مقارنة بین الجنّة والنار:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الفرقان / الآیة 11 ـ 16 بحوث

فی هذه الآیات ـ على أثر البحث فی الآیات السابقة حول انحراف الکفّار فی مسألة التوحید والنّبوة ـ یتناول القرآن الکریم قسماً آخر من انحرافاتهم فی مسألة المعاد، ویتّضح مع بیان هذا القسم أنّهم کانوا أسارى التزلزل والانحراف فی تمام أصول الدین، فی التوحید، وفی النبوة، وفی المعاد، حیث ورد القسمان الأولان منه فی الآیات السابقة، ونقرأ الآن القسم الثالث:

یقول تعالى أوّلا: (بل کذّبوا بالسّاعة).

وبما أنّ کلمة «بل» تستعمل لأجل «الإضراب» فیکون المعنى: أن ما یقوله اُولئک الکفار على صعید نفی التوحید والنبوة، إنّما ینبع فی الحقیقة من إنکارهم المعاد، ذلک أنّه إذا آمن الإنسان بهکذا محکمة عظمى وبالجزاء الإلهی، فلن یتلقى الحقائق بمثل هذا الإستهزاء واللامبالاة، ولن یتذرع بالحجج الواهیة ضد دعوة النّبی وبراهینه الظاهرة، ولن یتذلل أمام الأصنام التی صنعها وزینّها بیده.

لکن القرآن هنا لم یتقدم برد استدلالی، ذلک لأنّ هذه الفئة لم تکن من أهل الاستدلال

والمنطق، بل واجههم بتهدید مخیف وجسد أمام أعینهم مستقبلهم المشؤوم والألیم، فهذا الاسلوب قد یکون أقوى تأثیراً لمثل هؤلاء الأفراد یقول أوّلا: (واعتدنا لمن کذّب بالسّاعة سعیر).(1)

ثمّ وصف هذه النار المحرقة وصفاً عجیباً، فیقول تعالى: (إذا رأتهم من مکان بعید سمعوا لها تغیّظاً وزفیر).

فی هذه الآیة، تعبیرات بلیغة متعددة، تخبر عن شدّة هذا العذاب الإلهی:

إنّه لا یقول: إنّهم یرون نار جهنم من بعید، بل یقول: إنّ النار هی التی تراهم ـ کأن لها عیناً واُذناً ـ فسمّرت عینها على الطریق بانتظار هؤلاء المجرمین.

إنّها لا تحتاج إلى أن یقترب أولئک المجرمون منها، حتى تهیج، بل إنّها تزفر من مسافة بعیدة... من مسافة مسیرة عام، طبقاً لبعض الروایات.

وصفت هذه النار المحرقة بـ «التغیظ» وذلک عبارة عن الحالة التی یعبّر بها الإنسان عن غضبه بالصراخ والعویل.

إن لجهنم «زفیراً» یعنی کما ینفث الإنسان النفس من الصدر بقوّة، وهذا عادة فی الحالة التی یکون الإنسان مغضباً جدّاً.

مجموع هذه الحالات یدل على أنّ نار جهنم المحرقة تنتظر هذه الفئة من المجرمین کانتظار الحیوان المفترس الجائع لغذائه «نستجیر بالله».

هذه حال جهنم حینما تراهم من بعید، أمّا حالهم فی نار جهنم فیصفها تعالى: (وإذا اُلقوا منها مکاناً ضیّقاً مقرّنین دعوا هنالک ثبور).(2)

هذا لیس لأنّ جهنم صغیرة، فإنّه طبقاً للآیة 30 من سورة ق (یوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزید) فهی مکان واسع، لکن اُولئک یُحصَرون مکاناً ضیقاَ فی هذا المکان الواسع، فهم «یستکرهون فی النار کما یستکره الوتد فی الحائط».(3)

کما أنّ کلمة «ثبور» فی الأصل بمعنى «الهلاک والفساد»، فحینما یجد الإنسان نفسه أمام شیء مخیف ومهلک، فإنّه یصرخ عالیاً «واثبورا» التی مفهومها لیقع الموت علیّ.

لکنّهم یجابون عاجلا (لاتدعوا الیوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً کثیر).

على أیة حال، فلن تنفعکم استغاثتکم فی شیء، ولن یکون ثمّة موت أو هلاک، بل ینبغی أن تظلوا أحیاء لتذوقوا العذاب الألیم.

هذه الآیة فی الحقیقة تشبه الآیة 16 من سورة الطور حیث یقول تعالى: (أصلوها فاصبروا أو لاتصبروا سواء علیکم إنّما تجزون ما کنتم تعملون).

مَن هو المتکلم مع الکافرین ها هنا؟ القرائن تدل على أنّهم ملائکة العذاب، ذلک لأنّ حسابهم مع هؤلاء.

وأمّا لماذا یقال لهم هنا: (لاتدعوا الیوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً کثیر)؟ ربّما کان ذلک لأنّ عذابهم الألیم لیس مؤقتاً فینتهی بقول (واثبورا) واحداً، بل ینبغی أن یرددوا هذه الجملة طیلة هذه المدّة، علاوة على أنّ العقوبات الإلهیّة لهؤلاء الظالمین المجرمین متعددة الألوان، حیث یرون الموت أمام أعینهم إزاء کل مجازاة، فتعلوا أصواتهم بـ (واثبورا)، فکأنّهم یموتون ثمّ یحیون وهکذا.

ثمّ یوجّه الخطاب إلى الرّسول(صلى الله علیه وآله)، ویأمره أن یدعو اُولئک إلى المقایسة، فیقول تعالى: (قل أذلک خیرٌ أم جنّة الخلد الّتی وعد المتّقون کانت لهم جزاءً ومصیر).

تلک الجنّة التی (لهم فیها ما یشاؤون).

تلک الجنّة التی سیبقون فیها أبداً (خالدین).

أجل، إنّه وعد الله الذی أخذه على نفسه: (کان على ربّک وعداً مسؤول).

هذا السؤال، وطلب هذه المقایسة، لیس لأنّ أحداً لدیه شک فی هذا الأمر، ولیس لأن تلک العذابات الألیمة المهولة تستحق الموازنة والمقایسة مع هذه النعم التی لا نظیر لها، بل إنّ هذا النوع من الأسئلة والمطالبة بالمقارنة لأجل إیقاظ الضمائر الهامدة، حیث تجعلها أمام أمر بدیهی واحد، وعلى مفترق طریقین:

فإذا قالوا فی الجواب: إنّ تلک النعم أفضل وأعظم (وهو ما سیقولونه حتماً) فقد حکموا على أنفسهم بأنّ أعمالهم خلاف ذلک. وإذا قالوا: إنّ العذاب أفضل من هذه النعمة، فقد وقّعوا على وثیقة جنونهم، وهذا یشبه ما إذا حذرنا شاباً ترک المدرسة والجامعة بقولنا: اعلم أنّ

السجن هو مکان الذین فروا من العلم ووقعوا فی أحضان الفساد، ترى السجن أفضل أم الوصول إلى المقامات الرفیعة!؟


1. «سعیر» من «سَعْر» على وزن «قعر» بمعنى التهاب النار، وعلى هذا یقال للسعیر: النار المشتعلة والمحیطة والمحرقة.
2. «مقرنین» من «قرن» بمعنى قرب واجتماع شیئین أو أکثر مع بعضهما، ویقولون للحبل الذی یربطون به الأشیاء «قرن»، ویقولون أیضاً لمن تقید یده ورجله مع بعضهما بالغل والسلاسل «مقرّن» (من أجل توضیح أکثر فی المسألة راجع آخر الآیة 49 من سورة إبراهیم).
3. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 163، ذیل الآیة مورد البحث.

سورة الفرقان / الآیة 11 ـ 16 بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma