قلنا: إنّ الآیات المتقدمة لا تتحدث عن فترةخاصة أو معینة، ولا تختص ببنی إسرائیل فحسب، بل توضح قانوناً کلیاً لجمیع العصور والقرون ولجمیع الاُمم والأقوام، إذ تقول: (ونرید أن نمنّ على الذین استضعفوا فی الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثین).
فهی بشارةٌ فی صدد انتصار الحق على الباطل والإیمان على الکفر.
وهی بشارةٌ لجمیع الأحرار الذین یریدون العدالة وحکومة العدل وانطواء بساط الظلم والجور.
وحکومة بنی إسرائیل وزوال حکومة الفراعنة ما هی إلاّ نموذج لتحقق هذه المشیئة الإلهیة والمثل الأکمل هو حکومة نبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله) وأصحابه بعد ظهور الإسلام... حکومة الحفاة العفاة والمؤمنین المظلومین الذین کانوا موضع تحقیر فراعنة زمانهم واستهزائهم ویرزخون تحت تأثیر الضغوط «الظالمة» لائمّة الکفر والشرک.
وکانت العاقبة أن الله فتح على أیدی هؤلاء المستضعفین أبواب قصور الأکاسرة والقیاصرة، وأنزل اُولئک من أسرّةِ الحکم والقدرة وأرغم أنوفهم بالتراب.
والمثل الأکبر والأوسع هو ظهور حکومة الحق والعدالة على جمیع وجه البسیطة ـ والکرة الأرضیة ـ على ید «المهدیّ» أرواحنا له الفداء.
فهذه الآیات هی من جملة الآیات التی تبشّر ـ بجلاء ـ بظهور مثل هذه الحکومة، ونقرأ عن أهل البیت(علیهم السلام) فی تفسیر هذه الآیة أنّها إشارة إلى هذا الظهور العظیم.
فقد ورد فی نهج البلاغة عن علی(علیه السلام) قوله: «لتعطفن الدنیا علینا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، وتلا عقیب ذلک: (ونرید أن نمن على الذین استضعفوا فی الأرض)»(1).
وفی حدیث آخر نقرأ عنه(علیه السلام) فی تفسیر الآیة المتقدمة قوله: «هم آل محمّد(صلى الله علیه وآله) یبعث الله مهدّیهم بعد جهدهم فیعزّهم ویذل عدوّهم»(2).
ونقرأ فی حدیث آخر عن الإمام علی بن الحسین زین العابدین(علیه السلام) قوله: «والذی بعث محمّداً بالحقّ بشیراً ونذیراً، إنّ الأبریاء منّا أهل البیت وشیعتهم بمنزلة موسى وشیعته، وإن عدونا وأشیاعهم بمنزلة فرعون وأشیاعه»(3) (أی سننتصر أخیراً وینهزم أعداؤنا وتعود حکومة العدل والحق لنا).
ومن الطبیعی أنّ حکومة المهدی(علیه السلام) العالمیّة فی آخر الأمر لا تمنع من وجود حکومات إسلامیة فی معاییر محدودة قبلها من قبل المستضعفین ضد المستکبرین، ومتى ما تمّت الظروف والشروط لمثل هذه المحکومات الإسلامیة فإنَّ وعد الله المحتوم والمشیئة الإلهیة سیتحققان فی شأنها، ولابدّ أن یکون النصر حلیفها بإذن الله.