یوجد باب تحت عنوان «حد القذف» فی کتاب الحدود.
و«القذف» على وزن «فَعْلُ» یعنی لغةً رمی الشیء نحو هدف بعید، إلاّ أنّه استخدمت کلمة «رمى» کنایة عن إتهام شخص ما فی عرضه، أو بتعبیر آخر: هو سباب یرتبط بهذه الاُمور.
و «القذف» إذا جرى بلفظ صریح، وبأی لغة وأیة صورة فحدّه ـ کما قلنا سابقاً ـ هو ثمانون جلدةً، وإذا لم یکن صریحاً فیعزّر القاذف. (ولم ترد فی الشریعة الإسلامیة حدود للتعزیر، بل وکل التعزیر إلى تقدیر القاضی، لیقرر حدودها وفق خصائص المذنب وکیفیة وقوع الذنب والشروط الاُخرى).
وإذا وجه شخص اتهاماً لمجموعة من الناس، وکرره بالنسبة لکل واحد منهم، فإنّه یواجه حدّ القذف لکل تهمة تفوّه بها، أمّا إذا اتهمهم مرّة واحدة، فینفَّذُ بحقه حَدٌّ واحدٌ إن طالبوا القاضی جمیعاً مرة واحدة، وأمّا إذا أقام کلّ واحد منهم الدعوى بصورة مستقلة، فإنه یعاقب المذنب بعدد هذه الدعاوی.
وهذا الموضوع من الأهمیّة إلى درجة أنّه إذا إتهم شخصاً ومات المتهم، فلورثته الحق فی المطالبة باقامة الحدّ على الذی إتهم مورثّهم بشیء، وبما أنّ هذا الحکم مرتبط بحق الشخص، فلصاحب الحق العفو عن الذنب وإسقاط الحدّ عنه، باستثناء حالة تکرر هذا الذنب من شخص معین بحیث یعرّض وجود وشرف المجتمع إلى الخطر، فیکون حسابه عسیراً.
وإذا تسابّ شخصان سَقَط الحد عنهما، إلاَّ أنّ حاکم الشرع یعزرهما، ولهذا لایجوز للشخص رَدُّ السّباب بالمثل، بَل لَهُ أنْ یطلب من حاکم الشرع معاقبة المذنب.
وعلى کل حال فإنّ هذا الحکم الإسلامی یَرْمی إلى المحافظة على سمعة الناس وشرفهم، وإلى الحیلولةِ دون انتشار المفاسد الاجتماعیة والأخلاقیة التی یبتلى المجتمع بها عن هذا الطریق، ولو تُرِکَ المفسدون یعملون ما یحلو لهم یسبّون ویتهمون الأشخاص والمجتمع متى شاؤوا دون رادع، لتعرض شرف الناس وکرامتهم إلى الهتک، ولوصل الأمر بسبب هذه التهم الباطلة إلى وقوع الریبة بین الزوج وزوجته، وسوء ظن الأب بشرعیة ولده إلى الخطر، ویسیطر الشک وسوء الظن على المجتمع کله، وتروّج الشائعات فتصیب الطاهرین أیضاً، وهنا یستوجب العمل بحزم کبیر مثلما عامل الإسلام هؤلاء المسیئین مروّجی التهم والشائعات.
أجل، یجب أن یُضربوا ثمانین جلدة إزاء کل تهمة بالزنا لیقفوا عند حَدّهم، ولتتم المحافظة على کرامة الناس وشرفهم.
