القرآن مُنزَل من لدن حکیم علیم:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة النّمل / الآیة 1 ـ 6 الواقعیة والإیمان:

نواجه مرّة اُخرى ـ فی بدایة هذه السورة ـ الحروف المقطّعة من القرآن (طس).

وبملاحظة أنّ ما بعدها مباشرة هو الکلام عن عظمة القرآن، فیبدو أنّ واحداً من أسرار هذه الحروف هو أنّ هذا الکتاب العظیم والآیات البیّنات منه، کل ذلک یتألف من حروف بسیطة... وإنّ الجدیر بالثناء هو الخالق العظیم الموجد لهذا الأثر البدیع من حروف بسیطة کهذه الحروف.

وکان لنا فی هذا الشأن بحوث مفصّلة فی بدایة سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة الأعراف.

ثمّ یضیف القرآن قائلا: (تلک آیات القرآن وکتاب مبین) والإشارة للبعید بلفظ (تلک) لبیان عظمة هذه الآیات السماویة، والتعبیر بـ (المبین) تأکید على أنّ القرآن واضح بنفسه وموضح للحقائق أیض(1).

وبالرغم من أنّ بعض المفسّرین احتمل أنّ التعبیر بـ (القرآن وکتاب مبین) إشارة إلى معنیین مستقلین، وأنّ «الکتاب المبین» یراد منه اللوح المحفوظ... إلاّ أنّ ظاهر الآیة یدلّ على أنّ کلاهما لبیان حقیقة واحدة، فالأوّل فی ثوب الألفاظ والتلاوة، والثّانی فی ثوب الکتابة والرسم.

وفی الآیة التالیة وصفان آخران للقرآن إذ تقول: (هدى وبشرى للمؤمنین * الّذین یقیمون الصّلاة ویؤتون الزّکاة وهم بالآخرة هم یوقنون).

وهکذا فإنّ اعتقاد المؤمنین راسخ فی شأن المبدأ والمعاد، وإرتباط متین بالله وخلقه أیضاً... فالأوصاف المتقدمة تشیر إلى اعتقادهم الکامل ومنهجهم العملی الجامع!.

وهنا ینقدح سؤال وهو: إذا کان هؤلاء المؤمنون قد اختاروا الطریق السوی، من حیث المبانی الاعتقادیة والعملیة، فما الحاجة لأن یأتی القرآن لهدایتهم؟!

ویتّضح الجواب بملاحظة أنّ الهدایة لها مراحل مختلفة، وکل مرحلة مقدمة لما بعدها،.

ثمّ إنّ استمرار الهدایة مسألة مهمّة، وهی ما نسألُها الله سبحانه لیل نهار بقولنا: (إهدنا الصّراط المستقیم) لیثبتنا فی هذا المسیر، ویجعلنا مستمرین فیه بلطفه، فلولا لطفه لما کان ذلک ممکناً لنا.

وبعد هذا کلّه، فالإفادة من آیات القرآن والکتاب المبین هی نصیب اُولئک الذین فیهم القابلیة على معرفة الحق وطلب الحق، وإن لم یبلغوا مرحلة الهدایة الکاملة... وإذا ما وجدنا التعبیر فی بعض آیات القرآن بأنّه (هدى للمتّقین) «کما فی الآیة 2 من سورة البقرة» وفی مکان آخر (للمسلمین) «کما فی الآیة 102 من سوره النحل» وهنا (هُدًى وبشرى للمؤمنین) فإنّ ذلک ناشىء من أنّه إذا لم یکن فی قلب الإنسان أدنى مرحلة من التقوى والتسلیم والإیمان بالواقع، فإنّه لا یتجه نحو الحق، ولا یبحث عنه، ولایفید من نور هذا الکتاب المبین... لأنّ قابلیة المحل شرط أیضاً.

ثمّ بعد ذلک فإنّ الهدى والبشرى مقترنین معاً.. وهما للمؤمنین فحسب، ولیس للآخرین مثل هذه المزیة.

ومن هنا یتّضح مجیء التعبیر بالهدایة بشکل واسع لعموم الناس (هدى للنّاس)(2) فإنّ المراد منه اُولئک الذین تتوفر فیهم الأرضیّة المناسبة لقبول الحق، وإلاّ فإنّ المعاندین الألداء، عُماة القلوب، لو أشرقت علیهم آلاف الشموس بدل شمسنا هذه لیهتدوا، لما اهتدوا أبداً.

وتتحدّث الآیة التالیة عن الأشخاص فی المقابلة للمؤمنین، وتصف واحدة من أخطر حالاتهم فتقول: (إنّ الّذین لا یؤمنون بالآخرة زیّنّا لهم أعمالهم فهم یعمهون). أی حیارى فی حیاتهم.

فهم یرون الملوّث نقیّاً، والقبیح حسناً، والعیب فخراً، والشقاء سعادةً وانتصاراً!.

أجل، هذا حال من یسلک الطریق المنحرف ویتوغل فیها... فواضح أنّ الإنسان حین یقوم بعمل قبیح، فإنّ قبحه یخف تدریجاً، ویعتاد علیه، وعندما یتطبع علیه یوجههُ ویبرره، حتى یبدو له حسناً ویعدّه من وظائفه! وما أکثر الذین تلوثت أیدیهم بالأعمال الإجرامیة... وهم یفتخرون بتلک الأعمال ویعدّونها أعمالا إیجابیّة.

وهذا التغیر فی القِیم، أو اضطراب المعاییر فی نظر الإنسان، یؤدّی إلى الحیرة فی متاهات الحیاة... وهو من أسوأ الحالات التی تصیب الإنسان.

والذى یلفت النظر أنّ «التزیین» فی الآیة محل البحث ـ وفی آیة اُخرى من القرآن، وهی الآیة 108 من سورة الأنعام، نسب إلى الله سبحانه، مع أنّه نُسب فی ثمانیة مواطن إلى الشیطان، وفی عشرة اُخَر جاء بصیغ الفعل المجهول (زُیّنَ) ولو فکرنا بإمعان ـ وأمعنّا النظر، لوجدنا جمیع هذه الصور کاشفة عن حقیقة واحدة!

فأمّا نسبة التزیین إلى الله، فلأنّه «مسبب الأسباب» فی عالم الإیجاد، وما من موجود مؤثر إلاّ ویعود تأثیره إلى الله.

أجل، إنّ هذه الخاصیة أوجدها الله فی تکرار العمل لیتطبّع علیه الإنسان... ویتغیر حسُّ التشخیص فیه دون أن تسلب المسؤولیة عنه، أو أن تکون نقصاً فی خلقة الله أو إیراداً علیه (لاحظوا بدقّة).

وأمّا نسبة التزیین إلى الشیطان (أو هوى النفس) فلأن کلاّ منهما عامل قریب وبغیر واسطة للتزیین.

وأمّا مجیء التزیین بصورة الفعل المبنی للمجهول، فهو إشارة إلى أنّ طبیعة العمل یقتضی أن یوجد ـ على أثر التکرار ـ حالة وملکة وعلاقة وعشقاً!!

ثمّ تبیّن الآیة التالیة نتیجة «تزیین الأعمال» وعاقبة اُولئک الذین شغفوا بها فتقول: (اُولئک الّذین لهم سوء العذاب).

فهم فی الدنیا سیمسون حیارى آیسین نادمین، وسینالون العقاب الصارم فی الآخرة (وهم فی الآخرة هم الأخسرون).

والدلیل على أنّهم فی الآخرة هم الأخسرون، ما جاء فی الآیة 103 و104 من سورة الکهف: (قل هل ننبّئکم بالأخسرین أعمالا * الّذین ضلّ سعیهم فی الحیاة الدنیا وهم یحسبون أنّهم یحسنون صنع).

فأیة خسارة أعظم من أن یرى الإنسان عمله القبیح حسناً!! وأن یهدر جمیع طاقاته من أجله، ظنّاً منه بأنّه عمل «إیجابی» مثبت، إلاّ أنّه یراه فی عاقبة أمره شقاءً وذلة وعذاباً.

وأمّا الآیة الأخیرة ـ من الآیات محل البحث ـ فهی بمثابة إکمال البیانات السابقة فی صدد عظمة محتوى القرآن، ومقدمة لقصص الأنبیاء التی تبدأ بعدها مباشرة فتقول: (وإنّک لتلقّى(3) القرآن من لدن حکیم علیم).

وبالرغم من أنّ الحکیم والعلیم کلاهما إشارة إلى علم الله سبحانه، إلاّ أنّ الحکمة تبیّن الجوانب العملیة، والعلم یبیّن الجوانب النظریة... وبتعبیر آخر: إنّ العلیم یخبر عن علم الله الواسع، والحکیم یدل على الهدف من إیجاد هذا العالم وإنزال القرآن على قلب النّبی (محمّد(صلى الله علیه وآله)).

ومثل هذا القرآن النازل من قبل الله ینبغی أن یکن مبیناً ... وهدى وبشرى للمؤمنین، وأن تکون قصصه خالیة من أی نوع من أنواع الخرافات والتضلیل والأباطیل والتحریف.


1. «المبین» مشتق من «الإبانة» وکما یقول بعض المفسّرین کالآلوسی فی روح المعانی: إنّ هذه المادة قد یأتی فعلها لازماً، وقد یأتی متعدیاً ففی الصورة الاُولى یکون مفهوم المبین هو الواضح والبیّن، وفی الصورة الثّانیة یکون مفهومه الموضح!
2. البقرة، 185.
3. «تلقى» فعل مضارع مبنی للمفعول، وهو من باب التفعیل، والفعل الثلاثی المجرّد من هذه المادة «لقی» وهو یتعدى إلى مفعول واحد، أمّا المزید فیتعدى إلى مفعولین. وفی الآیة مورد البحث (الله) هو الفاعل وملقی القرآن، والنّبی (مفعول به أول)، والقرآن مفعول ثان، وحیث إنّ الفعل بنی للمجهول یقوم المفعول الأوّل مقام الفاعل فرفع، وأمّا المفعول الثّانی فعلى حالة.
سورة النّمل / الآیة 1 ـ 6 الواقعیة والإیمان:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma