من الأسئلة ـ التی تثار حول الآیات آنفة الذکر ـ هذا السؤال: لِمَ لَم یقدم سلیمان بنفسه على هذا العمل الخارق للعادة؟ فهو نبىّ کریم من قبل الله وذو معاجز! فلم حوّل هذا الأمر إلى «آصف بن برخیا» ؟!
لعل الوجه فی ذلک أنّ آصف کان وصیّه، وکان سلیمان یرید أن یبیّن موقعه فی هذه اللحظة الحساسة للجمیع(1).
إضافة إلى ذلک فإنّ من المهم أن یختبر الأستاذ تلامیذه فی الموارد اللازمة ویعرف جدارتهم، وأساساً فإنّ جدارة التلامیذ دلیل کبیر على جدارة الأستاذ، السؤال الآخر هو: کیف جاء سلیمان بعرش ملکة سبأ وأحضره عنده دون إذنها؟.
فیقال: لعل ذلک لبیان هدف أسمى، کمسألة الهدایة وبیان معجزة کبیرة، ثمّ بعد هذا کله فإننا نعرف أنّ الملوک لیس لهم مال من أنفسهم، بل أموالهم فی الغالب مغصوبة من الآخرین!.
السؤال الآخر: کیف تکون لعفریت من الجن القدرة على أمر خارق للعادة کهذه الحادثة؟!
الجواب: وقد بیّنا الجواب على هذا السؤال فی الأبحاث المتعلقة بالإعجاز، فقلنا: إنّ من الناس حتى غیر المؤمنین من تکون له قدرة على بعض الاُمور الخارقة للعادة (وذلک للریاضة المجهدة ومجاهدة النفس) إلاّ أنّ الفرق بین ما یقومون به ممّا یخرق العادة وبین المعجزة هو أنّه لما کانت أعمالهم مستندة إلى قدرة بشریة محدودة... فهی «أعمالهم الخارقة للعادة» محدودة دائماً، فی حین أنّ المعاجز تستند إلى قدرة الله التی لا نهایة لها، وقدرته کسائر صفاته غیر محدودة!.
لذلک نرى أنّ العفریت من الجن یحدّد قدرته ـ على فترة بقاء سلیمان فی مجلس القضاء والتحقیق فی اُمور البلد، لیأتیه بعرش ملکة سبأ، فی حین أنّ آصف بن برخیا لم یحدد قدرته، وتحدیدها بارتداد الطرف هو فی الحقیقة إشارة إلى أدنى فترة زمنیة ممکنة... ومن المسلم به أنّ سلیمان(علیه السلام) یشجع الأعمال التی تبیّن للناس الأشخاص الصالحین، ویبارکها، لا عمل العفریت الذی قد یوقع العوام والبساط فی الوهم، فیعدونه دلیلا على تقواه وطهارته!.
وبدیهی أنّ أىّ إنسان یقوم بعمل مهم فی المجتمع ویکون عمله مقبولا فانّ أفکاره ومعتقداته ستتجذّر وتتحدّد فی المجتمع بذلک «العمل» فلا ینبغی أن یأخذ العفاریت زمام المبادرة فی حکومة سلیمان الإلهیّة، بل ینبغی أن یقوم به من عندهم علم من الکتاب لیؤثروا على أفکار الناس وعواطفهم.
1. هذا الجواب نفسه أجاب به الإمام الهادی(علیه السلام) یحیى بن أکثم کما جاء فی روایة عن تفسیر العیاشی ذیل الآیة مورد البحث، وتفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 91.
