آیة النور!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة النّور / الآیة 35 ـ 38 بحوث

تحدث الفلاسفة والمفسّرون والعرفاء الإسلامیون کثیراً عن مقاصد الآیات أعلاه، وهی مُرتبطة بما سبقها من الآیات الشریفة التی عرضت لقضیة العفة ومکافحة الفحشاء بمختلف السبل.

وبما أنَّ ضمانة تنفیذ الأحکام الإلهیّة، وخاصّة السیطرة على الغرائز الثائرة، ولا سیّما الغریزة الجنسیة التی هی أقوى الغرائز، لا تتمّ دون الإستناد إلى الإیمان، ومن هنا إمتد البحث إلى الإیمان وأثره القویّ، فقالت الآیة أوّلا: (الله نور السّماوات والأرض).

ما أحلى هذه الجملة! وما أثمنها من کلمات! أجل إنّ الله نور السموات والأرض... النور الذی یغمر کلّ شیء ویضیئه.

ویرى بعض المفسّرین أنّ کلمة «النّور» تعنی هنا «الهادی»، وذهب البعض الآخر أنّ

المراد هو «المنیر»، وفسّرها آخرون بـ «زینة السماوات والأرض».

وکلّ هذه المعانی صحیحة، سوى أنَّ مفهوم هذه الآیة أوسع بکثیر ممّا ذُکر، فالقرآن المجید والأحادیث الإسلامیة فسّرت النور بأشیاء عدّة منها:

1ـ «القرآن المجید» ذکرت الآیة 15 من سورة المائدة: (قد جاءکم من الله نور وکتاب مبین) وجاء فی الآیة 157 من سورة الأعراف: (واتّبعوا النّور الّذی أنزل معه اُولئک هم المفلحون).

2ـ «الإیمان» ذکرت الآیة 257 من سورة البقرة: (الله ولىّ الّذین آمنوا یخرجهم من الظّلمات إلى النّور).

3ـ «الهدایة الإلهیة» مثلما جاء فی الآیة 122 من سورة الأنعام: (أو من کان میتاً فأحییناه وجعلنا له نوراً یمشی به فی النّاس کمن مثله فی الظّلمات لیس بخارج منه)؟!

4ـ «الدین الإسلامی» کما نقرأ فی الآیة 32 من سورة التوبة: (ویأبَى الله إلاّ أن یتمّ نوره ولو کره الکافرون).

5ـ «النّبی الاکرم(صلى الله علیه وآله)» نقرأ عن النّبی(صلى الله علیه وآله) فی الآیة 46 من سورة الأحزاب: (وداعیاً إلى الله بإذنه وسراجاً منیر).

6ـ «الأئمة الأطهار» کما جاء فی الزیارة الجامعة لهم: «خلقکم الله أنواراً فجعلکم بعرشه محدقّین»، وکذلک فی نفس هذه الزیارة: «وأنتم نور الأخیار وهداة الأبرار».

7ـ «العلم والمعرفة» حیث عُرِّف بالنور کما جاء فی الحدیث المشهور: «العلم نور یقدفه الله فی قلب من یشاء»(1).

کلّ هذه من جهة، ومن الجهة الاُخرى علینا التدقیق فی خصائص النور ومیزانه، لیتّضح أنَّه یمتاز بما یلی:

النور أجمل وألطف ما فی العالم، وهو مصدر لکلّ جمال ولطف!

النور أسرع الأشیاء، کما ثبت لمشهوری العلماء الکبار فی العالم، إذ تبلغ سرعته ثلاثمائة ألف کیلومتر فی الثّانیة، وبإمکانه الدوران حول الکرة الأرضیة سبع مرات فی طرفة عین (أقلّ من ثانیة واحدة).

ولهذا السبب تقاس المسافات الهائلة بین النجوم فقط بسرعة الضوء، والوحدة المستعملة فی هذا المجال هی السنة الضوئیة، أی: المسافة التی یقطعها الضوء وهو بتلک السرعة الهائلة ـ فی سنة واحدة.

بالنور یمکن مشاهدة الأشیاء فی العالم، ومن دونه یستحیل رؤیة أیّ شیء، فالنور ظاهر بنفسه ومظهر لغیره.

إنّ ضوء الشمس یُعدّ من أهم أنواع النور فی عالمنا، فهو ینمی الأزهار والنباتات وبه تستمرّ الحیاة، بل هو رمز بقاء المخلوقات الحیّة، ولا یمکن لموجود حیّ أن یستمرّ فی الحیاة دون أن یستفید من نور الشمس بصورة مباشرة أو غیر مباشرة.

ثبت الیوم أنّ جمیع الألوان یمکن مشاهدتها بنور الشمس أو الأنوار الاُخرى، وَلولاها لعاشت المخلوقات فی عتمة قاتمة.

إنّ جمیع أنواع الطاقة الموجودة فی محیطنا (باستثناء الطاقة النوویة) مصدرها الشمس من قبیل حرکة الریاح، سقوط المطر، وحرکة الأنهر والوسائط فیها والشلالات ولو دققنا فی حرکة جمیع المخلوقات الحیة لوجدناها ترتبط بنور الشمس.

مصدر الحرارة وتدفئة الأحیاء کلها هو الشمس، حتى أنّ حرارة النار المتولدة من الخشب أو الفحم أو الفحم الحجری أو النفط ومشتقاته مصدرها حرارة الشمس، لأنّ هذه الأشیاء بِحسب الدراسات العلمیة تعود إلى النباتات أو الحیوانات، وهذه بدورها قد استفادت من نور الشمس وحرارتها، فخزنت الفائض منها فی جسمها، لهذا فإنّ حرکة المحرّکات والمکائن أیضاً من برکات الشمس.

نور الشمس قاتل المیکروبات والمخلوقات المضرّة، وبفقدان هذا النور تتبدّل الأرض إلى مستشفى کبیر قد ابتلی سکانها بأنواع الأمراض ویصارعون الموت بین لحظة واُخرى!

وکلما دققنا فی عالم النور الذی یشکل ظاهرة فریدة، یتّضح لنا أثرهُ البالغ الأهمیّة وبرکاته العظیمة.

وبملاحظة هاتین المقدمتین إذا أردنا تشبیه الذات المقدّسة لربّ العالمین (رغم منزلته العظیمة التی لا نظیر لها ولا شبیه) فلا نجد خیراً من النور؟! الله الذی خلق کل شیء فی عالم الوجود ونوّره، فأحیا المخلوقات الحیة ببرکته، ورزقها من فضل، ولو انقطعت رحمته عنها لحظة، لأصبح الجمیع فی ظلمات الفناء والعدم.

وممّا یلفت النظر أنّ کل مخلوق یرتبط بالله بمقدار معین یکتسب من النور بنفس ذلک المقدار:

القرآن نور لأنّه کلام الله.

والدین الإسلامی نور لأنّه دینه.

الأنبیاء أنوار لأنّهم رسله.

والأئمّة المعصومون(علیهم السلام) أنوار إلهیّة، لأنّهم حفظة دینه بعد النّبی(صلى الله علیه وآله).

والإیمان نور، لأنّه رمز الإلتحام به سبحانه وتعالى.

والعلم نور، لأنّه السبیل إلى معرفته ـ عزَّوجلَّ ـ .

ولهذا: (اللّه نور السّماوات والأرض).

وإذا استعملنا کلمة «النور» بمعناها الواسعِ، أی الظاهر فی ذاته والمظهر لغیره فی هذه الحالة یصبح استعمال کلمة النور الذات الله المقدّسة حقیقة ولا تشبیه فیها، لأنّه لا یوجد أظهر من الله تعالى فی العالم، وکلّ الأشیاء تظهر من برکاتِ وجودِه.

وجاء فی کتاب التوحید، عن الإمام علی بن موسى الرض(علیه السلام) حین سئل عن معنى قوله تعالى:(الله نور السّماوات والأرض)قال «هادِ لأهل السموات، وهاد لأهل الأرض».

وهذه فی الواقع واحدة من خصائص النور الإلهی، ولا یمکن حصره بهذه الخصیصة، ولهذا یمکن جمع کلّ ما قیل فی تفسیر هذه الآیة، وکلّ تفسیر هوإشارة إلى أحدِ أَبعادِ هذا النور الذی لا مثیل له.

والجدیرُ بالذکر ما جاء فی الفقرة السابعة والأربعین من دعاء الجوشن الکبیر الذی یحتوی على صفاتِ الله تعالى: «یا نور النور، یا منور النور، یا خالق النور، یا مدبّر النور، یا مقدّر النور، یا نور کلّ نور، یا نوراً قبل کلّ نور، یا نوراً بعد کلّ نور، یا نوراً فوق کلّ نور، یا نوراً لیس کمثله نور» وبهذا تأخذ أنوار الوجود نورها من نوره وتنتهی إلى نوره الطاهر.

وقد أوضح القرآن بعد بیانه الحقائق السالفة ذلک، إذْ ذکر مثالا رائعاً دقیقاً لکیفیة النور الإلهی: (مثل نوره کمشکاة فیها مصباح المصباح فی زجاجة الزجاجة کأنّها کوکب درّىّ یوقد من شجرة مبارکة زیتونة لا شرقیّة ولا غربیّة یکاد زیتها یضیء ولو لم تمسسه نار نور على نور یهدی الله لنوره من یشاء ویضرب الله الأمثال للنّاس والله بکلّ شیء علیم).

ولشرح هذا المثال یجب الإلمام بعدّة اُمور:

«المشکاة» فی الأصل تعنی الکُوّة التی تخصص فی الجدار لوضع المصابیح الزیتیة فیها لحفظها من الریاح، وأحیاناً تبنى فی الجدار فتحة صغیرة، یغطى جانبها المشرف على ساحة

الدار بالزجاج، لإضاءة داخل وخارج الغرفة کما تحفظ المصباح من الریاح، کما تطلق هذه الکلمة على وعاء (الفانوس القدیم) یصنع من زجاج على شکل متوازی المستطیلات له باب وفتحة فی أعلاه لخروج الهواء الساخن. وکانوا یضعون المصباح فیه.

وباختصار نقول: إنّ المشکاة محفظة للمصباح من الریاح الشدیدة، وغالباً ما یثبت فی الجدار لترکیزِ الضوء وسهولة انعکاسِه.

«الزجاجة» تطلق فی الأساس على الأحجار الشفّافة، وسَمّیت الصفائح الشفافة بالزجاج لأنّها تصنع من مواد معدنیة، والزجاجة هنا تعنی الزجاجة التی توضع فوق المصباح لتحفظ شعلته، وتنظّم جریانَ الهواء، لتزید من نور الشعلة.

«المصباح» یتألف من وعاء للزیت وفتیل.

عبارة (یوقد من شجرة مبارکة زیتونة لا شرقیّة ولا غربیّة) تشیر إلى الطاقة التی تُجَهِّز هذا المصباحَ بوقود لا ینضب معینه، وزیت الزیتون من أجود الوقود المستعمل للمصابیح، ثمّ إنّ هذا الزیت یُحْصَلُ علیه من زیتون شجر یتعرّض للشمسِ من جمیعِ جوانبه بشکل متساو، لا أن تکون الشجره فی الجانب الشرقی مِنَ البستان وبجانب حائط یمنع وصول أشعة الشمس إلیها، کما لا تکون فی جهة الغرب لیتعرض جانب واحد منها على أشعة الشمس، فلا تنضج ثمرتها بصورة جیدة ولا یکون زیتها نقیاً وصافیاً.

وبعد هذا الإیضاح یتبیّن أنّنا للاستفادة من نور المصباح بإشعاع قویّ نحتاج إلى توفر أربعة أشیاء.

«محفظة للمصباح» لا تقلل من نوره، بل ترکز هذا النور وتعکسه و«زجاجة» تنظم جریان الهواء حول الشعلة، ویجب أن تکون شفّافة بدرجة لا تمنع تشعشع النور، و«مصباح» هو مصدر النور، وهو عبارة عن إناء فیه زیت وفی أعلاه الفتیل.

وأخیراً «مادة الإحتراق» صافیة خالصة شفّافة مستعدة للإشتعال بدرجة یتصوَّر فیها الإنسان إنّها سوف تشعل لوحدها دون أن یمسّها قبس من النار.

کلّ هذه العبارات تکشف فی الحقیقة عن ظاهر القضیة.

ومن جهةُ اُخرى أورد کبار المفسّرین تفاسیر عدیدة بشأن هذا التشبیه وأنّه ما هو «المشبّه» ومن أیّ نور إلهی یکون:

قال البعض: المقصود هنا نور الهدایة التی یجعله الله فی قلوب المؤمنین، وبعبارة اُخرى: المقصود الإیمان الذی استقرّ فی قلوب المؤمنین.

وقال آخرون: إنّ المشبّه یعنی هنا القرآن الذی ینیر قلوب الناس.

وآخرون: إنّه اشارة إلى شخص النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله).

وآخرون: إنَّه إشارة إلى أدلة التوحید والعدل الإلهی.

وآخرون: إنّه روح الطاعةِ والتقوى التی هی أساسُ کلِّ خیر وسعادة.

وفی الحقیقة فإنّ هذهِ التفاسیر قد أوردت کلّ ما جاء فی القرآن والأحادیث الإسلامیة بعنوان مصادیق للنور، وجوهرها واحد، وهو نور الهدایة بذاته، ومصدره القرآن والوحی ووجود الأنبیاء، وینهل من أدلة التوحید، ونتیجته التسلیم بحکم الله والتمسک بالتقوى.

وتوضیح ذلک: إنّ نور الإیمان الموجود فی قلوب المؤمنین یحتوی على العناصر الأربعة المتوفرة فی المصباح المضیء، هی:

«المصباح» وهو شعلة الإیمان فی قلب المؤمن یضیء طریق الهدایة.

و«الزجاجة» هی قلب المؤمن ینظم الإیمان فی ذاته ویحفظه من کل سوء.

و«المشکاة» صدر المؤمن، أو بعبارة اُخرى: شخصیته بما فیها وعیه وعلمه وفکرهُ الذی یصون إیمانه من الأعاصیر والأخطار.

«شجرة مبارکة زیتونة» هی الوحی الإلهی الذی یکون بمنتهى الصفاء والطهارة وتوقد شعلة إیمان المؤمنین ـ فی الحقیقة ـ من نورُ الله الذی ینیر السموات والأرض وقد أشرق من قلوب المؤمنین، فأضاءَ وُجودَهم ونور وجوههم.

فتراهم یمزجون الأدلَّة العقلائیة بنور الوحی، فیکون مصداق «نور على نور».

ولهذا ترى القلوب المستعدة لاستقبالِ النورِ الإلهی تهتدی، وهی المقصودة بعبارة (یهدی الله لنوره من یشاء) وعلى هذا فإنَّ المحافظة على النور الإلهی (نور الهدایة والإیمان) یستوجب توفر مجموعة من المعارف والعلوم والوعی والأخلاق وبناء الذات، من أجل أن تکون کالمشکاة تحفظ هذا المصباح.

کما تحتاج إلى قلب مستعد لینظَّم هذا النور الإلهی کما تنظم الزجاجة شعلة المصباح.

وتحتاج إلى مدد من الوحی، لیمنحها طاقة مثلما تمنحها الشجرة التی سمّاها القرآن بعبارة (شجرة مبارکة زیتونة).

وتجب المحافظة على نورِ الوحی من التلوث والمیول المادیة والانحراف إلى الشرق أو الغرب الذی یؤدّی إلى التفسخ والإندثار.

ولتعبیء قوى الإنسان بشکل سلیم بعیداً عن کلّ فکر مستورد وانحراف، لتکون مصداقاً لـ (یکاد زیتها یضیء ولو لم تمسسه نار).

وکلّ تفسیر یتضمّن حکماً مسبقاً ویتضمّن ذوق المفسّر وعقیدته الخاصّة به، أو رغبةً یساریةً أو یمنیةً، أو خرافة یؤدّی إلى تلویث سمعة هذه الشجرة المبارکة، ویُقلل من تشعشع مصباحها. وأحیاناً یُطفئه.

هذا هو المثال الذی ذکره اللهُ لنورِهِ فی هذه الآیة، وهو الذی أحاط بکلّ شیء علماً.

وممّا سلف یتّضح لنا أن ما ذکرته الرّوایات عن الأئمّة المعصومین(علیهم السلام) بخصوص تفسیر هذه الآیة أنّ المشکاة هی قلب نبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله) والمصباح نور العلم، والزجاجة وصیه علی(علیه السلام)، والشجرة المبارکة إبراهیم الخلیل(علیه السلام) الذی یرجع نسب بیت النبوّة إلیه، وعبارة (لا شرقیّة ولا غربیّة) تعنی نفی أیّ میل إلى الیهودیة والنصرانیة فهو وجه آخر لنور الهدایة والإیمان، ومصداق واضح لها،  ولا  یعنی أنّ هذه الآیة مختصة بهذا المصداق.

کما أنّ ما ذهب إلیه بعض المفسّرین من أنّ النور الإلهی هو القرآن، أو الأدلة العقلائیة، أو النّبی(صلى الله علیه وآله) بذاته، له جذور مشترکة بالتّفسیر أعلاه.

وقد شاهدنا حتى الآن خصائص هذا النور الإلهی، نور الهدایة والإیمان من خلال تشبیهه بمصباح قویّ الإضاءة.

ویجب أن نعرف الآن أین موضع هذا المصباح، وشکل موضعه؟ لیتّضح لنا ما کان ضروریاً إیضاحه فی هذا المجال، لهذا تقول الآیة التالیة: إنّ هذه المشکاة تقع (فی بیوت أذن الله أن ترفع) لکی تکون فی مأمن من الشیاطین والاعداء والانتهازیین (ویذکر فیها اسمه)ویتلى فیها القرآن والحقائق الإلهیة.

وقد اعتبر العدید من المفسّرین هذه الآیة مرتبطةً کما قلنا بالآیة التی سبقته(2)، غیر أنّ البعض من المفسّرین یرى أنّ هذه الجملة ترتبط بالجملة التی تلیها، إلاّ أنّ ذلک بعید عن الصواب.

أمّا ما أورده البعض وتساءل عن مدى تأثیر هذا النور الباهر فی البیوت المذکورة بتلک الخصوصیات، فجوابه واضح، لأنّ البیوت التی ورد ذکرها فی هذه الآیة والتی یحرسها رجال أشداء یقظون، هم الذین یحفظون هذه المصابیح المنیرة، إضافة إلى أنّ هؤلاء الرجال یبحثون عن مصدرِ نور، فیهرعون إلیه بعد أن یتعرّفون على موضع هذا النور.

ولکن ماالمقصود من هذه البیوت؟

الجواب یتّضح بما ذکرته آخر الآیة من خصائص حیث تقول: أنّه فی هذه البیوت یسبّح أهلها صباحاً ومساءاً: (یسبّح له فیها بالغدوّ والآصال)(3).

(رجال لا تلهیهم تجارة ولا بیع عن ذکر الله وإقام الصّلاة وإیتاء الزّکاة یخافون یوماً تتقلّب فیه القلوب والأبصار) إنّ هذه الخصائص تکشف عن أنَّ هذه البیوت هی المراکز التی حُصِّنَتْ بأمر من الله، وأنّها مرکز لذکر الله ولبیان حقیقة الإسلام وتعالیم الله، ویضم هذا المعنى الواسع المساجد وبیوت الأنبیاء والأولیاء خاصّة بیت النّبی(صلى الله علیه وآله) وبیت علیّ(علیه السلام). ولا دلیل یؤیِّدُ حصرها من قبل بعض المفسّرین ـ بالمساجد أو بیوت الأنبیاء وأمثالها.

وفی الحدیث المروی عن الإمام الباقر(علیه السلام) «هی بیوت الأنبیاء وبیت علیّ منها»(4).

وفی حدیث آخر حیث سئل النّبی(صلى الله علیه وآله) لمّا قرأ الآیة، أی بیوت هذه؟ فقال: «بیوت الأنبیاء» فقام أبو بکر فقال: یا رسول الله، هذا البیت منها، یعنی بیت علیّ وفاطمة. قال: «نعم، من أفاضلها»(5).

وکل ذلک إشارة إلى مصادیق واضحة تذکرها الأحادیث کعادتها حین تفسیر القرآن.

أجل، إنَّ کُلَّ مرکز یقامُ بأمر من الله، ویذکر فیه اسمه ویسبح له فیها بالغدو والآصال، وفیه رجال لا تلهیهم تجارة عن ذکر الله، فهی مواضع لمشکاة الأنوار الإلهیة والإیمان والهدایة.

ولهذه البیوت عدّة خصائص:

أوّلها: أنّها شیّدتْ بأمر من الله.

والاُخرى: إنّ جدرانها رُفعت واُحکم بناؤها لتمنع تسلل الشیاطین.

وثالثها: أنّها مرکز لذکر الله.

وأخیراً: فإنّ فیها رجالا یَحْرسُونُها لیل نهار، وهم یسبحون الله، ولا تلهیهم الجواذب الدنیویة عن ذکر الله.

هذه البیوت بهذه الخصائص، مصادر للهدایة والإیمان.

ولابدّ من التنبیه إلى ورود کلمتین فی هذه الآیة هما «التجارة» و«البیع» وهما کلمتان تبدوان وکأنّ لهما معنىً واحداً، إلاّ أنّ الفرق بینهما هو أنّ التجارة عمل مستمر، والبیع یُنجز مرة واحدة، وقد تکون عابرة.

ویجب الإلتفاتُ إلى أنَّ الآیة لم تقل: أنّ هؤلاء لا یمارسون أبداً التجارة والبیع بل قالت: إنّهم لا تلهیهم تجارة ولا بیع عن ذکر الله.

إنّهم یخافون یوم القیامة والعدل الإلهی الذی تتقلّب فِیه القلوبُ والأبصار من الخوف والوحشة (ویجب الإنتباه إلى أنَّ الفعل المضارع، «یخافون» یدلّ على الاستمرار فی الخوف، وهذا الخوف هو الذی دفعهم إلى تحمل مسؤولیاتهم، ولبلوغ رسالتهم فی الحیاة).

وأشارت آخر هذه الآیات إلى الجزاء الوافی لحراس نور الهدایة وعشّاق الحقّ والحقیقة، فقالت: (لیجزیهم الله أحسن ما عملوا ویزیدهم من فضله)،  ولا عجب فی ذلک، لأنّ الفضل الإلهی لمن کان جدیراً به غیر محدود: (والله یرزق من یشاء بغیر حساب).

وقال بعض المفسّرین عما تعنیه عبارة (أحسن ما عملو) فی هذه الآیة، أنّها إشارة إلى جمیع الأعمال الطیبة، سواء کانت واجبة أم مستحبة، صغیرة أم کبیرة.

ویرى آخرون أنّها إشارة إلى أنّ الله یکافیء الحسنة بعشر أمثالها، وأحیاناً بسبعمائة مثلها، حیث نقرأ فی الآیة 160 من سورة الأنعام: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثاله). کما جاء فی الآیة 261 من سورة البقرة حول جزاء المنفقین فی سبیل الله أنَّ المکافأة تعادل سبعمائة مرة أو ضعفها.

کما یمکن أن تفسّر العبارة السابقة بأنّ المقصود هو أنَّ الله یکافیء جمیع أعمالهم بموجب أفضلها، ویشمل ذلک أبسط أعمالهم وأوسطها، حیث یجعلها الله بمستوى أفضل الأعمال حین منحه المکافأة.

ولیس هذا بعیداً عن رحمة الله وفضله، والعدالة تقضی بمساواة المکافأة مع العمل فی سبیل الله، إلاّ أنّ رحمة الله وسعتْ کلّ شیء، فهو یهب دون حساب  ولا حدود، فذاته المقدسة غیر محدودة، وأنعمه لا تنتهی، وکرمه عظیم لا حدود له.


1. مصباح الشریعة، ص 16.
2. هکذا یکون تقدیر الآیة «هذه المشکاة فی بیوت... أو هذا المصباح فی بیوت... هذه الشجرة فی بیوت نورالله فی بیوت» فی الوقت الذی یرى أصحاب التّفسیر الثّانی أنّ عبارة «فی بیوت» تعود إلى کلمة «یسبّح» لیکون معنى الآیة (فی بیوت أذن الله أن ترفع ویذکر فیها اسمه یسبح له فیها بالغدو والآصال)أی فی الصباح والمساء، إلاّ أنّ هذا التّفسیر لا ینسجم مع وجود کلمة «فیها» لأنّه یعد تکراراً لا داعی له، إضافة إلى عدم انسجامها مع الأحادیث الواردة بهذا الصدد (فتأملوا جیداً).
3. «الغدوّ» على وزن «علوّ» بمعنى الصبح، ویقول الراغب الإصفهانی: الغدوة والغداة من أوّل النهار، وقوبل فی القرآن بالآصال، نحو قوله (بالغدوّ والآصال) وقوبل الغداة بالعشیِّ.
و«الآصال» جمع «الأصل» على وزن «رُسُلْ» وهو بدوره جمع للأصیل بمعنى العصر، والسبب فی ذکر الغدو مفردة والآصال جمعاً؟ یقول فخر الرازی، لأنّ الغدو ذات بعد مصدری ولا یجمع المصدر.
4. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 607.
5. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 144، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة النّور / الآیة 35 ـ 38 بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma