حدیث الافک المثیر:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
تحقیق المسألة: سورة النّور / الآیة 17 ـ 20

تقول أوّل آیة من الآیات موضع البحث، دون أن تطرح أصل الحادثة (إن الذین جاؤو بالإفک عصبة منکم) لأن من علائم الفصاحة والبلاغة، حذف الجملِ الزائدة، والإکتفاء بما تدلّ علیه الکلمات من معان شاملة.

کلمة «الإفک» على وزن «فکر» کما یقول الراغب الإصفهانی: یقصد بها کل مصروف عن وجهه، الذی یحق له أن یکون علیه، ومنه قیل للریاح العادلة عن المهاب «مؤتفکة» ثمّ اطلقت على کل کلام منحرف عن الحق ومجانب للصواب، ومن ذلک یطلق على الکذب «أفک».

ویرى «الطبرسی» فی مجمع البیان أنّ الأفک لا یطلق على کل کذبة بل الکذبة الکبیرة التی تبدل الموضوع عن حالته الأصلیة، وعلى هذا یستفاد أنّ کلمة «الإفک» بنفسها تبیّن أهمّیة هذه الحادثة وکذب التهمة المطروحة.

وأمّا کلمة «العُصبة» فعلى وزنِ «فُعْلَة» مشتقّة من العَصَبْ، وجمعها أعصاب، وهی التی تربط عضلات الجسم بعضها مع بعض، وعلى شکل شبکة منتشرة فی الجسم، ثمّ أطلقت کلمة «عصبة» على مجموعة من الناس متحدة وذات عقیدة واحدة.

واستخدام هذه الکلمة یکشف عن الإرتباط الوثیق بین المتآمرین المشترکین فی ترویج حدیث الإفک، حیث کانوا یشکّلون شبکة قویة منسجمة ومستعدة لتنفیذ المؤامرات.

وقال البعض: إنّ هذه المفردة تستعمل فی عشرة إلى أربعین شخص(1).

وعلى کل حال فإنّ القرآن طمأن وهدّأ روع المؤمنین الذین آلمهم توجیه هذه التهمة إلى شخصیة متطهرة (لا تحسبوه شرّاً لکم بل هو خیر لکم)، لأنّه کشف عن حقیقةِ عدد من الأعداء المهزومین أو المنافقین الجبناء، وفضح أمر هؤلاء المرائین، وسوّد وجوههم إلى الأبد.

ولو لم تکن هذه الحادثة، لما افتضح أمرهم بهذا الشکل، ولکانوا أکثر خطراً على المسلمین.

إنّ هذا الحادث علّم المسلمین أن اتّباع الذین یروّجون الشائعات یجرّهم إلى الشقاء، وأنَّ علیهم أن یَقِفُوا بقوّة أمام هذا العمل. کما علّم هذا الحادث المسلمین درساً آخر، وهو أنَّ لا ینظروا إلى ظاهر الحادِثِ المؤلم، بل علیهم أن یتبحّروا فیه، فقد یکون فیه خیراً کثیراً رغم سوء ظاهره.

وممّا یلفت النظر أنّ ذکر ضمیر «لکم» یعمّ جمیع المؤمنین فی هذا الحادث، وهذا حقّ، لأن شرف المؤمنین وکیانهم الاجتماعی لا ینفصل بعضه عن بعض، فهم شرکاء فی السرّاء والضرّاء.

ثمّ تعقّب هذه الآیة بذکر مسألتین:

أولاهما: (لکلّ امرىء منهم ما اکتسب من الإثم) إشارة إلى أنّ المسؤولیة الکبرى التی تقع على عاتق کبار المذنبین لا تحول دون تحمل الآخرین لجزء من هذه المسؤولیة، ولهذا یتحمل کلّ شخص مسؤولیته إزاء أیة مؤامرة.

والمسألة الثّانیة: (والذی تولّى کبره منهم له عذاب عظیم) قال بعض المفسّرین: إنّ الشخص المقصود هو «عبدالله بن أبی سلول» قائد أصحاب الإفک.

وقال آخرون: إنّه مسطح بن اُثاثة. وحسان بن ثابت کمصادیق لهذا الخطاب.

وعلى کل حال، فإنّ الذی نشط فی هذا الحادث أکثر من الآخرین، وأضرم نار الإفک، هو قائد هذه المجموعة الذی سیُعاقَبُ عِقاباً عظیماً لِکبر ذنبه. (ویحتمل أن کلمة «تولى» یقصد بها رأس مروجی حدیث الإفک).

ثمّ تَوجّهت الآیة التالیة: إلى المؤمنین الذین انخدعوا بهذا الحدیث فوقعوا تحت تأثیر الشائعات، فلامتهم بشدّة (لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خیراً).

أی: لِمَاذا لم تقفوا فی وَجْهِ المنافقین بقوّة، بل استمعتم إلى أقوالهم التی مسّت مؤمنین آخرین کانوا بمنزلة أنفسکم منکم. ولماذا لم تدفعوا هذه التهمة وتقولوا بأن هذا الکلام کذب وافتراء: (وقالوا هذا إفک مبین

أنّکم کنتم تعرفون جیداً الماضی القبیح لهذه المجموعة من المنافقین، وتعرفون جیداً طهارة الذی اتّهم، وکنتم مطمئنین من عدم صدق هذه التهمة وفق الدلائل المتوفرة لدیکم.

وکنتم تعلمون أیضاً بما یحاک من مؤامرات ضدّ النّبی(صلى الله علیه وآله) من قبل الأعداء والمنافقین، لذا فإنّکم تستحقون اللوم والتأنیب لمجرد هذه الشائعات الکاذبة، ولالتزامکم الصمت إزاءها، فکیف بکم وقد اشترکتم فی نشر هذه الشائعة بوعی أو دون وعی منکم؟

وممّا یلفت النظر أنّ الآیة السابقة بدلا من أن تقول: علیکم أن تحسنوا الظن بالمتهم وتصدقوا تهمته، فإنّها تقول (ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خیراً)وهذه العبارة ـ کما قلنا ـ إشارة إلى أنَّ أنفس المؤمنین کنفس واحدة، فإذا إتّهم أحدهم، فکأنّ التهمة موجهة لجمیعهم، ومثالهم فی ذلک کمن اشتکى عضو منه فهبت بقیة الأعضاء لنجدته.

وهکذا یجب أن یهبّ المسلم للدفاع عن إخوته وأخواته فی الدین مثلما یدافع عن نفسه(2).

وقد استعملت کلمة «الأنفس» فی آیات أخرى من القرآن فی هذا المعنى أیضاً ـ فی مثل هذه الحالات ـ کما هو فی الآیة 11 من سورة الحجرات (ولا تلمزوا أنفسکم)! أمّا الاستناد إلى الرجال والنساء المؤمنین فیشیر إلى قدرة الإیمان على ردع سوء الظن بالآخرین.

وحتى هذه اللحظة کانت الملامة ذات طابع أخلاقی ومعنوی، وتقضی بعدم التزام المؤمنین جانب الصمت إزاء مثل هذه التهم القبیحة، أو أن یکونوا وسیلة بید مُروِّجی الشائعات.

ثمّ تهتم الآیات بالجانب القضائی للمسألة فتقول: (لولا جاءو علیه بأربعة شهداء) أی لماذا لم تطلبوا منهم الإتیان بأربعة شهود. (فإذ لم یأتوا بالشهداء فأولئک عند الله هم الکاذبون).

إنّ هذه الملامة تبیّن أنّ الحکم بأداء أربعة أشخاص لشهادتهم، وکذلک حدّ القذف فی حالة عدمه قد نزل قبل الآیات التی تناولت حدیث الإفک.

وأمّا الجواب عن سؤال: کیف لم یقدم النّبی(صلى الله علیه وآله) على تنفیذ هذا الحدّ؟ فإنّه واضح، لأنّه(صلى الله علیه وآله) لم یقدم على شیء ما لم یسند من قبل الناس، فالتعصب القبلی قد یؤدّی إلى مقاومة سلبیة لبعض أحکام الله ولو بصورة مؤقتة، وقد ذکر المؤرخون أنّ الأمر کان هکذا فی هذه القضیة.

وأخیراً جمعت الآیة التالیة هذه الملامات، فقالت (ولولا فضل الله علیکم ورحمته فی الدّنیا والآخرة لمسّکم فیما أفضتم فیه عذاب عظیم).

ونظراً لأن «أفضتم» مشتقة من الإفاضة، بمعنى خروج الماء بکثرة، واستُعْمِلت فی حالات اُخرى للتوغل فی الماء، نَتَج مِن هذِهِ العبارة أنَّ شائعة الإتهام توسعت بشکل شملت المؤمنین مضافاً إلى مروجیها الأصلیین (المنافقین).

وتبیّن الآیة التالیة ـ فی الحقیقة ـ البحث السابق. وهو کیف ابتلی المؤمنون بهذا الذنب العظیم نتیجة تساهلهم؟ فتقول (إذ تلقّونه بألسنتکم) أی تذکّروا کیف رحّبتم بهذه التهمة الباطلة فتناقلتموها (وتقولون بأفواهکم ما لیس لکم به علم وتحسبونه هیّناً وهو عندالله عظیم).

وتشیر هذه الآیة إلى ثلاثة أنواع من ذنوبهم العظیمة فی هذا المجال:

الأوّل: تَقَبُّل الشائعة: استقبالها وتناقلها.

الثّانی: نشر الشائعة دون أی تحقیق أو علم بصدقها.

الثّالث: استصغار الشائعة واعتبارها وسیلة للّهو وقضاء الوقت، فی وقت تمسّ فیه کیان المجتمع الإسلامی وشرفه، إضافة إلى مساسها بشرف بعض المسلمین.

وممّا یلفت النظر أنَّ الآیة استعملت تعبیر «بألسنتکم» تارةً وأخرى تعبیر «بأفواهکم» على الرغمِ من أنَّ جمیعَ الکلام یصدر عن طریق الفم واللسان، إشارة إلى أنّکم لم تطلبوا الدلیل على الکلام الذی تقبلتموه، ولا تملکون دلیلا یُسوِّغُ لکم نَشْرُهُ، والأمر الوحید الذی کان بأیدیکم هو لقلقة لسانکم وحرکات أفواهکم.

ونظراً لهول هذه الحادثة التی استصغرها بعض المسلمین، أکدتها الآیة ثانیة، فانَّبتهم مرّة اُخرى ولذعتهم بعباراتها إذْ قالت (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما یکون لنا أن نتکلّم بهذا سبحانک هذا بهتان عظیم).

وسبق لهذه الآیة أن وجهت اللوم لهم لسوء ظنهم بالذی وجه إلیه الإتهام باطلا، وهنا

تقول الآیة: إضافة إلى وجوب حسن الظن بالمتهم یجب ألا تسمحوا لأنفسکم بالتحدث عنه، ولا تتناولوا التهمة الموجهة إلیه، فکیف بکم وقد کنتم سبباً لنشرها!

علیکم أن تعجبوا لهذه التهمة الکبیرة، وأن تذکروا الله سبحانه وتعالى، وأن تلجأوا إلى الله یطهرکم من نشر هذه التهمة وإشاعتها، ومع کل الأسف استصغرتموها ونشرتموها بکل یسر، فأصبحتم بذلک آلةً بید المنافقین المتآمرین المروجین للشائعات.

هذا وسنتناول بالبحث ـ خلال تفسیر الآیات القادمة ـ ذنب اختلاق الشائعة ودوافعها، والسبیل إلى مکافحتها، بعون الله وتوفیقه.


1. نقل تفسیر روح المعانی هذا المعنى عن کتاب «الصحاح».
2. وأمّا قول البعض بأن المضاف محذوف وتقدیره «ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفس بعضهم خیراً» لیس صائباً ویفقد الآیة جمالها وروعتها.
تحقیق المسألة: سورة النّور / الآیة 17 ـ 20
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma