الحکم الدقیق والصحیح فی المسائل الغامضة والصعبة... فملکة سبأ أرادت بهذا التعبیر أن تشعرهم بصعوبة المسألة أوّلا، وأن یدققوا النظر ویجمعوا الرأی فیها لیتجنبوا الخطأ ثانیاً.

«تشهدون» مأخوذ من مادة «الشهود»، ومعناه الحضور... الحضور المقرون بالتعاون والمشورة!.

فالتفت إلیها أشراف قومها وأجابوها على استشارتها فـ (قالوا نحن اُولوا قوّة وأولوا بأس شدید والأمر إلیک فانظری ماذا تأمرین).

وهکذا فقد أظهروا لها تسلیمهم وإذعانهم لأوامرها... کما أبدوا رغبتهم فی الإعتماد على القوّة والحضور فی میدان الحرب.

ولمّا رأت الملکة رغبتهم فی الحرب خلافاً لمیلها الباطنی، ومن أجل إطفاء هذا الظمأ وأن تکون هذه القضیة مدروسة، لذلک (قالت إنّ الملوک إذا دخلوا قریة أفسدوها وجعلو أعزّة أهلها أذلّةً).

فیقتلون جماعةً منهم ویأسرون آخرین ویطردون طائفة ثالثة ویخرجونهم من دیارهم ویخربون حیّهم وینهبون ثرواتهم وأموالهم.

ولمزید التأکید أردفت قائلةً: (وکذلک یفعلون).

وفی الحقیقة... إنّ ملکة سبأ التی کانت بنفسها ملکةً، کانت تعرف نفسیة الملوک بصورة جیدة، وأنّ سیرتهم تتلخص فی شیئین:

الإفساد والتخریب.

وإذلال الأعزة.

لأنّهم یفکرون فی مصالحهم الشخصیة، ولا یکترثون بمصالح الاُمّة وعزتها... وهما على طرفی نقیض دائماً.

ثمّ أضافت الملکة قائلةً: علینا أن نختبر سلیمان وأصحابه، لنعرف من هم وما یریدون؟ وهل سلیمان نبیّ حقاً أو ملک؟ وهل هو مصلح أو مفسد؟ وهل یذلّ الناس أم یحترمهم ویعزّهم؟

فینبغی أن نرسل شیئاً إلیه (وإنّی مرسلة إلیهم بهدیّة فناظرة بم یرجع المرسلون).

فالملوک لهم علاقة شدیدة بالهدایا، ونقطة الضعف کامنة فی هذا الأمر، فیمکن أن یذعنوا للهدایا الغالیة... فإذا أذعن سلیمان بهذه الهدیة فهو ملک، وینبغی أن نواجهه بالقوّة فنحن أقویاء... وإذا ألح على کلامه ولم یکترث بنا فهو نبیّ، وفی هذه الصورة ینبغی التعامل معه بالحکمة والتعقل!

ولم یذکر القرآن أیة هدیة أرسلتها الملکة إلى سلیمان، لکنّه بتنکیرها بیّن عظمتها، إلاّ أنّ المفسّرین ذکروا مسائل کثیرة لا یخلو بعضها من الاغراق:

قال بعضهم: أرسلت إلیه خمسمائة غلام وخمسمائة جاریة ممتازة، وقد ألبست الرجال ثیاب النساء والنساء ثیاب الرجال، وجعلت الأقراط فی آذان الرجال والاسورة فی

أیدیهم، وألبست الجواری تیجاناً... وکتبت فی رسالتها إلى سلیمان: لو کنت نبیّاً فمیّز الرجال من النساء!

وبعثت اُولئک على مراکب ثمینة، ومعهم جواهر وأحجار کریمة، وأوصت رسولها ـ فی الضمن ـ أن أنظر کیف یواجهک سلیمان عند وردک علیه، فإن واجهک بالغضب فاعلم بأنّه سیرة الملوک، وإن واجهک بالمحبة واللطف فاعلم أنّه نبیّ.


1. قال بعض المفسّرین: إنّ جملة (ثمّ تول عنهم) مؤخرة معنىً، وإن تقدمت فی العبارة، وأصلها هکذا: فانظر ماذا یرجعون ثمّ تولّ عنهم... وإنّما قدروا ذلک لأنّ تولّ عنهم معناه العودة والرجوع، مع أنّ ظاهر الآیة أنّه ألق الکتاب واعرض عنهم وانتظر فی مکان مشرف لترى رد فعلهم!
2. ورد فی الحدیث أن کون الکتاب کریماً هو بخاتمه «تفسیر مجمع البیان وتفسیر المیزان وتفسیر القرطبی». وجاء فی حدیث آخر أنّ الرّسول(صلى الله علیه وآله) أراد أن یکتب رسالة للعجم، فقیل له: إنّهم لا یقبلونها إلاّ بالخاتم، فأمر النّبی أن یصنع له خاتم ونقشه «لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله» وختم الرسالة أو الکتاب بذلک الخاتم «تفسیر القرطبی ذیل الآیات مورد البحث».
3. جملة (ألاّ تعلوا علی) یمکن أن تکون بمجموعها بدلا من (کتاب) وبیان لمحتواه. کما یمکن أن تکون (أن) تفسیریة فهی هنا بمعنى (أی) ـ کما یحتمل أن (أن) تکون متعلقة بمحذوف وتقدیره: أوصیکم ألا تعلوا الخ.
سورة النّمل / الآیة 27 ـ 35 1ـ آداب کتابة الرسائل
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma