کما شاهدنا فی الآیة السابقة، أنّ الله تعالى سمح أن یأکل الإنسان فی بیوت أقربائه المُقرّبین وبعض الأصدقاء وأمثالهم، وأصبح عدد هذه البیوت أحد عشر بیتاً، ولم تشترط الآیة إستئذانهم لتناول الطعام، ولا شک فی عدم وجوب الاستئذان، إذ إنّ بوجود الإذن بالأکل یمکن تناول الغذاء العائد لأی شخص، وبذلک لا تبقى میزة لهذه المجموعة المؤلفة من أحد عشر بیتاً.
فهل یشترط توفر الرضى القلبی بتناول الغذاء «وکما یقال من شاهد الحال». بسبب الصلة الوثیقة بین الطرفین؟ إن ظاهر اطلاق الآیة ینفی هذا الشرط، إذ یکفی احتمال حصول رضاه فقط وعادة یحصل الرضى.
أمّا إذا کانت الحالة تؤکّد عدم رضى صاحب الطعام فی تناول غذاءه، فبالرغم من اطلاق الآیة وشمولها لهذا المورد أیضاً، إلاّ أنّه لا یبعد إنصراف الآیة عن هذا المورد، وخاصّة أنّ مثل هذا المورد نادر الوقوع، ومن المعلوم أنّ الإطلاقات لا تشمل الأفراد النادرة.
وعلى هذا فإنّ الآیة المذکورة تخصص الآیات والرّوایات التی تشترط فی التصرف بأموال الآخرین احراز رضاهم فی دائرة محدودة. وتکرر القول بأن هذا التخصیص، فی نطاق محدد، أی تناول الغذاء بمقدار الحاجة تناولا بعیداً عن الإسراف.
والذی ذکرناه متعارف علیه بین کبار فقهائنا، وجاء بعضه بصراحة فی الأحادیث الإسلامیة، حیث ذکر روایة معتبرة عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال عند الإستفسار منه عبارة «أو صدیقکم» الوارد فی هذه الآیة قال(علیه السلام): «هو والله الرجل یدخل بیت صدیقه فیأکل بغیر إذنه»(1).
کما ذکرت أحادیث اُخرى بهذا المضمون، أکّدت أنّه لا یشترط الإستئذان فی هذه الحالات. (وبالطبع لا یوجد خلاف بین الفقهاء حول عدم جواز الأکل من غذاء الآخرین دون استئذان، الذی نهت عنه الآیة بصراحة مع العلم بهذا النهی. لهذا أهملت الآیة السابقة ذکرهُ).
وحول عبارتی «عدم الإفساد» و«عدم الإسراف» فقد صرحت بعض الأحادیث بذلک أیض(2).
ولا بد من الإشارة إلى أنّه ورد حدیث فی هذا الباب یقول بأنّه یمکن الإستفادة فقط من غذاء خاص ولیس أیّ غذاء، إلاّ أنّ الفقهاء أعرضوا عن هذا الحدیث لضعف سنده.
واستثنى بعض المفسّرین الأطعمة الممتازة التی یحفظها صاحب المنزل لنفسه، أو لضیوفه المقربین، أو لمناسبات خاصّة. وهذا الإستثناء غیر بعید، بسبب انصراف الآیة عنه(3).
1. وسائل الشیعة، ج 16، ص 434، کتاب الأطعمة والأشربة ـ أبواب آداب المائدة ـ الباب 24، ح 1.
2. المصدر السابق، ح 4. 3. لإیضاح أکثر یراجع جواهر الکلام، ج 36، ص 406، کتاب الأطعمة والأشربة.
