إنّ مفهوم عبارة (یعبدوننی لا یشرکون بی شیئ) من الناحیة الأدبیة سواء کانت جملة حالیة أم مستقبلیة(1)، هو أن الهدف النهائی إعدادُ حکومة عادلة راسخة الاُسس، ینتشر فیها الحقّ والأمن والإطمئنان، وتکون ذات تحصینات اُسسها العبودیة لله وتوحیده على نحو ما ذکرتهُ آیة قرآنیة اُخرى تذکر الغایة من الخلق (وما خلقت الجن والإنس إلاّ لیعبدون)(2).
عبادة هدفها السامی تربیة البشر وتسامی أنفسهم، عبادة لا یحتاج الله إلیها، وإنّما یحتاج إلیها البشر لطّی مراحل تکاملهم الإنسانی.
وعلى هذا فإنّ الفکر الإسلامی لیس کالأفکار المادیة التی تتوخى مکاسب مادیة ورفاهیة فی الحیاة، بل تکون للحیاة المادیة قیمة فی الإسلام إن أصبحت وسیلة لتحقیق هدف معنوی سام، فالإهتمام بکون العبادة خالیةً من شوائبِ الشرک نافیةً للأهواءِ الزّائفة، یعنی أنّه لا یمکن تحقق هذه العبادة الصافیة إلاّ بتشکیل حکومة عادلة.
هذا ویمکن کسب مجموعة من الناس إلى جانب الحقّ بالتربیة والتعلیم والتبلیغ المستمر، ولا یمکن تعمیم هذه الحالة فی المجتمع إلاّ بتشکیل حکومة عادلة یقودها المؤمنون الصالحون، ولهذا سعى الأنبیاء إلى تشکیل مثل هذه الحکومة خاصّة الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)، فَبمجرَّد وصوله(صلى الله علیه وآله) إلى المدینة المنورة، وفی أوّل فرصة، شکَّل نموذجاً لها.
ویمکن الإستنتاج من ذلک أنّ جمیع الجهود ـ من حرب وسلام وبرامج تثقیفیة واقتصادیة وعسکریة ـ تنصّب فی ظلّ هذه الحکومة فی مسیرة العبودیة لله الخالیة من کل شائبة من شوائب الشرک.
ولابدّ من القول: إنّه لا یعنی خُلو الأرضِ من المذنبین والمنحرفین فی ظلّ حکومة الصالحین المؤمنین الذین یمکّنهم الله من نشر الحقّ والعدل، وعبادته عبادة خالیة من صور الشرک، بل مفهوم هذه الحکومة هو أنها تُدار من قبل المؤمنین الصالحین، والصفة السائدة فی المجتمع هی خلوه من الشرک، وبما أنّ الإنسان خلق حرّاً، فإن مجال الانحراف موجود حتى فی أفضل المجتمعات الإنسانیة (فتأملوا جید).