قصّة الهُدهد وملکة سبأ:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة النّمل / الآیة 20 ـ 26 أ) الدروس التعلیمیّة

یشیر القرآن فی هذا القسم من الآیات إلى جانب آخر من حیاة سلیمان(علیه السلام) المدهشة، وما جرى له مع الهدهد وملکة سبأ.

فیقول أوّلا: (وتفقّد الطّیر).

وهذا التعبیر یکشف هذه الحقیقة، وهی أنّه کان یراقب وضع البلاد بدقّة، وکان یتحرى أوضاع حکومته لئلا یخفى علیه غیاب شیء، حتى لو کان طائراً واحداً.

وما لا شک فیه أنّ المراد من الطیر هنا هو الهُدهد، لأنّ القرآن یضیف استمراراً للکلام (فقال ما لی لا أرى الهُدهد أم کان من الغائبین).

وهناک کلام بین المفسّرین فی کیفیة التفات سلیمان إلى عدم حضور الهدهد.

فقال بعضهم: کان سلیمان(علیه السلام) عندما یتحرک تظلل الطیر بأنواعها فوق رأسه فتکون مثل الخیمة، وقد عرف غیاب الهدهد من وجود ثغرة فی هذا الظل!.

وقال بعضهم: کان الهدهد مأموراً من قبل سلیمان بالتقصیّ عن الماء کلما دعت الحاجة إلیه... وعندما دعت الحاجة إلى الماء فی هذه المرّة لم یجد الهدهد فعرف غیابه.

وعلى کل حال، فهذا التعبیر (ما لی لا أرى الهُدهد) ثمّ قوله: (أم کان من الغائبین)لعله إشارة إلى أنّ غیاب الهدهد هل کان لعذر مقبول أولغیر عذر؟

وعلى أیّة حال، فانّ حکومة منظمة ومقتدرة یجب أن تجعل کل شیء یجری داخل إطار الدولة تحت نظرها ونفوذها... حتى وجود طائر واحد وغیابه، لابدّ أن لا یخفى عن علمها ونظرها... وهذا درس کبیر لمن أراد التدبیر.

ومن أجل أن لا یکون حکم سلیمان غیابیاً، وأن لا یؤثر غیاب الهُدهد على بقیة الطیور، فضلا عن الأشخاص الذین یحملون بعض المسؤولیات، أضاف «سلیمان» قائلا: (لاُعذّبنّه عذاباً شدیداً أو لأذبحنّه أو لیأتینّی بسلطان مبین).

والمراد من «السلطان» هنا هو الدلیل الذی یتسلط به الإنسان من أجل إثبات قصده، وتأکید هذا اللفظ بـ «مبین» هو أنّه لابدّ لهذا الفرد المتخلف من إقامة دلیل واضح وعذر مقبول لتخلفه!

وفی الحقیقة فإنّ سلیمان قبل أن یقضی غیابیاً ذکر تهدیده اللازم فی صورة ثبوت التخلّف... وحتى هذا التهدید جعله فی مرحلتین تناسبان الذنب... مرحلة العقاب بما دون الإعدام، ومرحلة العقاب بالإعدام.

وقد برهن «سلیمان» ضمناً أنّه ـ حتى بالنسبة للطائر الضعیف ـ یستند فی حکمه إلى المنطق والدلیل، ولا یعوّل على القوّة والقدرة أبداً.

ولکن غیبة الهدهد لم تطل (فمکث غیر بعید) عاد الهدهد وتوجه نحو سلیمان: (فقال أحطت بما لم تُحط به وجئتک من سبإ بنبإ یقین).

وکأنّ الهدهد قد رأى آثار الغضب فی وجه سلیمان، ومن أجل أن یزیل ذلک التهجم، أخبره أوّلاً بخبر مقتضب مهم إلى درجة أنّ سلیمان نفسه کان غیر مطّلع علیه، برغم ما عنده من علم، ولما سکن الغضب عن وجه سلیمان، فصّلَ الهدهد له الخبر، وسیأتی بیانه فی الآیات المقبلة.

وممّا ینبغی الإلتفات إلیه أنّ جنود سلیمان ـ حتى الطیور الممتثلة لأوامره ـ کانت عدالة سلیمان قد أعطتهم الحریة والأمن والدعة بحیث یکلمه الهدهد دون خوف وبصراحة لا ستار علیها فیقول: (أحطت بما لم تحط به).

فتعامل الهدهد «وعلاقته» مع سلیمان لم یکن کتعامل الملأ المتملقین للجبابرة الطغاة.. إذ یتملقون فی البدء مدة طویلة، ثمّ یتضرّعون ویعدّون أنفسهم کالذرّة أمام الطود، ثمّ یهوون على أقدام الجبابرة ویبدون حاجتهم فی حالة من التضرع والتملق، ولا یستطیعون أن یصرّحوا فی کلامهم أبداً، بل یکنّون کنایةً أرق من الورد لئلا یخدش قلب السلطان غبار کلامهم!!.

أجل، إنّ الهُدهد قال بصراحة: غیابی لم یکن اعتباطاً وعبثاً... بل جئتک بخبر یقین «مهم» لم تحط به!

وهذا التعبیر درس کبیر للجمیع، إذ یمکن أن یکون موجود صغیر کالهدهد یعرف موضوعاً لا یعرفه أعلم من فی عصره، لئلا یکون الإنسان مغروراً بعلمه... حتى لو کان ذلک سلیمان مع ما عنده من علم النبوّة الواسع.

وعلى کل حال، فإنّ الهدهد أخذ یفصّل لسلیمان ما حدث فقال: (إنّى وجدتّ امرأة تملکهم وأوتیت من کلّ شیء ولها عرش عظیم).

لقد بیّن الهُدهد لسلیمان بهذه الجمل الثلاث جمیع مواصفات هذا البلد تقریباً، وأسلوب حکومته!

فقال أوّلاً: إنّه بلد عامر فیه جمیع المواهب والإمکانات، والآخر: إنّنی وجدت امرأة فی قصر مجلل تملکهم، والثّالث: لها عرش عظیم ـ ولعله أعظم من عرش سلیمان ـ لأنّ الهدهد کان رأى عرش سلیمان حتماً، ومع ذلک یصف عرش هذه الملکة بأنّه عظیم.

وقد أفهم الهدهد بکلامه هذا سلیمان أنّه لا ینبغی أن تتصور أن جمیع العالم تحت «نفوذ أمرک وحکومتک»! وأنّ عرشک هو وحده العرش العظیم.

ولما سمع سلیمان(علیه السلام) کلام الهدهد غرق فی تفکیره، إلاّ أنّ الهُدهد لم یمهله طویلا فأخبره بخبر جدید... خبر عجیب، مزعج مریب، إذ قال: (وجدتّها وقومها یسجدون للشّمس من دون الله وزیّن لهم الشّیطان أعمالهم) فکانوا یفخرون بعبادتهم للشمس وبذلک صدّهم الشیطان عن طریق الحق (فصدّهم عن السّبیل).

وقد غرقوا فی عبادة الأصنام حتى أنّی لا أتصور أنّهم یثوبون إلى رشدهم (فهم لا یهتدون).

وهکذا فقد بیّن الهدهد ما هم علیه من حالة دینیة ومعنویة أیضاً، إذ هم غارقون فی

الشرک والوثنیة والحکومة تروّج عبادة الشمس... والناس على دین ملوکهم.

معابدهم وأوضاعهم الاُخرى تدل على أنّهم سادرون فی التیه، ویتباهون بهذا الضلال والانحراف، وفی مثل هذه الظروف التی یرى فیها الناس والحکومة على خط واحد، فمن البعید إمکان هدایتهم.

ثمّ أضاف الهُدهد قائلا: (ألاّ یسجدوا لله الّذی یخرج الخبء فی السّماوات والأرض ویعلم ما تخفون وما تعلنون)(1).

وکلمة «خَبء»على وزن (صبر) معناها کل شیء خفی مستور، وهی هنا إشارة إلى إحاطة علم الله بغیب السماوات والأرض، أی: لِمَ لا یسجدون لله الذی یعلمُ غیب السماوات والأرض وما فیهما من أسرار؟!

وما فسّره بعضهم بأن الخبء فی السماوات هو الغیث، والخبء فی الأرض هو النبات، فهو ـ فی الحقیقة ـ من قبیل المصداق البارز.

والطریف فی الآیة أنّها تتکلم أوّلاً عما خفی فی السماوات والأرض، ثمّ تتکلم عن أسرار القلوب!.

إلاّ أنّه لِمَ استند الهدهد من بین جمیع صفات الله إلى علمه بغیب العالم وشهوده کبیره وصغیره؟!

لعل ذلک لمناسبة أنّ سلیمان ـ بالرغم من جمیع قدرته ـ کان یجهل خصائص بلد سبأ، فالهدهد یقول: ینبغی الاعتماد على الله الذی لا یخفى علیه شیء فی السماوات والأرض.

أو لمناسبة أنّه ـ طبقاً لما هو معروف ـ للهدهد حس خاص یدرک به وجود الماء فی داخل الأرض... لذلک یتکلم عن علم الله الذی یعلم بکل خافیة فی عالم الوجود.

وأخیراً یختتم الهدهد کلامه هکذا (الله لا إله إلاّ هو ربّ العرش العظیم).

وهکذا یختتم الهدهد کلامه مستنداً إلى «توحید العبادة» و«توحید الرّبوبیة» لله تعالى، مؤکداً نفی کل أنواع الشرک عنه سبحانه.


1. کلمة «ألاّ» مرکبة من (أن ول) کما یذهب إلى ذلک کثیر من المفسّرین، وهی متعلقة بجملة (فصدهم) أو (زین لهم الشیطان) وقدروا لها اللام فتکون الجملة هذا النحو من التقدیر «صدّهم عن السبیل لئلا یسجدوا لله» إلاّ أنّ الظاهر أن (أل) حرف تحضیض ومعناه (هلاّ) وکما قلنا فی المتن فإنّ هذه الجملة من کلام الهدهد تعقیباً على ما سبق، وإن کان هناک من یقول بأنّها استثنافیة وإنّها من کلام الله.
سورة النّمل / الآیة 20 ـ 26 أ) الدروس التعلیمیّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma