أعمال سرابیة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة النّور / الآیة 39 ـ 40 سورة النّور / الآیة 41 ـ 42

تحدثت الآیات السابقة عن نور الله، نور الإیمان والهدایة، ولإتمام هذا البحث ولتوضیح المقارنة بین الذین نوّر الله قلوبهم وبین الآخرین تناوَلَتْ هذه الآیات عالَم الکفر والجهل والإلحاد المظلم، وتحدثت عن الکفّار والمنافقین الذین وجودهم (ظلمات بعضها فوق بعض) خلافاً للمؤمنین الذین أصبحت حیاتهم وأفکارهم (نور على نور).

الکلام فی الآیة الاُولى عن الذین یبحثون عن الماء فی صحراءَ جاقّة حارقة، ولا یجدون غیر السراب فیموتون عطشاً، فی الوقت الذی عثر فیه المؤمنون على نور الإیمان، ومنبع الهدایة الرائعة، فاستراحوا بجنبها، فتقول أوّلا: (والذین کفروا أعمالهم کسراب بقیعة یحسبه الظّمآن ماءً حتّى إذا جاءه لم یجده شیئ) ولکن یجد الله عند أعماله (ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سریع الحساب).

«السراب» مشتق من السرب على وزن «حَرْبْ» بمعنى الطریق المنحدر، وتطلق کلمة السراب على لمعان یشاهد فی الصحارى والمنحدرات من بعید وکأنّه ماء، وما هو إلاّ إنعکاسٌ لأشعة الشمس(1).

ویرى البعض أنّ «القیعة» جمع «قاعة»، بمعنى الأرض الواسعة التی لاماء ولا نبات فیها، ویطلق ذلک على الصحاری التی یظهر فیها السراب فی معظم الأحیان، إلاّ أنَّ بَعْضَ المفسّرین واللغویین یرون أنّ هذه الکلمة مفردة، وجمعها «قیعان» أو «قیعات»(2).

ورغم عدم وجود الفرق مِنْ حیثُ المعنى، فإنّ الآیَةُ تُوجِبُ أَن تکون هذه الکلمة مفردة، لأَنّها ذکرت السراب مفرداً والسراب الواحد یکون فی أرض واحدة طبعاً.

ثمّ تناولت الآیة الثّانیة مثالا آخر لأعمال الکفّار وقالت: (أو کظلمات فی بحر لجّیّ یغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب) وبهذا المنوال تکون (ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج یده لم یکد یراه).

أجل، إنّ النور الحقیقی فی حیاة البشر هو نور الإیمان فقط، ومن دونه تَسودُ الحیاةُ الظلمات، ونور الإیمان هذا إنّما هو لطفٌ من عندِ الله (ومن لم یجعل الله له نوراً فما له من نور).

ولفهم عمق هذا المثال لابدّ من الاهتمام بمعنى کلمة «اللجّیّ» وهو البحر الواسع والعمیق. وبالأصل مشتقّة من «اللجاج» بمعنى متابعة عمل ما (التی تطلق عادة على الأعمال غیر الصحیحة) ثمّ اُطلقت على تتابع أمواج البحر واستقرارها الواحدة بعد الاُخرى، ولقد استخدمت هذه الکلمة بهذا المعنى لأنّ البحر کلّما کان عمیقاً وواسعاً تزداد أمواجه.

ولَوْ تصوَّرتُم بحراً هائجاً عمیقاً، ومع علمنا أنَّ نور الشمسِ أقْوى أنواعِ النور، لکنّه لا ینفذ إلاّ بمقدار مُعیَّن فی البحر، وآخر حدود نفوذه فی العمق لا یتجاوز سبعمائة متر، حیث یسودُ الظلام الدائم أعماق البحار والمحیطات.

کما نعلم أَنّ الماء إذا کان هادئاً یعکسُ النورَ بشکل أفضل، بینما تکسر أمواج البحر أشعة الشمس، ولا تسمح لها بالنفوذ إلى العُمقِ إلاّ بِمقدارِ أقل، وإذا أضفنا إلى ذلک مسألة مرور سحاب داکن اللون فوق هذا البحر الهائج، فإنّ الظلام یَزْدادُ عُتمة وسواداً بشکل کبیر(3).

إن الظلام فی عمق البحر من جهة، وظلمة الأمواج الهائجة من جهة اُخرى، وظلمة الغیوم السوداء من جهة ثالثة، ظلمات متراکمة بعضها فوق بعض.

وفی مثل هذا الظلام لا یمکنُ رؤیة أیّ شیء، مهما اقتَرب منّا، حتى لو وضع الإنسان الشیء نُصبَ عینیه لما استطاع مشاهدته.

وهکذا حال الکفار الذین حرموا من نور الإیمان فابتلوا بهذه الظلمات، خلافاً للمؤمنین الذین نوّر الله قلوبهم وطریقهم وهم مصداق (نور على نور).

وقال بعض المفسّرین: إنّ هذه الظلمات ثلاثة أقسام، قد ابتلی غیر المؤمنین بها، وهی: ظلمة العقیدة الباطلة، وظلمة القول الخاطیء، وظلمة السلوک السیء، وبعبارة اُخرى: إنّ أعمالِ غیرالمؤمنین أساسها الفکری ظلمات. وکذلک أقوالَهُم التی هی انعکاس لعقائدهم، ثمّ انسجامها مع افعالهم الظلمانیة.

وقال آخرون: إنَّ هذه الظلمات الثلاث عبارة عن مراحل جهل غیرِ المؤمنین، وأوّلها أنّهم لا یعلمون، وثانیتُها أنّهم لا یعلمون بأنّهم لا یعلمون، وثالثتها أنّهم مع کل هذا یتصوّرون أنّهم یعلمون، وبهذا یعیشون فی جهل مرکّب دَامِس.

وقال البعض الآخر: إنَّ أساس المعرفة ـ کما یقول القرآن المجید ـ فی ثلاثة أشیاء: القلب والعین والأذن (وبالطبع یعنی بالقلب العقل). کما جاء فی الآیة 78 من سورة النحل: (والله أخرجکم من بطون أمهاتکم لا تعلمون شیئاً وجعل لکم السّمع والأبصار والأفئدة)(4). ولکن الکفّار فقدوا بکفرهم نور العقل والسمع والبصر، فصاروا فی ظلمات متراکمة.

ولا تناقض بین هذه التفاسیر الثلاثة، کما هو واضح، إذ یمکن أن تشملهم هذه الآیة جمیعاً.

وعلى کلّ حال، فیمکننا أن نصل إلى استنتاج عام من الآیتین السابقتین. فقد شبّهت الآیة أعمال غیرالمؤمنین بنور کاذب کسراب یراه ظمآن فی صحراء جافة، لا یروی هذا السراب العطاشى أبداً، وإنّما یزید فی سعیهم للحصول على الماء فیرهقهم دون نتیجة تذکر.

ثمّ ینتقل القرآن من الحدیث عن هذا النور الکاذب، الذی هو عبارة عن أعمال المنافقین إلى باطن هذه الأعمال، الباطن المظلم والمخیف والموحش حیث تتعطل فیه حواسٌ الإنسان، وتظلم علیه الدنیا حتى لا یرى نفسه، فکیف یمکنه رؤیة الآخرین؟

وطبیعی أنّ المرءُ فی هذه الظلمات فی وحدة مطلقة وجهل دائم، لا یجد طریقه، ولا رفیق سفره، ولا موقف له، ولا یملک وسیلة للنجاة، لأنّه لم یکتسِب شیئاً من مصدر النور، أی الله سبحانه وتعالى، وقد ختم الله على قلبه بالجهل والضلال.

ولعلکم تتذکرون أنّنا قلنا: أنَّ النور مصدر أنواع الجمال والحیاة والحرکة، عکس الظلام الذی یعتبر مصدر القبائح والموت والعدم والسکون والسکوت.

الظلام مصدر الخوف والکراهیة، وهو توأم الهمّ والغمّ، هکذا وضع الذین افتقدوا نور الإیمان، وغرقوا فی ظلمات الکفر.


1. یقول علماء الفیزیاء المعاصرون: عند إرتفاع درجات الحرارة فالهواء المجاور للارض یتمدد ویزداد تخلخله فیختلف مع الطبقة المجاورة له، وبذلک تنعکس موجة الضوء ویحدث السراب.
2. تراجع تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 146، وتفسیر روح المعانی، وتفسیر القرطبی، والتفسیر الکبیر، ج 24، ص 7 ومفردات الراغب.
3. یجب الإنتباه إلى أن «السحاب»یعنی کما جاء من «لسان العرب» الغیوم الممطرة، وعادة تکون السحب المتراکمة أکثر عتمة.
4. التفسیر الکبیر، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة النّور / الآیة 39 ـ 40 سورة النّور / الآیة 41 ـ 42
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma