وإلى أی نوع من الماء أشارت الآیة موضع البحث؟
للمفسِّرین بهذا الصدد ثلاثةُ آراء:
1ـ یقصد بالماء النطفة، وقد اختار الکثیر من المفسّرین هذا المعنى، وقد أشارت إلیه بعض الأحادیث.
وهناک مشکلة تواجه هذا التّفسیر، إذْ أنَّ الاحیاء جمیعاً لم تخلق من ماء النطفة، فمنها أحیاء مجهریة ذات خلّیة واحدة، واُخرى تخلق من انقسام الخلایا ولیس من النطفة إلاّ أن یقال بالنسبة للحکم أعلاه: إنّ المراد هو الجانب النوعی ولیس عاماً.
2ـ والتّفسیر الثّانی یقول: إنَّ المقصود هنا ظهور أوّل مخلوق، فقد ذکرت بعض الأحادیث أنَّ أوّل ما خلق الله الماء، ثمّ خلق الإنسان من الماء.
وینسجم هذا مع النظریات الجدیدة القائلة: إنَّ أوّل عنصر حی ظهر فی البحار. وهذه ظاهرة سادت أعماقَ البحار وسواحلها. (وطبیعی فإنّ القدرة التی خلقت هذا الموجود الحیّ بجمیع تعقیداته ورعته فی المراحل البعدیة، هی قدرة أسمى من الطبیعة، أی إرادة الله تعالى).
3ـ آخر تفسیر لخلقِ الأحیاءِ مِنَ الماءِ، هو أنَّ الماءَ یشکِّل حالیاً أساسَ تکوینها، وأکبر نسبة من بنائها، ولا یمکن للأحیاء أن تواصل حیاتها دون الماء.
وطبیعی أن لا نجد تناقضاً بین هذه التفاسیر، لکنَّ التّفسیرین الأوّل والثّانی أقرب إلى الصواب على ما یبدو(1).