لایضیق صدرک بمؤامراتهم:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة النّمل / الآیة 69 ـ 75 بحوث

کان الکلام فی الآیات السابقة عن إنکار المعاندین الکفار للمعاد، واستهزائهم وتکذیبهم بالیوم الآخر.

ولما کان البحث المنطقی غیر مُجد لهؤلاء القوم المعاندین والأعداء الألدّاء، بالإضافة إلى ما أقامتهُ الآیات الأخر من الدلائل الوافرة على المعاد ممّا یُرى کلّ یوم فی عالم النباتات وفی عالم الأجنّة، وما إلى ذلک، فإنّ الآیات محل البحث بدلا من أن تأتیهم بدلیل، هددتهم بعذاب الله الّذی شمل من سبقهم من الکفّار، وأنذرتهم بعقابه المخزی... فوجهت الخطاب للنّبی(صلى الله علیه وآله) قائلةً: (قل سیروا فی الأرض فانظروا کیف کان عاقبة المجرمین).

فأنتم تعترفون أنّ هذه الوعود تلقّاها أسلافکم، فلم یکترثوا بها، ولم یروا ضرراً.. فهلاّ سرتم فی الأرض قلیلا، لتشهدوا آثار هؤلاء المجرمین المنکرین للتوحید والمعاد، وخاصة الآثار فی المناطق القریبة من الحجاز... لتنظروا أنّ الأمر لیس کما تزعمون.

ولکن سیحین موعدکم فلا تعجلوا... فأنتم کاُولئک ستواجهون المصیر المحتوم والعاقبة المخزیة إذا لم تصلحوا أنفسکم!.

والقرآن دعا مراراً إلى السیر فی الأرض، ومشاهدة آثار الماضین، والمدن الخاویة الخربة التی حاق بأهلها سوء العذاب، وقصور الظالمین المتداعیة، والقبور الدارسة والعظام النخرة، والأموال التی خلفها أصحابها المغرورون!!

إنّ مطالعة تلک الآثار التی تعبّر عن التاریخ الحىّ لاُولئک الماضین، توقظ القلوب الغافلة! وتبصّرها بالحق... والواقع کذلک، فإنّ مشاهدة واحد من هذه الآثار یترک فی القلب أثراً لا تترکه مطالعة عدّة کتب تأریخیة!.

(کان لنا بحث مفصل فی هذا المجال ذیل الآیة 137 من سورة آل عمران).

ممّا ینبغی ملاحظته أنّه جاء فی هذه الآیة التعبیر بـ «المجرمین» بدلا من «المکذبین»... وهو إشارة إلى أن تکذیبهم لم یکن لأنّهم أخطأوا فی التحقیق، بل أساسه العناد واللجاجة. وتلوثهم بأنواع الجرائم!

وحیث إنّ الرّسول(صلى الله علیه وآله) کان یشفق علیهم لإنکارهم، ویحزن لعنادهم، ویحترق قلبه من أجلهم، إذ کان حریصاً على هدایتهم، وکان یواجه مؤامراتهم أیضاً.. فإنّ الآیة التالیة تسری عن قلب النّبی فتقول له: (ولا تحزن علیهم) ولا تقلق من مؤآمراتهم (ولا تکن فی ضیق ممّا یمکرون).

إلاّ أنّ هؤلاء المنکرین المعاندین، بدلا من أن یأخذوا إنذار النّبی المشفق علیهم مأخذ الجد فیتعظوا بوعظه ویسترشدوا بنصحه، أخذوا یسخرون منه (ویقولون متى هذا الوعد إن کنتم صادقین).

ومع أنّ المخاطب هو النّبی(صلى الله علیه وآله)، إلاّ أنّ الموضوع ذکر بصیغة الجمع «إن کنتم صادقین» لأنّ المؤمنین الصادقین کانوا قد ضموا صوتهم إلى صوت النّبی(صلى الله علیه وآله)أیضاً... فهم مخاطبون بما خوطب به کذلک!

وهنا یردُّ القرآن على استهزائهم وسخریتهم بلهجة موضوعیة، فیقول مخاطباً نبیّه: (قل عسى أن یکون قد ردف لکم بعض الّذی تستعجلون).

فعلام تستعجلون؟! وعلام تستصغرون عقاب الله؟! أفلا ترحمون أنفسکم؟! ترى، هل عذاب الله ضرب من الهزل أو المزاح؟ فعسى أن یأخذکم الله بعذابه لکلامکم هذا فیهلککم... فلم هذا العناد واللجاجة؟!

«ردف» فعل مشتق من (ردف) على وزن (حرف) ومعناه کون الشیء خلف الشیء الآخر، ولذا یطلق على من یرکب الفرس خلف صاحبه (ردیف) کما یطلق الردیف على

الأشخاص أو الأشیاء التی تقف صفاً واحداً بعضها خلف بعض.

وهناک کلام عن المراد من العذاب الذی کانوا یستعجلون به، فقیل: هو ما أصابهم یوم بدر من هزیمة کبرى، إذ صرع من عتاتهم سبعون رجلا وأسر سبعون رجلا!.

کما ویحتمل أنّ المراد منه العقاب العام الذی دفع أخیراً، ببرکة وجود النّبی إذ کان رحمة للعالمین، والآیة 33 من سورة الأنفال شاهدة علیه (وما کان الله لیعذّبهم وأنت فیهم).

والتعبیر بـ «عسى» لعله على لسان النّبیّ(صلى الله علیه وآله). وحتى لو کان من قِبَلِ الله سبحانه ـ فعلى خلاف ما یتصوّره بعضهم، فإنّه لیس فیه أی إشکال... إذ هو إشارة إلى وجود مقدمات الشیء ومقتضیاته، مع إمکان أن تقترن هذه المقدمات بالمانع، فلا تصل إلى النتیجة النهائیة (فلاحظوا بدقّة) !.

ثمّ یتحدث القرآن فی الآیة التالیة عن هذه الحقیقة: وهی أنّ الله إذا لم یعجل فی عقابکم، فذلک بفضله وبرحمته، حیث یمهل عباده الإمهال الکافی لإصلاح أنفسهم، فیقول: (وإنّ ربّک لذو فضل على النّاس ولکنّ أکثرهم لا یشکرون).

وإذا کانوا یتصورون أن تأخیر العقاب لعدم علم الله سبحانه لما یدور فی خلدهم من نیات سیئة وأفکار ضالة، فهم فی غایة الخطأ: (وإنّ ربّک لیعلم ما تکنّ صدورهم ومایعلنون)(1).

فهو یعلم خفایاهم بمقدار ما یعلم من ظاهرهم وما یعلنون، والغیب والشهادة عنده سیّان.

فهذه المفاهیم هی من نتاج علمنا المحدود، وإلاّ فهی فی مقابل غیر المحدودتفقد معانیها وتتلاشى حدودها.

وهنا ذکر «علم الله بما تکنّ القلوب» مقدماً على علمه بالأفعال الخارجیة، ولعل ذلک هو بسبب أهمّیة النیات والإرادة! کما یمکن أن یکون التقدیم لأنّ الأفعال الخارجیة ناشئة عن النیات الداخلیة، والعلم بالعلة مقدم على العلم بالمعلول!.

ثمّ یضیف القرآن قائلا: إنّه لیس علم الله منحصراً بما تکنّ القلوب وما تعلن، بل علمه واسع مطلق! (وما من غائبة فی السّماء والأرض إلاّ فی کتاب مبین)(2).

وواضح أنّ «الغائبة» لها معنى واسع، فهی تحمل فی مفهومها کلّ ما خفی عن حسّنا وغاب... وتشمل أعمال العباد الخفیة والنیات الباطنیة، وأسرار السماوات والأرض وقیام الناس للحساب یوم القیامة، زمان نزول العذاب، وأمثال ذلک، ولا دلیل على أن نفسّر «الغائبة» هنا بواحد من هذه الاُمور المذکورة آنفاً ـ کما ذهب إلیه بعض المفسّرین ـ .

والمراد بـ «الکتاب المبین» هو اللوح المحفوظ، وعلم الله الذی لا نهایة له، وقد بحثنا هذا الموضوع فی ذیل الآیة 59 من سورة الأنعام.


1. «تکنّ» مأخوذ من کَنّ على وزن جَنّ، وهذا الفعل یطلق على ما تستر فیه الأشیاء وتحفظ، وهنا کنایة عن ما یخطر فی قلوب الکفّار من خواطر وأفکار عدوانیة!
2. «الغائبة» اسم فاعل مشتق یدل على الوصف، وکما یعتقد بعضهم «التاء» لیست فی هذه الکلمة للتأنیث، بل هی إشارة للأشیاء المخفیة، فهی للمبالغة فی الخفاء... إلا أنّه لا مانع من أن نحتمل أن التاء للتأنیث، وأنّ موصوفها محذوف، وتقدیره: وما من خصلة غائبة. أو أشیاء غائبة، والله العالم، اعراب القرآن، ج 7، ص 250.
سورة النّمل / الآیة 69 ـ 75 بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma