جنایات عاد واعمالهم العدوانیة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الشّعراء / الآیة 123 ـ 135 سورة الشّعراء / الآیة 136 ـ 140

والآن یأتی الکلام عن «عاد» قوم «هود» إذ یعرض القرآن جانباً من حیاتهم وعاقبتهم، وما فیها من دروس العبر، ضمن ثمانی عشرة آیةً من آیاته!

«عادُ» ـ کما قلنا من قبل ـ جماعة کانوا یقطنون فی «الأحقاف»، وهی منطقة فی حضرموت تابعة للیمن، تقع جنوب الجزیرة العربیة.

فیقول القرآن: (کذّبت عادٌ المرسلین).(1)

بالرغم من أنّهم کذبوا هوداً فحسب، إلاّ أنّه لمّا کانت دعوة هود هی دعوة الأنبیاء جمیعاً، فکأنّهم کذبوا الأنبیاء جمیعاً.

وبعد ذکر هذا الإجمال یقع التفصیل، فیتحدّث القرآن عنهم فیقول: (إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتّقون).

لقد دعاهم إلى التوحید والتقوى فی منتهى الشفقة والعطف والحرص علیهم، لذلک عبّر عنه القرآن بکلمة «أخوهم».

ثمّ أضاف قائلا: (إنّی لکم رسول أمین) وما سبق من حیاتی بین ظهرانیکم یدل على هذه الحقیقة، فإنّی لم أخنکم أبداً... ولم تجدوا منّی غیر الصدق والحق!...

ثمّ یضیف مؤکّداً: لما کنتم تعرفوننی جیداً (فاتّقوا الله وأطیعون) لأنّ إطاعتکم إیّای إطاعة لله سبحانه... ولا تتصوروا بأنّی أدعوکم لأنتفع من وراء دعوتی إیّاکم فی حیاتی الدنیا وأنال المال والجاه، فلست کذلک (وما أسألکم علیه من أجر إنّ أجری إلاّ على ربّ العالمین) فجمیع النِعَم والبرکات من عنده سبحانه، وإذا أردتُ شیئاً طلبته منه، فهو ربّ العالمین جمیعاً.

والقرآن الکریم یستند فی هذا القسم من سیرة «هود» فی قومه إلى أربعة اُمور على الترتیب.

فالأمر الأوّل: هو محتوى دعوة «هود» الذی یدور حول توحید الله وتقواه، وقرأنا ذلک بجلاء فی ما مضى من الآی.

أمّا الاُمور الثلاثة الأخر فیذکرها القرآن حاکیاً عن لسان هود فی ثوب الإستفهام الإنکاری، فیقول: (أتبنون بکلّ ریع آیة تعبثون).

«الریع» فی الأصل یُطلقُ على المکان المرتفع، أمّا کلمة (تعبثون) فمأخوذ من «العبث»، ومعناه العمل بلا هدف صحیح، ومع ملاحظة کلمة (آیة) التی تدل على العلامة یتّضح معنى العبارة بجلاء... وهو أنّ هؤلاء القوم المثرین، کانوا یبنون على قمم الجبال والمرتفعات الاُخر مبانیَ عالیة للظهور والتفاخر على الآخرین، وهذه المبانی ]کالأبراج وما شاکلها[ لم یکن من ورائها أی هدف سوى لفت أنظار الآخرین، وإظهار قدرتهم وقوّتهم ـ من خلالها ـ !!

وما قاله بعض المفسّرین من أنّ المراد من هذا التعبیر هو المبانی والمنازل التی کانت تُبنى على المرتفعات، وکانت مرکزاً للهو واللعب، کما هو جار فی عصرنا بین الطغاة... فیبدو بعیداً، لأنّ هذا التعبیر لا ینسجم مع کلمتی (الآیة) و(العبث).

کما أنّ هناک احتمال ثالث ذکره بعض المفسّرین، وهو أنّ عاداً کانت تبنی هذه البنایات للاشراف على الشوارع العامّة، لیستهزئوا منها بالمارة، إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل یبدو أکثر صحة من سواه.

وأمّا الأمر الثّالث الذی ذکره القرآن حاکیاً على لسان هود منتقداً به قومه، فهو قوله: (وتتّخذون مصانع لعلّکم تخلدون).

«المصانع» جمع «مصنع» ومعناه المکان أو البناء المجلّل المحکم، والنّبی هود لا یعترض علیهم لأنّ لدیهم هذه البنایات المریحة الملائِمة، بل یرید أن یقول لهم: إنّکم غارقون فی أمواج الدنیا، ومنهمکون بعبادة الزینة والجمال والعمل فی القصور حتى نسیتم الدار الآخرة!... فلم تتخذوا الدنیا على أنّها دار ممر، بل اتخذتموها دار مقر دائم لکم.

أجل، إنّ مثل هذه المبانی التی تُذهل أهلها، وتجعلهم غافلین عن الیوم الآخر، هی لا شک مذمومة!

و فی بعض الرّوایات عن أنس بن مالک أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) خرج فرأى قبة فقال: ما هذه؟ فقالوا له أصحابه: هذا الرجل من الأنصار، فمکث حتى إذا جاء صاحبها فسلم فی الناس أعرض عنه وصنع ذلک مراراً حتى عرف الرجل الغضب به وبالاعراض عنه، فشکى ذلک إلى أصحابه وقال: والله إنّی لأنکر رسول الله(صلى الله علیه وآله) ما أدرى ما حدث فیّ وما صنعت؟

قالوا: خرج رسول الله فرأى قبّتک فقال: لمن هذه؟ فأخبرناه، فرجع إلى قبّته فسواها بالأرض، فخرج رسول الله(صلى الله علیه وآله) ذات یوم فلم یر القبة فقال: ما فعلت القبة التی کانت ها هنا؟ قالوا: شکى إلینا صاحبها إعرافک عنه فاخبرناه فهدمها فقال(صلى الله علیه وآله): «إن کلّ ما یبنى وبال على صاحبه یوم القیامة، إلاّ ما لابُدّ منه».(2)

ویعرف من هذه الرّوایة وما شابهها من الرّوایات نظر الإسلام بجلاء، فکل بناء «طاغوتی» مشید بالإسراف والبذخ ومستوجب للغفلة... یمقته الإسلام، ویکره للمسلمین أن یبنوا مثل هذه الأبنیة التی یبنیها المستکبرون المغرورون الغافلون عن الله، ولا سیما فی محیط یسکن فیه المحرومون والمستضعفون.

إلاّ أنّ ما ینبغی التنویه به، أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) لم یستعمل القوة للوصول إلى هذا الهدف الإنسانی أبداً، ولم یأمر بتخریب البناء، بل استطاع أن یحقق هدفه برد فعل لطیف کالإعراض وعدم الإهتمام بالبناء مثلا!

ثمّ ینتقد النّبی «هود» قومه على قسوتهم وبطشهم عند النزاع والجدال فیقول: (وإذا بطشتم بطشتم جبّارین).

فمن الممکن أن یعمل الإنسان عملا یستوجب العقوبة، إلاّ أنّه لا یصح تجاوز الحد والإنحراف عن جادة الحق والعدل عند محاسبته ومعاقبته، وأن یعامل ذو الجرم الصغیر معاملة ذی الجرم الکبیر... وأن تسفک الدماء عند الغضب ویقع التماصع بالسیف(3)، فذلک ما کان یلجأ إلیه الجبابرة والظلمة والطغاة آنئذ.

ویرى الراغب فی المفردات أن «البطش» على زنة (نقش) هو أخذ الشیء بقوّة وقسّوة واستعلاء.

وفی الحقیقة أنّ هوداً یوبّخ عبدة الدنیا عن طرق ثلاثة:

الأوّل: علاماتهم التی کانت مظهراً لحبّ الإستعلاء وحب الذات، والتی کانت تبنى على المرتفعات العالیة لیفخروا بها على سواهم.

الثانى: ثمّ یوبخهم على مصانعهم وقصورهم المحکمة، التی تجرّهم إلى الغفلة عن الله، وإن الدنیا دار ممر لا مقر.

الثالث: وأخیراً فإنّه ینتقدهم فی تجاوزهم الحدّ والبطش عند الإنتقام.

والقدر الجامع بین هذه الاُمور الثلاثة هو الإحساس بالإستعلاء وحبّ البقاء. ویدلّ هذا الأمر على أن عشق الدنیا کان قد هیمن علیهم، وأغفلهم عن ذکر الله حتى ادعوا الألوهیة. فهم بأعمالهم هذه یؤکّدون هذه الحقیقة، وهی أن «حب الدنیا رأس کل خطیئة».(4)

والقسم الثّالث من حدیث هود ممّا بیّنه لقومه، هو ذکر نعم الله على عباده لیحرک فیهم ـ عن هذا الطریق ـ الإحساس بالشکر لعلهم یرجعون نحو الله.

وفی هذا الصدد یتبع النّبی هود أسلوبی الإجمال والتفصیل، وهما مؤثران فی کثیر من الأبحاث، فیلتفت نحوهم أولا فیقول: (واتّقوا الّذی أمدّکم بما تعلمون).(5)

وبعد هذا التعبیر المجمل یذکر تفصیل نعم الله علیهم، فیقول: (أمدّکم بأنعام وبنین).

فمن جهة وفّر لکم الاُمور المادیة، وکان القسم المهم منها ـ خاصّة فی ذلک العصر ـ الأنعام والمطایا من النیاق وغیرها. ومن جهة اُخرى وفرّ لکم القوّة الکافیة وهی «الأبناء» للحفاظ على الأنعام وتدجینها.

وهذا التعبیر تکرر فی آیات مختلفة، فعند عدّ النعم المادیة تذکر الأموال أولا ثمّ الأبناء ثانیاً، وهم الحفظة للأموال ومنمّوها، ویبدو أنّ هذا ترتیب طبیعی، لا أنّ الأموال أهم من الأبناء. إذ نقرأ فی الآیة 6 من سورة الإسراء (وأمددناکم بأموال وبنین وجعلناکم أکثر نفیر).

ثمّ یضیف بعد ذلک: (وجنّات وعیون).

وهکذا فقد وفر الله لکم سبل الحیاة جمیعاً، من حیث الأبناء أو القوّة الإنسانیة، والزراعة والتدجین ووسائل الحمل والنقل، بشکل لا یحس الإنسان معه بأی نقص أو قلق فی حیاته!.

لکن ما الذی حدث حتى نسیتم واهب هذه النعم جمیعاً، وأنتم تجلسون على مائدته لیل نهار، ولا تعرفون قدره؟!

وأخیراً، فإنّ هوداً فی آخر مقطع من حدیثه مع قومه ینذرهم ویهددهم بسوء الحساب وعقاب الله لهم، فیقول: (إنّی أخاف علیکم عذاب یوم عظیم).

ذلک الیوم الذی ترون فیه نتائج أعمالکم وظلمکم وغرورکم واستکبارکم، وحب الذات وترک عبادة الله... ترون کل ذلک بأم أعینکم.

وعادة ـ یستعمل لفظ (الیوم العظیم) فی القرآن، ویراد منه یوم القیامة العظیم من کل وجه... إلاّ أنّه قد یستعمل فی القرآن فی الیوم الصعب الموحش المؤلم على الاُمم.

کما نقرأ فی هذه السورة فی قصة «شعیب»، أن قومه بعد أن جحدوه ولم یؤمنوا به وعاندوه واستهزؤوا به، أرسل الله علیهم صاعقة «وکانت قطعة من الغیم» فعاقبهم بها، فسّمی ذلک الیوم بالیوم العظیم، کما تقول الآیة: (فأخذهم عذاب یوم الظّلّة إنّه کان عذاب یوم عظیم).(6)

فبناءً على هذا قد یکون التعبیر بـ «یوم عظیم» فی الآیة محل البحث، إشارة إلى الیوم الذی ابتلی به المعاندون من قوم هود (عاد) بالعذاب الألیم وهو الاعصار المدمر، وسیتجلى الشاهد على هذا المعنى فی الآیات المقبلة.

کما یمکن أن یکون إشارة إلى یوم القیامة وعذابه... أو إلى العذابین معاً، فیوم الاعصار یوم عظیم،ویوم القیامة یوم عظیم أیضاً.


1. لما کانت «عاد» قبیلةً، وتتألف من جماعة من الناس اُنث الفعل کما یُرى، فجاء (کذبت عاد) لأنّ لفظی القبیلة والجماعة مؤنثان...
2. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 198، وتفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 63، ذیل الآیة مورد البحث.
3. التماصع، التطاحن والقتال. (المصحح)
4. التفسیر الکبیر، ج 24، ص 157، ذیل الآیة مورد البحث.
5. «أمدّ» مأخوذ من «الإمداد»، ویطلق فی الأصل على أمور توضع بعضها بعد بعض بشکل منظم، وحیث إنّ الله یرسل نعمه بشکل منظم إلى عباده استعملت هذه الکلمة هنا أیضاً...
6. الشعراء، 189.
سورة الشّعراء / الآیة 123 ـ 135 سورة الشّعراء / الآیة 136 ـ 140
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma