أعبدُ ربَّاً... هذه صفاته:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الشّعراء / الآیة 69 ـ 82 سورة الشّعراء / الآیة 83 ـ 87

کما ذکرنا فی بدایة هذه السورة، فإنّ الله یبیّن حال سبعة من الأنبیاء العظام، ومواجهاتهم أقوامهم لهدایتهم، لتکون «مدعاة» تسلیة للنّبی(صلى الله علیه وآله) والمؤمنین القلّة معه فی عصره، وفی الوقت ذاته إنذار لجمیع الأعداء والمستکبرین أیضاً.

لذلک تعقّب هذه الآیات على قصّة موسى وفرعون الملیئة بالدروس لتبیّن قصة إبراهیم ومواجهاته المشرکین، وتبدأ هذه الآیات بمحاورة إبراهیم لعمه آزر(1) فتقول:

(واتلُ علیهم نبأ إبراهیم).

ومن بین جمیع الأخبار المتعلقة بهذا النبیِّ العظیم یرکّز القرآن الکریم على هذا القِسْمِ: (إذْقالَ لأبیهِ وقومه ما تعبدون

ومن المسلّم به أنّ إبراهیم کان یعلم أیّ شیء یعبدون، لکن کان هدفه أن یستدرجهم لیعترفوا بما یعبدون، والتعبیر بـ «ما» مبیّنٌ ضمناً نوعاً من التحقیر!

فأجابوه مباشرةً (قالوا نعبدُ أصناماً فنظلُّ لها عاکفین)! وهذا التعبیر یدلّ على أنّهم یحسّوا بالخجل من عملهم هذا، بل یفتخرون به، إذا کان کافیاً أن یجیبوه: نعبد أصناماً، إلاّ أنّهم أضافوا هذه العبارة: (فنظلّ لها عاکفین)!

التعبیر بـ «نظلّ» یُطلق عادة على الأعمال التی تؤدّى خلال الیوم، وذکره بصیغة الفعل المضارع إشارة إلى الاستمرار والدوام.

کلمة «عاکفین» مأخوذة من «العکوف»، ومعناه التوجه نحو الشیء وملازمته باحترام، وهی تأکید لما سبق من التعبیر.

«الأصنام» جمع الصنم، وهو الهیکل أو التمثال المصنوع من الذهب أو الخشب أو ما شاکلهما للعبادة، وکانوا یتصورون أنّها مظهر للتقدیس.

وعلى کل حال، فإنّ إبراهیم لما سمع کلامَهم رشقهم بنبال الإشکال والإعتراض بشدّة، وقمعهم بجملتین حاسمتین جعلهم فی طریق مغلق، فـ (قال هل یسمعونکم إذ تدعون * أو ینفعونکم أو یضرّون)؟!

إنّ أقلّ ما ینبغی توفره فی المعبود هو أنْ یسمعَ نداء عابده، وأن ینصره فی البلاء، أو یضره عند مخالفة أمره!

إلاّ أنّ هذه الأصنام لیس فیها ما یدلُّ على أن لَها أقلّ إحساس أو شعور أو أدنى تأثیر فی عواقب الناس، فهی أحجار أو فلزات «أو معادن أو خشب لا قیمة لها! وإنّما أعطتها الخرافات هذه الهالة وهذه القیمة الکاذبة!

إلاّ أنّ عبدة الأصنام الجهلة المتعصبین واجهوا سؤال إبراهیم بجوابهم القدیم الذی یکررونه دائماً، فـ (قالوا بل وجدنا آباءنا کذلک یفعلون).

وهذا الجواب الذی یکشف عن تقلیدهم الأعمى لأسلافهم الجهلة هو الجواب الوحید الذی استطاعوا أن یردّوا به على إبراهیم(علیه السلام)، وهو جواب دلیلُ بطلانه کامنٌ فیه، ولیس أی عاقل یجیز لنفسه أن یقفَو أثرَ غیره ویصم اُذنیه ویغمضُ عینیه، ولا سیما أن تجارب الخلف أکثر من السلف عادة، ولا یوجد دلیل على تقلیدهم الأعمى!

والتعبیر بـ (کذلک یفعلون) تأکید أکثر على تقلیدهم، أی نفعل کما کانوا یفعلون، سواءً عبدوا الأصنام أم سواها.

فالتفت إبراهیم مُوبّخاً لهم ومبیناً موقفة منهم و(قال أفرأیتم ما کنتم تعبدون * أنتم وآباؤکم الأقدمون * فإنّهم عدوّلی إلاّ ربَّ العالمین).

أجلْ... إنّهم جمیعاً أعدائی وأنا معادیهم، ولا أسالمهم أبداً.

وممّا ینبغی الإلتفات إلیه أنّ إبراهیم الخلیل(علیه السلام) یقول: «فإنّهم عدوٌّ لی» وإن کان لازم هذا التعبیر أنّه عدوّ لهم أیضاً، إلاّ أنّ هذا التعبیر لعله ناشىء من أنّ عبادة الأصنام أساس الشقاء والضلال وعذاب الدنیا والآخرة «للإنسان»، وهذه الاُمور فی حکم عداوتها للإنسان، أضف إلى ذلک أنّه یستفاد من آیات متعددة من القرآن أنّ الأصنام تبرأ من عبدتها یوم القیامة وتعادیهم، وتحاججهم بأمر الله وتنفر منهم.(2)

واستثناء ربّ العالمین مع أنّه لم یکن من معبوداتهم، وکما یصطلح علیه استثناء منقطع، إنّما هو للتأکید على التوحید الخالص.

کما یَرِدُ هذا الاحتمال وهو أن من بین عبدة الأصنام من کان یعبدُ الله إضافة إلى عبادة الأصنام، فاستثنى إبراهیم «ربّ العالمین» من الأصنام، رعایةً لهذا الموضوع.

وذکر الضمیر «هم» الذی یستعمل عادةً للجمع «فی العاقلین» وقد ورد فی شأن الأصنام، لما ذکرناه من بیان آنفاً.

ثمّ یصف إبراهیم الخلیل ربّ العالمین ویذکر نعمه المعنویة والمادیّة، ویقایسها بالأصنام التی لا تسمع الدعاء ولا تنفع ولا تضرّ، لیتّضح الأمر جلیّاً.

فیبدأ بذکر نعمة الخلق والهدایة فیقول: (الّذی خلقنی فهو یهدین) فقد هدانی فی عالم التکوین، ووفر لی وسائل الحیاة المادیة والمعنویة، کما هدانی فی عالم التشریع فأوحى إلیّ وأرسل إلیّ الکتاب السماوی.

وذکر «الفاء» بعد نعمة الخلق، هو إشارة إلى أنّ الهدایة لا تنفصل عن الخلق أبداً، وجملة (یهدین) الواردة بصیغة الفعل المضارع، دلیل واضح على استمرار هدایته، وحاجة الإنسان إلیه فی جمیع مراحل عمره!

فکأن أبراهیم فی کلامه هذا یرید أن یبیّن هذه الحقیقة، وهی إنّنی کنت مع الله منذ أن خلقنی، ومعه فی جمیع الأحوال، وأشعر بحضوره فی حیاتی، فهو ولیی حیث ما کنت ویقلبنی حیثما شاء!.

وبعد بیان أولى مراحل الربوبیة، وهی الهدایة بعد الخلق، یذکر إبراهیم الخلیل(علیه السلام) النعم المادیة فیقول: (والّذی هو یطعمنی ویسقین).

أجلْ، إنّنی أرى النعم جمیعاً من لطفه، فلحمی وجلدی وطعامی وشرابی، کل ذلک من برکاته!...

ولست مشمولا بنعمة فی حال الصحةِ فقط، بل فی کل حال (وإذا مرضت فهو یشفین).

ومع أنّ المرض أیضاً قد یکون من الله، إلاّ أنّ إبراهیم نسبه إلى نفسه رعایة للأدب فی الکلام.

ثمّ یتجاوز مرحلة الحیاة الدنیا إلى مرحلة أوسع منها... إلى الحیاة الدائمة فی الدار الآخرة، لیکشف أنّه على مائدة الله حیثما کان، لا فی الدنیا فحسب، بل فی الآخرة أیضاً. فیقول: (والّذی یمیتنی ثمّ یحیین).

أجل، إنّ موتی بیده وعودتی إلى الحیاة مرّة اُخرى منه أیضاً.

وحین أرِدُ عرصات یوم القیامة اعلقّ حبل رجائی على کرمه: (والّذی أطمع أن یغفرلی خطیئتی یوم الدّین).

وممّا لا شک فیه أنّ الأنبیاء معصومون من الذنب، ولیس علیهم وزر کی یُغفر لهم... إلاّ أنّه ـ کما قلنا سابقاً ـ قد تعدّ حسنات الأبرار سیئات المقرّبین أحیاناً، وقد یستغفرون أحیاناً من عمل صالح لأنّهم ترکوا خیراً منه... فیقال عندئذ فی حق أحدهم: تَرکَ الأَولى.

فإبراهیم(علیه السلام) لا یعوّل على أعماله الصالحة، فهی لا شیء بإزاء کرم الله، ولا تُقاس بنعم الله المتواترة، بل یعوّل على لطف الله فحسب، وهذه هی آخر مرحلة من مراحل الإنقطاع إلى الله!

وملخّص الکلام أنّ إبراهیم(علیه السلام) من أجلِ أن یبیّن المعبود الحقیقی یمضی نحو خالقیّة الله أولا، ثمّ یبیّن بجلاء مقام ربوبیته فی جمیع المراحل:

فالمرحلة الاُولى مرحلة الهدایة.

ثمّ مرحلة النعم المادیّة، وهی أعمّ من إیجاد المقتضی والظروف الملائمة أو دفع الموانع...

والمرحلة الأخیرة هی مرحلة الحیاة الدائمة فی الدار الاُخرى، فهناک یتجلَّى وجه الرب بالهبات والصفح عن الذنوب ومغفرتها!

وهکذا یبطل إبراهیم الخرافات التی کانت فی قومه، من تعدد الآلهة والأرباب وینحنی خضوعاً للخالق العظیم.


1. بیّنا مراراً أنّ لفظ «الأب» یطلق فی لغة العرب والقرآن على الوالد کما یطلق على العم، وهنا استعمل هذا اللفظ بمعناه الثانی.
2. لمزید الإیضاح فی هذا الصدد یراجع تفسیر الآیة 82 من سورة مریم.
سورة الشّعراء / الآیة 69 ـ 82 سورة الشّعراء / الآیة 83 ـ 87
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma