1ـ ورد فی بعض خُطب أمیر المؤمنین «فی نهج البلاغة» المعروفة بالخطبة القاصعة إشارة إلى هذه الحقیقة، وهی أنّ الله أرسل الأنبیاء على شاکلة یستطیع معها أن یؤمن الناس بدعوتهم إلى الله دون إکراه، بحیث لو لم یکونوا کذلک لکان الإیمان إجباریاً، إذ یقول: «ولو أراد الله سبحانه لأنبیائه حیث بعثهم أن یفتح لهم کنوز الذهبان ومعادن العقیان ومغارس الجنان
وأن یحشر معهم طیور السماء ووحوش الأرضین لفعل... ولو فعل لسقط البلاءُ وبطل الجزاء...»(1).
وورد فی کتاب الکافی ذیل الآیة محل البحث «لو أنزل الله من السماء آیة فظلّت أعناقهم لها خاضعین. ولو فعل لسقط البلوى عن الناس أجمعین».(2)
وممّا یسترعی النظر أنّه ورد فی بعض الکتب المعروفة کالإرشاد للشیخ المفید، وروضة الکافی، وکمال الدین للشیخ الصدوق، وتفسیر القمی، أنّ الإمام الصادق(علیه السلام) قال فی تفسیر الآیة: (إن نشأ ننزّل علیهم من السّماء آیة...) قال: «تخضع رقابهم ـ یعنی بنی أمیة ـ وهی الصیحة فی السماء باسم صاحب الأمر ـ صلوات الله علیه ـ».(3)
وواضح أنّ المراد من هذه الرّوایات هو بیان مصداق من هذا المفهوم الواسع للآیة، إذ ستخضع أخیراً جمیع الحکومات الباغیة والمتجبرة والظالمة التی تواصل السیر على منهج حکومة بنی أمیة، وذلک عندما یظهر المصلح المهدی(علیه السلام) إمامُ الحکومة العالمیة، فتستسلم إذعاناً لقدرته وحمایة الله له وتنحنی له إجلالا.
2ـ أحد البحوث التی کثر الکلام فیها والتعلیق علیها فی القرون الاُولى ـ أو الصدر الأوّل ـ للإسلام هو البحث أو الکلام عن کون کلام الله قدیماً أو حادثاً؟! وقد انجرّ هذا الکلام إلى کتب التّفسیر أیضاً، وقد استدل جماعة من المفسّرین بالتعبیر الوارد فی الآیة آنفاً «محدث» على کون القرآن حادثاً.
إلاّ أنّه ـ کما أشرنا من قبل أیضاً ـ فإنّ أساس هذا البحث لا یمکن أن یکون منطقیّاً بأیِّ وجه، ویبدو أنّ ذوی السلطة أو أولی الأمر فی ذلک الزمان من بنی أمیة وبنی العباس، کان لهم الأثر الکبیر فی هذه البحوث المضلة لیحرفوا أفکار المسلمین عن المسائل المهمّة والجدیّة، ولیشغلوا علماء المسلمین بهذه المسائل حفاظاً على حکومتهم وسلطتهم.
لأنّه إذا کان المراد من کلام الله هو محتوى القرآن، فهو من الأزل فی علم الله والله خبیر بکل ما فیه، وإذا کان المراد منه نزول الوحی وکلمات القرآن وحروفه، فذلک حادث قطعاً ولا خلاف فیه.
فبناء على ذلک فالقرآن تارة هو قدیم بذلک النحو، واُخرى هو حادث قطعاً بهذه الصورة، فعلى المجتمع الإسلامی أن یکون فطناً ولا سیما العلماء، فلا یُبتلوا بالبحوث المضلة الانحرافیة المبتدعة من قِبَلِ الجبابرة وأعداء الإسلام.