الإتهامات المتعددة الألوان:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الفرقان / الآیة 3 ـ 6 سورة الفرقان / الآیة 7 ـ 10

هذه الآیات ـ فی الحقیقة ـ تتمة للبحث الذی ورد فی الآیات السابقة، فی مسألة المواجهة مع الشرک وعبادة الأوثان. ثمّ فی الإدعاءات الواهیة لعبدة الأوثان، واتهاماتهم فیما یتعلق بالقرآن، وشخص النّبی صلّى الله علیه وآله وسلّم.

الآیة الاُولى ـ فی الواقع ـ تجر المشرکین إلى المحاکمة، ولتحریک وجدانهم تقول بمنطق واضح وبسیط، وفی نفس الوقت قاطع وداحض: (واتّخذوا من دونه آلهة لا یخلقون شیئاً وهم یخلقون).

المعبود الحقیقی هو خالق عالم الوجود، ولا یدعی المشرکون هذا الإدعاء لأوثانهم، بل یعتقدون أنّها مخلوقة لله.

وبعدُ، فماذا یمکن أن تکون دوافعهم لعبادة الأوثان التی لا تملک لنفسها نفعاً ولا ضراً، ولا تملک موتاً ولا حیاة ولا نشوراً، فما بالک بما تستطیعه للآخرین!؟ (ولا یملکون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً ولا یملکون موتاً ولا حیاة ولا نشور).

والاُصول المهمّة عند الإنسان هی هذه الاُمور الخمسة بالذات: النفع والضر، والموت، والحیاة، والنشور.

فمن یکن بحق مالکاً أصیلا لهذه الاُمور، یکن بالنسبة إلینا جدیراً بالعبادة.

لکن هذه الأصنام غیر قادرة أصلا على هذه الاُمور لنفسها، فکیف ترید أن توفّر هذه الاُمور لمن یعبدها من المشرکین؟!

أی منطق مفتضح هذا!؟ أن ینقاد الإنسان ویتذلل على أعتاب موجود  لا اختیار له فی نفسه، فما بالک باختیاره للآخرین!؟

هذه الأوثان لیست عاجزة فی الدنیا عن حل مشکلة ما لعبدتها فحسب، بل إنّها لا یؤمل منها شیء فی الآخرة أیضاً.

هذا التعبیر یدل على أنّ هذه الفئة من المشرکین، المخاطبة فی هذه الآیات، کانت تقبل بالمعاد نوعاً من القبول (المعاد الروحی لا الجسدی)، أو أنّ القرآن ـ حتى مع عدم اعتقادهم بمسألة المعاد ـ یتناول القضیة کمسلّمة، فیخاطبهم بشکل قاطع على هذا الصعید، وهذا مألوف، فالإنسان أحیاناً یکون أمام شخص منکر للحقیقة، لکنّه یدلی بکلامه طبقاً لأفکاره هو، دون اعتناء بأفکار ذلک المنکر، خاصّة وأنّ دلیلا ضمنیاً على المعاد قد کمن فی نفس الآیة، لأنّ خالقاً حینما یبتدع مخلوقاً ـ وهو مالک موته وحیاته وضرّه ونفعه ـ لابدّ أن یکون له هدف من خلقه، ولایمکن أن یتحقق هذا الهدف فیما یخص الناس بدون الإیمان بالنشور، ذلک لأنّه إذا انتهى بموت الإنسان کل شیء، فسوف تکون الحیاة فارغة بلا معنى، وهذا یدلّ على أن ذلک الخالق لم یکن حکیماً.

إذا تأملنا جیداً وجدنا مسألة «الضرر» جاءت فی الآیة قبل «النفع» وذلک لأن الإنسان ینفر من الضرر بالدرجة الاُولى، ولهذا کانت جملة «دفع الضرر أولى من جلب المنفعة» أحد القوانین العقلائیة.

وإذا کان «الضرر» و«النفع» و«الموت» و«الحیاة» و«النشور» جاءت بصیغة النکرة، أیضاً، فلأجل بیان هذه الحقیقة، وهی أنّ هذه الأوثان لا تملک نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حیاة ولا نشوراً، حتى فی مورد واحد، فما بالک بالموارد کلها!؟

وإذا ذکرت «لا یملکون» و«لا یخلقون» بصیغة «جمع المذکر العاقل» (فی حال أنّ هذه الأوثان الحجریة والخشبیة لیس لها أدنى عقل أو شعور) فذلک لأنّ هذا الخطاب لا یتعلق بالأوثان الحجریة والخشبیة فحسب، بل بالجماعة التی کانت تعبد الملائکة أو المسیح، ولأنّ العاقل وغیر العاقل مجتمعان فی معنى هذه الجملة، فذکر الجمیع بصیغة العاقل من باب «التغلیب» کما فی الاصطلاح الأدبی.

أو أن الخطاب فی هذه العبارة کان طبقاً لإعتقاد المخاطبین به، حتى یثبت عجزهم وعدم استطاعتهم، یعنی: إذا کنتم تعتقدون أن هذه الأوثان ذات عقل وشعور، فلماذا لا تستطیع أن تدفع عن نفسها ضرراً، أو أن تجلب منفعة!؟

الآیة التالیة تتناول تحلیلات الکفار ـ أو حججهم على الأصح ـ فی مقابل دعوة النّبی(صلى الله علیه وآله)، فتقول: (وقال الّذین کفروا إن هذا إلاّ إفک افتراه وأعانه علیه قوم آخرون).

فی الواقع، إنّهم من أجل أن یلقوا عن عواتقهم مسؤولیة تحمل الحق ـ شأن کل الذین أصروا على معارضة القادة الربانیین على طول التاریخ ـ اتهموا الرّسول صلّى الله علیه وآله وسلّم أوّلا بالإفتراء والکذب، خاصّة وأنّهم قد استخدموا لفظة «هذا» لیحقروا القرآن.

ثمّ من أجل أن یثبتوا أنّه غیر قادر على الإتیان بمثل هذا الکلام ـ لأنّ الإتیان بمثل هذا الکلام المبین مهما یکن بحاجة إلى قدرة علمیة وافرة، وما کانوا یریدون التسلیم بهذا ـ ومن أجل أن یقولوا أیضاً: إنّ هذه خطّة مدبرة ومحسوبة، قالوا: إنّه لم یکن وحده فی هذا العمل، بل أعانه قوم آخرون، وهذه مؤامرة بالتأکید، ویجب الوقوف بوجهها.

بعض المفسّرین قالوا: إنّ المقصود بـ (قوم آخرون) جماعة من الیهود.

وقال آخرون: إنّ المقصود بذلک ثلاثة نفر کانوا من أهل الکتاب، وهم: «عداس» و«یسار» و«حبر» أو «جبر».

على أیة حال ـ بما أنّ هذه المواضیع لم یکن لها وجود فی أوساط مشرکی مکّة، وإنّ قسماً منها مثل قصص الأنبیاء الأولین کان عند الیهود وأهل الکتاب ـ فقد کان المشرکون مضطرین إلى نسبة هذه المطالب إلى أهل الکتاب کی یخمدوا موجة إعجاب الناس من سماع هذه الآیات.

لکن القرآن یردُّ علیهم فی جملة واحدة فقط، تلک هی: (فقد جاؤوا ظلماً وزور).(1)

«الظلم» هنا لأنّ رجلا أمیناً طاهراً وصادقاً مثل الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) اتّهموه بالکذب والإفتراء على الله، وبالإشتراک مع جماعة من أهل الکتاب. فظلموا أنفسهم والناس أیضاً.

و «الزور» هنا أن قولهم لم یکن له أساس مطلقاً، لأنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) دعاهم عدّة مرات إلى الإتیان بسورة وآیات مثل القرآن، فعجزوا وضعفوا أمام هذا التحدی.

وهذا بالذات یدل على أنّ هذه الآیات لیست من صنع عقل البشر، لأنّ الأمر لو کان کذلک، لکانوا یستطیعون بمعونة جماعة الیهود وأهل الکتاب أن یأتوا بمثلها، ومن هنا فإنّ عجزهم دلیل على کذبهم، وکذبهم دلیل على ظلمهم.

لهذا فالجملة، القصیرة (فقد جاؤوا ظلماً وزور) رد بلیغ وداحض فی مواجهة إدعاءاتهم الواهیة.

کلمة «زور» فی الأصل من «زَور» (على وزن غور) أخذت بمعنى: أعلى الصدر، ثمّ أطلقت على کل شیء یتمایل عن حدّ الوسط، وبما أن «الکذب» انحرف عن الحق، ومال إلى الباطل، فقد، سمّوه «زوراً».

تتناول الآیة التالیة لوناً آخر من التحلیلات المنحرفة والحجج الواهیة للمشرکین فیما یتعلق بالقرآن، فتقول: (وقالوا أساطیر الأوّلین أکتتبه).

لا شیء عنده من قبل نفسه، لا علم ولا ابتکار، فکیف له بالنّبوة والوحی! إنّه استعان بآخرین، فجمع عدّة من الأساطیر القدیمة، وأطلق علیها اسم الوحی والکتاب السماوی. وهو یستلهمها من الآخرین طیلة الیوم من أجل الوصول إلى هذا الهدف (فهی تملى علیه بکرة وأصیل).

إنّه یتلقى المعونة لأجل هدفه فی الأوقات التی یقلُّ فیها تواجد الناس، أی بکرة وعشیاً.

هذا الکلام ـ فی الحقیقة ـ تفسیر وتوضیح للإتهامات التی نقلت عنهم فی الآیة السابقة، إنّهم فی هذه الجملة القصیرة أرادوا أن یفرضوا على القرآن مجموعة من نقاط الضعف:

أوّلها: أن لیس فی القرآن موضوع جدید مطلقاً، بل مجموعة من الأساطیر القدیمة.

و الثّانیة: أنَّ نبی الإسلام لا یستطیع الاستمرار بدعوته ـ حتى یوماً واحداً ـ بدون مساعدة الآخرین، فلابدّ أن یُملوا الموضوعات علیه بکرة وعشیاً، وعلیه أن یکتبها.

والاُخرى: أنّه یعرف القراءة والکتابة. فإذا قال: إنّنی اُمّی، فهی دعوى کاذبة.

إنّهم ـ فی الواقع ـ کانوا یریدون أن یفرقوا الناس عن النّبی(صلى الله علیه وآله) بواسطة هذه الأکاذیب والإتهامات، فی الوقت الذی یعلم کل العقلاء الذین عاشوا مدّة فی ذلک المجتمع، أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله)لم یکن قد درس عند أحد، مضافاً إلى أنّه لم تکن له أیة رابطة مع جماعة الیهود وأهل الکتاب، وإذا کان یستلهم من الآخرین کل یوم بکرة وعشیاً، فکیف أمکن أن یخفى على

أحد؟ فضلا عن هذا، فإن آیات القرآن کانت تنزل علیه فی السفر والحضر، بین الناس ومنفرداً، وفی کل حال.

مضافاً إلى کل هذا، کان القرآن مجموعة من التعلیمات الإعتقادیة، والأحکام العملیة، والقوانین، ومجموعة من قصص الأنبیاء، ولم تکن قصص الأنبیاء لتشکل کل القرآن، مضافاً إلى أنّ ما ورد من قصص الأقوام الأولین فی القرآن لم یکن له شبه لما جاء فی العهدین (التوراة والإنجیل) المحرفین، وأساطیر العرب الخرافیة، لذلک لأنّ ما فی العهدین ملیء بالخرافات، والقرآن منزّه عنها، ولو وضعنا القرآن والعهدین جنباً إلى جنب، وقایسنا بینهما، فسوف تتجلى حقیقة الأمر جیداً.(2)

لذا فالآیة الأخیرة تصرح بصیغة الرد على هذه الإتهامات الواهیة، فتقول: (قل أنزله الّذی یعلم السّرّ فی السّماوات والأرض). إشارة إلى أن محتوى هذا الکتاب، والأسرار المتنوعة فیه من علوم ومعارف وتاریخ الأقوام الأولین، والقوانین والاحتیاجات البشریة، وحتى أسرار عالم الطبیعة والأخبار المستقبلیة، تدل على أنّ لیس من صنع ومتناول عقل البشر، ولم ینظّم بمساعدة هذا أو ذاک. بل بعلم الذی هو جدیر بأسرار السماء والأرض، والمحیط بکل شیء علماً.

لکن مع کل هذا، فإن القرآن یترک طریق التوبة مفتوحاً أمام هؤلاء المغرضین والمنحرفین، فیقول تبارک وتعالى فی ختام الآیة (إنّه کان غفوراً رحیم).

فبمقتضى رحمته أرسل الأنبیاء، وأنزل الکتب السماویة، وبمقتضى غفوریته سیعفو فی ظل الإیمان والتوبة عن ذنوبکم التی لا تحصى.


1. «جاؤا» من مادة «مجیء» یراد بها عادة معنى «القدوم»، لکنّها وردت هنا بمعنى «الإتیان»، کما نقرأ أیضاً فی الآیة 81 سورة یونس أن موسى(علیه السلام) قال للسحرة (ما جئتم به السحر).
2. یعتقد جماعة من المفسّرین أنّ المراد من جملة (اکتتبه): هو أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) أراد من الآخرین أن یکتبوا له هذه الآیات، وکذلک، جملة (تملى علیه)مفهومها: هو أنّ اُولئک کانوا یلقونها إلیه، وکان هو یحفظها، لکنّه مع الإلتفات إلى أنّنا لا دلیل لدینا على حمل هاتین الجملتین على خلاف الظاهر، یکون التّفسیر الذی ورد فی المتن هو الأصح، ففی الواقع إنّ أولئک کانوا یریدون أن یتهموا النّبی(صلى الله علیه وآله) من هذا الطریق، بأنّه یقرأ ویکتب، لکنّه کان یظهر نفسه أمیاً عمداً.
سورة الفرقان / الآیة 3 ـ 6 سورة الفرقان / الآیة 7 ـ 10
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma