شعیب وأصحابُ الأیکة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الشّعراء / الآیة 176 ـ 184 سورة الشّعراء / الآیة 185 ـ 191

هذه هى القصّة السابعة، والحلقة الأخیرة من قصص الأنبیاء الواردة فی هذه السورة... وهی قصة «شعیب»(علیه السلام) وقومه المعاندین.

کان هذا النّبی یقطن فی «مدین»، «وهی مدینة تقع جنوب الشامات».

و «أیکة» على وزن (لیلة) «قریة أو أرض معمورة على مقربة من مدین».

والآیة 79 من سورة الحجر تدل على أن «أیکة» کانت تقع فی طریق أهل الحجاز إلى الشام.

تقول الآیة الاُولى من الآیات محل البحث: (کذّب أصحاب الأیکة المرسلین).

إنّهم لم یکذبوا نبیّهم شعیباً فحسب، بل کذبوا جمیع الأنبیاء، لأنّ دعوتهم واحدة... أو لأنّهم لم یصدقوا ویقبلوا بأیّ رسالة سماویة أبداً.

والأیکة معناها فی الأصل محل مکتظ بالأشجار، وهی هنا إشارة إلى منطقة تقع على مقربة من «مدین»، سمّیت بذلک لأنّ فیها أشجاراً کثیرة وماءً وظلالا!... والقرائن تشیر إلى أنّهم کانوا منعّمین مترفین ذوی حیاة مرفهة وثروة کثیرة، وربّما کانوا لهذه الاُمور غرقى الغرور والغفلة!

ثمّ یتحدث القرآن إجمالا عن شعیب(علیه السلام) وعنهم فیقول: (إذ قال لهم شعیب ألا تتّقون).

وفی الحقیقة فإن دعوة شعیب(علیه السلام) انطلقت من النقطة التی ابتدأها سائر الأنبیاء، وهی التقوى ومخافة الله التی تعدُّ أساس المناهج الإصلاحیة والتغییرات الأخلاقیة والاجتماعیة جمعاء.

والجدیر بالذکر أنّ التعبیر «أخوهم» الوارد فی قصص صالح وهود ونوح ولوط(علیهم السلام)، لم یُلاحظ هنا، ولعل منشأ ذلک یعود إلى أنّ «شعیباً» کان من أهل مدین أصلا ـ وتربطه باهلها روابط نسبیة، ولیس کذلک مع أصحاب الأیکة... ولذلک نرى فی سورة هود حین یشیر القرآن إلى إرسال «شعیب» إلى قومه من أهل مدین یقول: (وإلى مدین أخاهم شعیب)(1) إلاّ أنّ الآیة محل البحث لما کانت تتحدث عن أصحاب الأیکة، وشعیب(علیه السلام) لا تربطه رابطة نسبیة بهم لم تذکر التعبیر «أخاهم».

ثمّ أضاف شعیب قائلا: (إنّی لکم رسول أمین * فاتّقوا الله وأطیعون) فطاعتکم لی طاعة لله.

واعلموا أنّی أبتغی ثوابه ووجهه (وما أسألکم علیه من أجر إن أجری إلاّ على ربّ العالمین).

وهذه التعابیر هی التعابیر ذاتها التی دعا بها سائر الأنبیاء اُمَمهم، فهی متحدة المآل ومدروسة، إذ تدعو إلى التقوى، وتؤکّد على سابقة أمانة النّبی بین قومه، کما أنّها تؤکّد على أنّ الهدف من الدعوة إلى الله معنوی فحسب، ولیس وراعها هدف مادی، ولا یطمع أیّ من الأنبیاء بما فی ید الآخرین، لیکون مثاراً للشکوک وذریعةً للمتذرعین!

و «شعیب» کسائر الأنبیاء الذین ورد جانب من تأریخ حیاتهم فی هذه السورة، فهو یدعو قومه بعد الدعوة العامّة للتقوى وطاعة الله، إلى إصلاح انحرافاتهم الأخلاقیة والاجتماعیة وینتقدهم على هذه الإنحرافات، وحیث إنّ أهم انحراف عند قومه کان الاضطراب الاقتصادی، والاستثمار والظلم الفاحش فی الأثمان والسلع، والتطفیف فی الکیل، لذلک فقد اهتم بهذه المسائل أکثر من غیرها، وقال لهم: (أوفوا الکیل ولا تکونوا من المخسرین * وزنوا بالقسطاس(2) المستقیم * ولا تبخسوا النّاس أشیاءهم ولا تعثوا فی الأرض مفسدین).

وفی هذه الآیات الأخیرة الثلاث یأمر شعیب هؤلاء القوم الضالین بخمسة أوامر فی عبارات موجزة، ویتصور بعض المفسّرین أنّ هذه العبارات بعضها یؤکّد بعضاً، إلاّ أنّ التدقیق فیها یدلّ على أنّ هذه الأوامر الخمسة فی الواقع تشیر إلى خمسة مطالب أساسیة ومختلفة، أو بتعبیر آخر: هی أربعة أوامر ونتیجة کلیّة!

ولکی یتّضح هذه الاختلاف أو التفاوت، فإنّه یلزم الإلتفات إلى هذه الحقیقة... وهی أنّ قوم شعیب (أهل مدین وأصحاب الأیکة) کانوا مستقرین فی منطقة حساسة تجاریة، وهی على طریق القوافل القادمة من الحجاز إلى الشام، أو العائدة من الشام إلى الحجاز، ومن مناطق اُخَر.

ونحن نعرف أنّ هذه القوافل تحتاج فی اثناء الطریق إلى اُمور کثیرة... وطالما یسیءُ أهل المنطقة الاستفادة من هذه الحالة، فهم یستغلونها فیشترون بضائعهم بأبخس ثمن... ویبیعون علیهم المستلزمات بأعلى ثمن «وینبغی الإلتفات إلى أن أکثر المعاملات فی ذلک الحین کانت قائمة على أساس المعاوضة سلعة بسلعة».

وربما تذرعوا عند شراء البضاعة بأنّ فیها عدّة عیوب، وإذا أرادوا أن یبیعوا علیهم عرّفوها بأحسن التعاریف، وعندما یزنون لأنفسهم یستوفون الوزن، وإذا کالوا الآخرین أو وزنوا لهم لا یهتمون بالمیزان الصحیح والإستیفاء السلیم، وحیث إنّ الطرف المقابل محتاج إلى هذه الاُمور على کل حال ومضطر إلیها، فلابدّ له من أن یقبلها ویسکت علیها!...

وبغضّ النظر عن القوافل التی تمرّ علیهم، فإنّ أهل المنطقة نفسها المضطرین إلى التعامل ببضائعهم مع هؤلاء المطففین، لیسوا بأحسن حظاً من أصحاب القوافل أیضاً.

فقیمة المتاع سواءً کان الجنس یراد بیعهُ أو شراؤة تتعین بحسب رغبة الکسبة هؤلاء، والوزن والمکیال على کل حال بأیدیهم، فهذا المسکین المستضعف علیه أن یستسلم لهم کالمیت بید غاسله!

ومع ملاحظة ما ذکرناه آنفاً، نعود الآن إلى تعابیر الآیات المختلفة... فتارة یقول شعیب لقومه: أوفوا الکیل، وفی مکان آخر یقول: زنوا بالقسطاس المستقیم، ونعرف أن تقویم الأجناس والبضائع یتم عن طریق الکیل أو الوزن، فهو یشیر إلى کل واحد منهما ویهتم به اهتماماً خاصاً... لمزید التأکید على أن لا یبخسوا الناس أشیاءهم.

ثمّ إنّ التطفیف أن بخس الناس له طرق شتى، فتارةً یکون المیزان صحیحاً إلاّ صاحبه لا یؤدّی حقّه، وتارة یکون اللعب أو العیب فی المیزان... فهو یغش صاحبه بما فیه من عیب، وقد جاءت الإشارات فی الآیات الآنفة إلى جمیع هذه الاُمور.

وبعد اتضاح هذین التعبیرین (وأوفوا الکیل... * وزنوا بالقسطاس) نأتی الى معنى (لا تبخسو) المأخوذة من «البخس»، وهو فی الأصل النقص ظلماً من حقوق الناس... وقد یأتی أحیاناً بمعنى الغش أو التلاعب المنتهی إلى تضییع حقوق الآخرین... فبناءً على ما تقدم، فإن الجملة الآنفة (ولا تبخسوا النّاس أشیاءهم) لها معنى واسع یشمل جمیع أنواع الغش والتزویر والتضلیل، والتلاعب فی المعاملات، وغمط حقوق الآخرین!

وأمّا جملة (ولا تکونوا من المخسرین) فمع ملاحظة أن «المخسر» هو من یوقع الآخر أو الشیء فی الخسران... فمعناه واسع أیضاً، إذ یشمل بالإضافة إلى البخس والتطفیف کل ما من شأنه أن یکون سبباً للخسارة وإیذاء الطرف الآخر فی المعاملة!

وهکذا فإنّ جمیع ما ذُکر من الإستغلال وسوء الاستفادة والظلم، والمخالفة فی المعاملة والغش والإخسار، سواءاً کان ذلک فی الکمیة أو الکیفیة، کله داخل فی التعلیمات آنفة الذکر.

وحیث إنّ الاضطراب الاقتصادی، أو الأزمة الاقتصادیة، أساس لا ضطراب المجتمع، فإنّ شعیباً یختتم هذه التعلیمات بعنوان جامع فیقول: (ولا تعثوا فی الأرض مفسدین). فتجرّوا المجتمع إلى هاویة الفساد والانحطاط، فعلیکم أن تضعوا حدّاً لأی نوع من الاستثمار والعدوان وتضییع حقوق الآخرین.

وهذه التعلیمات لیست بناءة للمجتمع الثری الظالم فی عصر شعیب فحسب، بل هی بناءة ونافعة لکل عصر وزمان، وداعیة إلى العدالة الاقتصادیة!

ثمّ إن «شعیباً» فی آخر تعلیماته ـ فی هذا القسم ـ یدعوهم مرد اُخرى إلى تقوى الله فیقول: (واتّقوا الّذی خلقکم والجبلّة الأوّلین).

فلستم أول قوم أو جماعة خُلقوا على هذه الأرض، فآباؤکم والاُمم الاُخرى جاءوا وذهبوا، فلا تنسوا ماضیهم وما تقبلون علیه.

(الجبلة» مأخوذة من (الجبل) وهو معروف «ما ارتفع من الأرض کثیراً» ویسمى الطود أحیاناً... فالجبلة تطلق على الجماعة الکثیرة التی هی کالجبل فی العظمة.

قال بعضهم: الجبلة مقدار عددها عشرة آلاف!

کما تطلق الجبلة على الطبیعة والفطرة الإنسانیة، لأنّها لا تتغیر، کما أنّ الجبل لا یتغیّر عادةً.

والتعبیر المتقدم لعله إشارة إلى أنّ شعیباً یقول: إنّما أدعوکم إلى ترک الظلم والفساد، وأداء حقوق الناس ورعایة العدل، لأنّ ذلک موجود فی داخل الفطرة الإنسانیة منذ الخلق الأوّل، وأنا جئتکم لإحیاء هذه الفطرة.

إلاّ أنّه ـ وللأسف ـ لم تؤثر کلمات هذا النّبی المشفق، فأجابوه بمنطق «مُرّ وفظ» سنقرؤه فی الآیات المقبلة.


1. الأعراف، 85.
2. «القسطاس»، «على وزن نِسناس» معناه «میزان» قال بعضهم: أصل هذه الکلمة رومیّة، وقال بعضهم. بل هی عربیة، ویعتقد بعضهم أنّ القسطاس میزان کبیر، أما المیزان نفسه المستعمل فی لغة العرب فهو الصغیر، وقالوا: إنّ للقسطاس مؤشراً ولساناً فهو لذلک دقیق الوزن!...
سورة الشّعراء / الآیة 176 ـ 184 سورة الشّعراء / الآیة 185 ـ 191
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma