على الرغم من أنّ الزواج فی الوقت الحاضر قد تعقد بما أحاطته الأعراف الاجتماعیة من عادات خاطئة وخرافیة أحیاناً، فأصبح طریقاً صعباً لا یتمکن الشاب من سلوکه، فإنّه لو اجتزنا هذه العراقیل لأدرکنا أنّ الزواج تعبیر فطری منسجم مع قانون الخلیقة وضروری لبقاء نسل الإنسان، وسکن لروحه، وراحة لجسمه، وحل للمشاکل النفسیة والاجتماعیة، فالإسلام یخطو بانسجام مع الخلق، وله تعابیر جمیلة مؤثرة، ومن جملتها حدیث مشهور
عن الرّسول الأعظم(صلى الله علیه وآله): «تناکحوا وتناسلوا تکثروا، فإنّی أباهی بکم الاُمم یوم القیامة ولو بالسقط»(1).
ونقرأ حدیثاً آخر له(صلى الله علیه وآله): «من تزوج فقد أحرز نصف دینه فلیتق الله فی النصف الباقی»(2).
والسبب فی کلّ هذا الاهتمام هو أنَّ الغریزة الجنسیة من أقوى وأشرس الغرائز فی الإنسان، وتنافس الغرائز الاُخرى بأجمعها، وانحرافها یعرّض دین المرء إلى الخطر، ولذا یعلو صوت حدیث نبوی آخر: «شرارکم عزّابکم»(3) لهذا شجعت الآیات ـ موضع البحث ـ وأحادیث عدیدة المسلمین على التعاون فی تزویج العزّاب، وتقدیم ما بوسعهم من مساعدات فی هذا السبیل.
وقد حمّل الدّین الإسلامی الآباء مسؤولیة کبیرة عن أبنائهم، والآباء الذین یتصرّفون دون مبالاة إزاء هذه القضیة، فإنّهم یشارکون فی إنحراف أبنائهم. کما نقرأ فی حدیث للرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله): «من أدرک له ولدٌ وعنده ما یزوجه فلم یزوجه، فأحدث، فالإثم بینهما!»(4).
وقد أکّدت تعالیم الإسلام ـ لهذا السبب أیضاً ـ بالتیسیر فی نفقات الزواج والمهر، لإزالة الحواجز من طریق العُزّاب. خاصّة إذا علمنا أنّ المهر الغالی یقف حجر عثرة فی وجه زواج العزّاب. ففی حدیث للرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) یقول: «من شؤم المرأة غلاء مهرها»(5).
وجاء فی حدیث آخر أعقب الحدیث السابق: «من شؤمها شدّة مؤونتها»(6).
وقد صرّحت الآیة السابقة بأنّ الفقر لا یمکن أن یکون مانعاً للزواج، وقد یغنی الله المرء بالزواج.
وبهذا حکمت الآیة وأدانت الذین یفرون من الزواج بحجّة أنّهم فقراء، ولا یتحملون هذه المسؤولیة الإلهیة والإنسانیة، بأعذار واهیة.
والسبب فی التأکید على الزواج، هو أنّ المرء یشعر بعد زواجه بمسؤولیته فی الحیاة، فیزج قواه للکسب الحلال، بینما نجد العزاب فی معظم الحالات مشردین! لعدم شعورهم بالمسؤولیة، والمتزوج یکتسب شخصیة اجتماعیة، حیث یجد نفسه مسؤولا عن المحافظة على زوجته، وماء وجه اُسرته، وتأمین حیاة سعیدة ومستقبل زاهر لها، ویستغلّ المتزوج جمیع طاقاته للحصول على دخل معتبر، فتراه یقتصد فی نفقاته لیتغلّب على الفقر بأسرع وقت ممکن، لهذا ذکر الإمام الصادق(علیه السلام) «الرزق مع النساء والعیال»(7).
جاء فی حدیث للرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) حین شکا رجل إلیه فقره فأجابه(صلى الله علیه وآله): «تزوّج». فتزوّج فوسع له(8).
ولا جدال فی أنَّ الإمدادات الإلهیة والقوى الروحیة الخفیة تساعد هذا الشخص الذی تزوج لیحفظ نفسه ویطهرها، وعلى کلّ مؤمن أن یطمئن لما وعده الله، فقد ذکر رسول الله(صلى الله علیه وآله): «من ترک التزویج مخافة العیلة فقد ساء ظنّه بالله، إن الله عزَّوجلّ یقول: (إن یکونوا فقراء یغنهم الله من فضله)(9).
وهناک أحادیث عدیدة فی هذا المجال، لو تناولناها جمیعاً بالبحث لخرجنا عن بحثنا التّفسیری هذا.