المسألة المهمّة فی حیاة الإنسان هی أن یدرک الواقعیّات بما هی علیه، وأن یکون موقفه منها صریحاً... فلا تمنعه من فهمها وإدراکها تصوراته وأحکامه المسبقة ورغباته الانحرافیة وحبّه وبغضه، ولذلک فأنّ أهم تعریف للفلسفة هو: إدراک الحقائق کما هی!
ولذلک فقد کان من دعاء المعصومین(علیهم السلام): (اللّهم أرنى الأشیاء کما هی) أی لأعرف قیمتها وأؤدی حقّها.
وهذه الحالة لا تتحقق بغیر الإیمان! لأنّ الهوى والهوس والانحرافات أو الرغبات النفسیة، تکون حجاباً وسداً کبیراً فی هذا الطریق، ولا یمکن رفع هذا الحجاب أو السد إلاّ بالتقوى وضبط هوى النفس!.
لذلک فقد قرأنا فی الآیات آنفة الذکر: (إنّ الّذین لا یؤمنون بالآخرة زیّنّا لهم أعمالهم فهم یعمهون).
والمثل الواضح والجلی لهذا المعنى نراه فی حیاة کثیر من عبدة الدنیا فی زماننا بشکل بیّن، فهم یفتخرون ببعض المسائل ویرونها حضارة، إلاّ أنّها فی الواقع لیست إلاّ الفضیحة والعار والذل.
فالتفسخ والحماقة عندهم دلیل «الحریة».
والتعری والسفور من قبل النساء دلیل «التمدن».
التکالب على بهارج الدنیا وزخارفها دلیل على «الشخصیّة».
الغرق فی الوان الفساد دلیل «التحرر».
القتل والإجرام دلیل على «القوّة».
التخریب وغصب رؤوس الأموال دلیل على الاستعمار، أی البناء والعمران(1)!!
استخدام أجهزة الإعلام العامة کالرادیو والتلفزیون لتوکید المفاهیم!!
سحق حقوق المحرومین دلیل على إحترام حقوق البشر.
الأسر فی قبضة المخدرات والفضائح وما إلى ذلک من أشکال الحریة!.
والتزویر والغش واقتناء الأموال من أی طریق کان وکیف کان، دلیل على الجدارة والذکاء.
رعایة أصول العدل وإحترام حقوق الآخرین دلیل على الضعف وعدم اللیاقة!.
الکذب والدجل ونقض العهود وما إلى ذلک دلیل على السیاسة.
والخلاصة: إنّ الأعمال السیئة والقبیحة تتزین فی نظر هؤلاء إلى درجة أنّهم لا یشعرون فی أنفسهم بالخجل منها. بل ویفتخرون ویتباهون بها!!
وواضح إلى این یتّجه مثل هذا العالم وماذا سیکون مصیره!!
1. المفهوم اللغوی للاستعمار مفهوم جمیل، یعنی الإعمار کما جاء فی القرآن (واستعمرکم فیه)إلاّ أنّ المفهوم السیاسی للاستعمار هو التسلط من قبل الأجنبی واستثماره لخیرات الشعوب (المصحح).
