للعقوبات حساب!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة النّور / الآیة 21 ـ 261ـ مَن هنّ الخبیثات ومَن هم الخبیثون؟

على الرغم من عدم متابعة هذه الآیات حدیث الإفک بصراحة، إلاّ أنّها تعتبر مکملة لمضمون ذلک البحث، وتحذّر المؤمنین جمیعاً من تأثیر الأفکار الشیطانیة التی تبدو أوّلا فی صورة باهتة، فلابدّ من الإنتباه إلیها، وإلاّ فالنتیجة سیئة للغایة، ولا یمکن تلافیها بسهولة، فعلى هذا حینما یشعر الفرد بأوّل وسوسة شیطانیة بإشاعةِ الفحشاء أو إرتکاب أی ذنب آخر فیجب التصدی له بقوّة حاسمة، حتى یمنع من انتشاره وتوسّعه.

وتخاطب الآیة الاُولى المؤمنین، فتقول: (یا أیّها الّذین آمنوا لا تتّبعوا خطوات الشّیطان

ومن یتّبع خطوات الشّیطان فإنّه یأمر بالفحشاء والمنکر)(1).

وإذا فسّرنا الشیطان بأنّه کل مخلوق مؤذ وفاسد ومخرّب، یتّضح لنا شمولیة هذا التحذیر لأبعادِ حیاتنا کلها، وحیث لا یمکن جرّ أی إنسان مؤمن متطهر مرّة واحدة إلى الفساد، فإنّ ذلک یتمّ خطوة بعد اُخرى فی طریق الفساد:

الخطوة الاُولى: مرافقة الملوثین والمنحرفین.

الخطوة الثّانیة: المشارکة فی مجالسهم.

الخطوة الثّالثة: التفکیر بارتکاب الذنوب.

الخطوة الرّابعة: ارتکاب الأعمال المشتبه بها.

الخطوة الخامسة: إرتکاب الذنوب الصغیرة.

وأخیراً الإبتلاء بالکبائر، وکأنّ الإنسان فی هذه المرحلة یسلّم نفسه لمجرم لیقوده نحو الهاویة، أجل هذه (خطوات الشّیطان)(2).

ثمّ تشیر الآیة إلى أهم النعم الکبیرة التی منَّ الله بها على الإنسان فی هدایته فتقول: (ولو لا فضل الله علیکم ورحمته ما زکى منکم من أحد أبداً ولکنّ الله یزکّی من یشاء والله سمیع علیم).

ولا شک فی أنّ الفضل والرحمة الإلهیة ینقذان الإنسان من الإنحطاط والانحراف من الذنوب جمیعاً، فالله منحه العَقْلَ، ولطف به فأرسل إلیهِ الرُّسُلَ، وَیسَّرَ له سُبُلَ الإرتقاء والإهتداء، وأعانَهُ على استکمالِ الخَیْرِ، وإضافة إلى هذه المواهب شمل الله الذین تطهروا بتوفیقاته الخاصّة، وإمداداته التی یستحقونها، والتی تعتبر أهم عنصر فی تطهیر وتزکیة النفس.

وکما أسلفنا. مراراً، فإنّ عبارة «من یشاء» لا تعنی المشیئة دون مبرّر، بل إنّ الله یهدی عباده الذین یسعون فی نیلها، الذین یسیرون فی الطریق إلى الله، ویجاهدون فی سبیله، فیمسک الله بیدهم ویحفظهم من وساوس الشیطان وکیده حتى یبلغهم الهدف الأسمى.

وبعبارة اُخرى: إنَّ الفضل والرحمة الإلهیّة تارة یکون لهما جانب تشریعی عن طریق الرسل علیهم السلام والکتب السماویة، وما فیها من تعالیم إلهیة وبشارات وإنذارات سماویة، واُخرى یتخذ الفضل والرحمة الإلهیّة جانباً تکوینیاً عن طریق الإمدادات المعنویة الإلهیّة.

والآیات موضع البحث استهدفت القسم الثّانی، بدلیل عبارة «من یشاء»، ویجب الإنتباه إلى أن «الزکاة» و«التزکیة» تعنی فی الأصل النمو، والعمل من أجل النمو، إلاّ أنّها وردتْ غالباً بمعنى التطهُّر والتطهیر.

ویمکن إرجاعها إلى أصل واحد، إذ إنّ النمو والرشد لا یمکن أن یتحققا إلاّ بزوالِ الحواجز والتطهیر من المفاسد والرذائل.

وذکر عدد من المفسّرین سبباً لنزول الآیة الثّانیة ـ من الآیات موضع البحث ـ یکشف عن تلاحمها مع الآیات السابقة، قال: إنّ هذه الآیة نزلت بشأن عدد من الصحابة أقسموا على عدم تقدیم مساعدة مالیة إلى الذین تورّطوا فی هذه القضیة وأشاعوا هذه التهمة بین الناس، وألا یشارکوهم همومَهم، فنزلت هذه الآیة لتمنعهم من رَدِّ فعل قاس، وأمرتهم بالعفو والسماح.

وقد روى سبب النّزول هذا «القرطبی» فی شأن نزول هذه الآیات فی تفسیره عن ابن عباس والضحاک، ورواه المرحوم «الطبرسی» عن ابن عبّاس، ورواهُ آخرون لدى تفسیر الآیات موضع البحث، وهو یمتاز بعمومیته.

إلاّ أنّ مجموعة من مفسّری أهل السنة یُصرُّون على أن هذه الآیة نزلت بخصوص «أبی بکر» حیث أقسم بعد حادث الإفک على عدم تقدیم أیة مساعدة مالیة لـ «مسطح بن أثاثة» الذی کان ابن خالته، أو ابن أخته، وهو الذی نشر شائعة الإفک، فی حین أنّ الضمائر التی استعملتها الآیة، جاءت بصیغة الجمع، وتبیّن أنّ مجموعة من المسلمین اتخذوا قراراً بقطع مساعداتهم عن هؤلاء المجرمین، إلاّ أنّ هذه الآیة نهتهم عن العمل.

ومن المعلوم أنّ الآیات القرآنیة لا تختص بسبب النّزول فقط، بل تشمل جمیع المؤمنین إلى یوم القیامة، فهی توصی المسلمین جمیعاً بألاّ یستسلموا لعواطفهم، وألاّ یتخذوا مواقف عنیفة إزاء أخطاءِ الآخرین.

نعود الآن إلى تفسیر الآیة بملاحظة سبب النّزول هذا:

یقول القرآن: (ولا یأتل أولوا الفضل منکم والسّعة أن یؤتوا اُولی القربى والمساکین والمهاجرین فی سبیل الله).

إنّ هذا التعبیر یکشف أنّ عدداً ممن تورّط فی قضیة الإفک کانوا من المهاجرین فی سبیل الله إذْ خدعهم المنافقون، ولم یُجز الله طردهم من المجتمع الإسلامی لماضیهم المجید، کما لم یسمح بعقابهم أکثر ممّا یستحقونه.

کلمة «یأتل» مشتقّة من «ألیّة» (على وزن عطیّة) أی الیمین، أو إنّها مشتقة من «ألُو» (على وزن دلو) بمعنى التقصیر والترک.

وعلى هذا، فإنّ الآیة تعنی وفق المعنى الأوّل النّهی عن هذا القَسَمْ بقطع مثل هذه المساعدات(3)، وعلى المعنى الثّانی النهی على التقصیر فی مساعدتهم وترک مثل هذا العمل.

ثمّ تضیف الآیة (ولیعفوا ولیصفحوا) لتشجیع المسلمین وترغیبهم فی العفو والصفح بقولها: (ألا تحبّون أن یغفر الله لکم).

فإنّکم مثلما تأملون من الله العفو عنکم وأن یغفر خطایاکم، یجب علیکم العفو والصفح عن الآخرین (والله غفور رحیم).

والمثیر للدهشة أنّ أصحاب الإفک اُدینوا بشدّة فی آیات شدیدة اللهجة، إلاّ أن هذه الآیة الشریفة تتحرک من موقع التأثیر على المتشدّدین فی موقفهم من هؤلاء لمنعهم من تجاوز الحدّ فی العقوبة بثلاث جمل ذاتِ تَشَعْشُع أخَّاذ. الأول: الأمر بالعفو والصفح.

ثمّ تقول: ألا تحبّون أن یغفر الله لکم؟ فینبغی علیکم أن تعفوا وتصفحوا کذلک.

ولتأکید ذلک تذکر الآیة صفتین من صفات الله «الغفور» و«الرحیم».

وهکذا تقول الآیة للناس: لا یمکنکم أن تکونوا أحرص من الله الذی هو صاحب هذا الحکم، وهو یأمرکم بألاّ تقطعوا مساعداتکم.

ممّا لاشک فیه أنّ جمیع المسلمین الذین تورطوا فی حادثة الإفک لم یکونوا مشارکین فی التآمر بهذا الصدد، ولکن المنافقین هم الذین وضعوا أساس فتنة الإفک وتبعهم مسلمون مضلَّلون.

ولا شک فی أنّهم جمیعاً مقصّرون ومذنبون، ولکن بین هاتین المجموعتین فرق کبیر، وعلى هذا یجب أن لا یعامل الجمیع سواسیة.

وعلى کل حال، ففی الآیات السابقة درس کبیر لحاضر المسلمین ومستقبلهم، وتذکیر لهم بأن لا یتجاوزوا الحدُّ المقرّرُ فی معاقبةِ المذنبینِ،  ولا ینبغی طردهم من المجتمع الإسلامی، أو اغلاق باب المساعدة فی وجوهم، ذلک من أجل المحافظة علیهم کی لا یزدادوا انحرافاً فیقعوا فی أحضان العدو، أو ینحازوا إلى جانبه.

وترسم هذه الآیات صورة للتعادل الإسلامی فی جذبه ودفعه، وتشکل آیات الإفک والعقوبات الشدیدة التی تفرض على الذین یتهمون الآخرین فی شرفهم «قوة الدفع». وأمّا الآیة موضع البحث التی تتحدث عن العفو والصفح وکون الله غفوراً رحیماً. فإنها تکشف عن «قوة الجذب»!

ثمّ تعود الآیة إلى قضیة القذف واتّهام النساء العفیفات المؤمنات فی شرفهن، فتقول بشکل حازم: (إنّ الّذین یرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا فی الدّنیا والآخرة ولهم عذاب عظیم).

ذکرت هذه الآیة المبارکة ثلاث صفات لهؤلاء النسوة، کلّ واحدة تشکل دلیلا على مدى الظلم الذی تعرضن إلیه باتهامهنّ فی شرفهنّ: «المحصنات» أی العفیفات الطاهرات الذیل و«الغافلات» البعیدات عن کل تهمة وتلوّث و«المؤمنات»، کما تکشف العذاب العظیم الذی ینتظر من یقترف هذا العمل(4).

کما أنّ عبارة ـ «غافلات» تلفت النظر، لأنّها تکشف عن منتهى طهارتهنّ من أی انحراف وتلوّث، أی أنّهن غافلات عن کل تلوث جنسی إلى درجة وکأنّهن  لا یعلمن بوجود مثل هذا العمل فتارة یکون الإنسان فی مقابل الذنب أن لا یخطر على ذهنه وجود مثل هذا الذنب فی الخارج وهذه مرحلة عالیة من التقوى.

ویحتمل أن یکون المراد من «الغافلات» أنّهن لا یعلمن بما ینسب الیهنّ من بهتان فی الخارج، ولهذا لسن فی صدد الدفاع عن أنفسهنّ، وفی النتیجة فإنّ الآیة تطرح موضوعاً جدیداً للبحث، لأنّ الآیات السابقة تحدثت عن مثیری التهم الذین یمکن التعرف علیهم ومعاقبتهم. إلاّ أنّ الحدیث هنا یدور حول مثیری الشایعات الذین أخفوا أنفسهم عن العقاب والحدّ الشرعی: فتقول الآیة: إنّ هؤلاء لا یتصوروا أنّهم بهذا العمل سیکون بإمکانهم تجنب العقاب الإلهی دائماً، لأنّ الله تعالى سیبعدهم عن رحمته فی هذه الدنیا، کما ینتظرهم العذاب العظیم فی الآخرة.

إن هذه الآیة رغم مجیئها بعد حدیث الإفک، وظهورها بمظهر الإرتباط بذلک الحادث، فإنّها کبقیة الآیات التی تنزل لسبب خاص، وهی ذات مفهوم عامّ،  لا تختص بحالة معینة.

والذی یثیر الدهشة هو إصرار بعض المفسّرین کالفخر الرازی فی «التّفسیر الکبیر»، وآخرین، على أنّ مفهوم هذه الآیة خاص باتهام نساء النّبی(صلى الله علیه وآله) ویجعلون هذا الذنب بدرجة الکفر، ویستدلون بکلمة «اللعن» التی ذکرتها الآیة، فی الوقت الذی لا یمکن فیه اعتبار توجیه التهمة ـ حتى إن کان هذا الذنب عظیماً کإتهام نساء النّبی(صلى الله علیه وآله) لوحده سبباً للکفر. لهذا لم یعامل النّبی(صلى الله علیه وآله) أصحاب الإفک معاملة المرتدین عن دینهم. بل إنّ الآیات التالیة التی بیّنا شرحها توصی بعدم تجاوز الحد المقرر لهم وعدم الإفراط فی عقابهم، فذنبهم لا یُوازی الکفر بالله.

وأمّا «لعنة الله» فهی تصدق على الکافرین ومرتکبی الکبائر أیضاً، وعلیه أوردت هذه الآیات المتحدِّثة عن حدّ القذف (فی الأحکام الخاصّة باللعان) مرتین کلمة «لعن» ضد الکذابین المسیئین للناس، کما استعملت الأحادیث الإسلامیة کراراً کلمة «اللعن» ضد مرتکبی الذنوب الکبیرة، وحدیث «لعن الله فی الخمر عشر طوائف...» معروف.

وتحدد الآیة التالیة وضع الذین یتهمون الناس بالباطل فی ساحة العدل الإلهی، قائلة: (ویوم تشهد علیهم ألسنتهم وأیدیهم وأرجلهم بما کانوا یعلمون).

تدور ألسنتهم بما لا تشتهی أنفسهم لتستعرض الحقائق، وعندما یجد المجرمون الدلائل والشواهد العینیة على ما اقترفوه من أعمال إجرامیة، تراهم یعترفون بذنوبهم ویفضحون أمرهم خلافاً لرغبتهم الباطنیة، حیث لا ینفع فی ذلک الیوم إنکارهم للتهم الموجهة إلیهم.

وتشهد أیدیهم وأرجلهم، وکما ذکرت الآیات القرآنیة: تنطق جلودهم وکأنّها شریط مسجّل، تنطق بما اقترف صاحبها من ذنوب، حیث رسمت آثار الجرائم علیها طوال عمره، حقاً إنّه یوم البروز والإفتضاح، ویوم تنکشف فیه السرائر.

وإذا وجدنا فی بعض آیات القرآن إشارة إلى یوم القیامة تذکر (الیوم نختم على أفواههم

وتکلّمنا أیدیهم وتشهد أرجلهم بما کانوا یکسبون)(5) فإنّه لاخلاف فیها مع هذا البحث، إذ یمکن أن تتعطل الأفواه عن الکلام أولا، فتشهد سائر أعضاء الجسم، وعندها تکشف الأیدی والأرجل الحقائق، ینطق اللسان بما جرى ویعترف بالذنوب کلّها.


1. هناک محذوف لجملة (ومن یتّبع خطوات الشّیطان فإنّه یأمر بالفحشاء) وهو جواب الشرط وتقدیره «ومن یتّبع خطوات الشیّطان ارتکب الفحشاء والمنکر فإنّه یأمر بهما» (تفسیر روح المعانی، ج 18، ص 112، ذیل الآیات مورد البحث) ویجب الإنتباه إلى أن جملة فإنّه یأمر بالفحشاء، لا یمکن اعتبارها جواباً للشرط.
2. بحثنا الفرق بین الفحشاء والمنکر فی تفسیر الآیة 90 من سورة النحل.
3. فی هذه الحالة یجب تقدیر وجود حرف «لا» قبل «یؤتوا» فیکون التقدیر «ولا یأتل... أن لا یؤتوا».
4. تفسیر المیزان، ج 15، ص 122، ذیل الآیات مورد البحث.
5. یس، 65.
سورة النّور / الآیة 21 ـ 261ـ مَن هنّ الخبیثات ومَن هم الخبیثون؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma