الصفات الخاصّة لعباد الرحمن:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الفرقان / الآیة 63 ـ 67 1ـ طریقة مشی المؤمنین

هذه الآیات ـ فما بعد ـ تستعرض بحثاً جامعاً فذاً حول الصفات الخاصّة لعباد الرحمن، إکمالا للآیات الماضیة حیث کان المشرکون المعاندون حینما یذکر اسم الله «الرحمن» یقولون وملء رؤوسهم استهزاء وغرور «وما الرحمن»؟ ورأینا أن القرآن یعرّف لهم «الرحمن» ضمن آیتین، وجاء الدور الآن لیعرّف «عباد الرحمن».

تبیّن هذه الآیات اثنتی عشرة صفة من صفاتهم الخاصّة، حیث یرتبط بعضها بالجوانب الاعتقادیة، وبعض منها أخلاقی، ومنها ما هو اجتماعی، بعض منها یتعلق بالفرد، وبعض آخر بالجماعة، وهی أوّلا وآخراً مجموعة من أعلى القیم الإنسانیة.

یقول تعالى: (وعباد الرّحمن الّذین یمشون على الأرض هون).(1)

الصفة الأولى: لـ «عباد الرحمن» هو نفی الکبر والغرور والتعالی، الذی یبدو فی جمیع أعمال الإنسان حتى فی طریقة المشی، لأنّ الملکات الأخلاقیة تظهر نفسها فی حنایا أعمال وأقوال وحرکات الإنسان بحیث إنّ من الممکن تشخیص قسم مهم من أخلاقه ـ بدقّة ـ من أسلوب مشیته.

نعم، إنّهم متواضعون، والتواضع مفتاح الإیمان، فی حین یعتبر الغرور والکبر مفتاح الکفر.

لقد رأینا باُم أعیننا فی الحیاة الیومیة، وقرأنا مراراً فی آیات القرآن أیضاً، أنّ المتکبرین المغرورین لم یکونوا مستعدین حتى لیصغوا إلى کلام القادة الإلهیین، کانوا یتلقون الحقائق بالسخریة، ولم تکن رؤیتهم أبعد من أطراف اُنوفهم، تُرى أیمکن أن یجتمع الإیمان فی هذه الحال مع الکبر؟!

نعم، هؤلاء المؤمنون، عباد ربّهم الرحمن، والعلامة الاُولى لعبودیتهم هو التواضع... التواضع الذی نفذ فی جمیع ذرات وجودهم، فهو ظاهر حتى فی مشیتهم.

فإذا رأینا أنّ إحدى أهم القواعد التی یأمر الله بها نبیّه هی (ولا تمش فی الأرض مرحاً إنّک لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طول)(2) فلنفس هذا السبب أیضاً، وهو أنّ التواضع روح الإیمان.

حقّاً إذا کان للإنسان أدنى معرفة بنفسه وبعالم الوجود، فسیعلم کم هو ضئیل حیال هذا العالم الکبیر، حتى وإن کانت رقبته کالجبال، فإن أعلى جبال الأرض أمام عظمة الأرض أقل من تعرجات قشر (النارنج) بالنسبة إلیها، تلکم الأرض التی هی نفسها لا شیء بالنسبة الى الأفلاک العظیمة.

ترى ألیست هذه الحالة من الکبر والغرور، دلیلا على الجهل المطلق!؟

نقرأ فی حدیث رائع عن النّبی(صلى الله علیه وآله)، أنّه کان یعبر أحد الأزقة یوماً ما، فرأى جماعة من الناس مجتمعین، فسألهم عن سبب ذلک فقالوا: مجنون شغل الناس بأعمال جنونیة مضحکة، فقال: رسول الله(صلى الله علیه وآله): أتریدون أن أخبرکم من هو المجنون حقاً، فسکتوا وأنصتوا بکل وجودهم فقال(صلى الله علیه وآله): «المتبختر فی مشیه، الناظر فی عطفیه، المحرک جنبیه بمنکبیه، الذی لا یرجى خیره ولا یؤمن شرّه، فذلک المجنون، وهذا مبتلى!».(3)

الصفة الثّانیة: لـ «عباد الرحمن» الحلم والصبر، کما یقول القرآن فی مواصلته هذه الآیة (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلام).

السلام الذی هو علامة اللامبالاة المقترنة بالعظمة، ولیس الناشیء عن الضعف.

السلام دلیل عدم المقابلة بالمثل حیال الجهلة الحمقى، سلام الوداع لأقوالهم غیر المترویة، لیس سلام التحیة الذی هو علامة المحبة ورابطة الصداقة.

والخلاصة، أنّه السلام الذی هو علامة الحلم والصبر والعظمة.

نعم، المظهر الآخر من مظاهر عظمتهم الروحیة، هو التحمل وسعة الصدر اللذین بدونهما سوف لا یطوی أی إنسان طریق «العبودیة لله» الصعب الممتلىء بالعقبات، خصوصاً فی المجتمعات التی یکثر فیها الفاسدون و«مفسدون» وجهلة.

الصفة الثالثة: وتتناول الآیة الثّانیة، خاصیتهم الثالثة التی هی العبادة الخالصة لله، فیقول تعالى: (والّذین یبیتون لربّهم سجّداً وقیام).

فی عتمة اللیل حیث أعین الغافلین نائمة، وحیث لا مجال للتظاهر والریاء، حرّموا على أنفسهم لذة النوم، ونهضوا إلى ما هو ألذّ من ذلک، حیث ذکرُ الله والقیام والسجود بین یدی عظمته عزَّوجلّ، فیقضون شطراً من اللیل فی مناجاة المحبوب، فینورون قلوبهم وأرواحهم بذکره وباسمه.

ورغم أن جملة «یبیتون» دلیل على أنّهم یقضون اللیل بالسجود والقیام إلى الصباح، لکن المعلوم أنّ المقصود هو شطر کبیر من اللیل، وإن کان المقصود هو کل اللیل فإنّ ذلک یکون فی بعض الموارد.

کما أن تقدیم «السجود» على «القیام» بسبب أهمیته، وإن کان القیام مقدّم على السجود عملیاً فی حال الصلاة.(4)

الصفة الرّابعة: لهم هی الخوف من العذاب الإلهی (والّذین یقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها کان غرام). أی شدیداً ومستدیماً. (إنّها ساءت مستقرّاً ومقام).

و مع أنّهم مشتغلون بذکر الله وعبادته فی اللیالی، ویقضون النهار فی إنجاز تکالیفهم، فإنَّ قلوبهم أیضاً مملوءة بالخوف من المسؤولیات، ذلک الخوف الباعث على القوّة فی الحرکة أکثر وأفضل باتجاه أداء التکالیف، ذلک الخوف الذی یوجه الإنسان من داخله کشرطی قوی، فینجز تکالیفه على النحو الأحسن دون أن یکون له آمر ورقیب، فی ذات الوقت الذی یرى نفسه مقصراً أمام الله.

کلمة «غرام» فی الأصل بمعنى المصیبة، والألم الشدید الذی لا یفارق الانسان، ویطلق «الغریم»(5) على الشخص الدائن، لأنّه یلازم الإنسان دائماً من أجل أخذ حقّه.

ویطلق «الغرام» أیضاً على العشق والعلاقة المتوقدة التی تدفع الإنسان بإصرار باتجاه عمل أو شیء آخر، وتطلق هذه الکلمة على «جهنم» لأنّ عذابها شدید ودائم لا یزول.

ولعل الفرق بین «مستقراً» و«مقاماً» أن جهنم مکان دائم للکافرین فهی لهم «مقام»، ومکان مؤقت للمؤمنین، أی «مستقر»، وبهذا الترتیب یکون قد اُشیر إلى کلا الفریقین الذین یردان جهنم.

ومن الواضح أن جهنم محل إقامة ومستقر سیء، وشتان بین الراحة والنعیم وبین النیران الحارقة.

ومن المحتمل أیضاً أن تکون «مستقراً» و«مقاماً» کلاهما لمعنىً واحد، وتأکید على دوام عقوبات جهنم، وهو صحیح فی مقابل الجنّة، حیث نقرأ عنها فی آخر هذه الآیات نفسها (خالدین فیها حسنت مستقرّاً ومقام).(6)

الصفة الخامسة: فی الآیة الأخیرة یشیر جل ذکره إلى الصفة الممتازة الخامسة لـ «عباد الرحمن» التی هی الإعتدال والإبتعاد عن أی نوع من الإفراط والتفریط فی الأفعال، خصوصاً فی مسألة الإنفاق، فیقول تعالى: (والّذین إذا أنفقوا لم یسرفوا ولم یقتروا وکان بین ذلک قوام).

الملفت للإنتباه أنّه یعتبر أصل الإنفاق أمراً مسلماً لا یحتاج إلى ذکر، ذلک لأنّ الإنفاق أحد الأعمال الضروریة لکل إنسان، لذا یورد الکلام فی کیفیة إنفاقهم فیقول: إنّ إنفاقهم إنفاق عادل (معتدل) بعید عن أی إسراف وبخل، فلا یبذلون بحیث تبقى أزواجهم وأولادهم جیاعاً، ولا یقترون بحیث لا یستفید الآخرون من مواهبهم وعطایاهم.

فی تفسیر «الإسراف» و«الإقتار» کنقطتین متقابلتین، للمفسّرین أقوال مختلفة یرجع جمیعها إلى أمر واحد، وهو أنّ «الإسراف» هو أن ینفق المسلم أکثر من الحد، وفی غیر حق، وبلا داع، و«الإقتار» هو أن ینفق أقل من الواجب.

فی إحدى الروایات الإسلامیة، ورد تشبیه رائع للإسراف والإقتار وحد الإعتدال، تقول الرّوایة: تلا أبو عبد الله(علیه السلام) هذه الآیة: (والّذین إذا أنفقوا لم یسرفوا ولم یقتروا وکان بین ذلک قوام). قال: فأخذ قبضة من حصى وقبضها بیده، فقال: هذا الإقتار الذی ذکره الله عزَّوجلّ فی کتابه، ثمّ قبض قبضة اُخرى فأرخى کفَّه کلَّها، ثمّ قال: هذا الإسراف، ثمّ أخذ قبضة أخرى فأرخى بعضها وأمسک بعضها وقال: هذا القوام».(7)

کلمة «قوام» (على وزن عوام) لغة بمعنى العدل والإستقامة والحد والوسط بین شیئین، و«قُوام» (على وزن کتاب): الشیء الذی یکون أساس القیام والاستقرار.


1. «هون» مصدر، وهو بمعنى الناعم والهادی المتواضع، واستعمال المصدر فی معنى اسم الفاعل هنا للتوکید، یعنی أنّهم فی ما هم علیه کأنّهم عین الهدوء والتواضع.
2. الإسراء، 37.
3. بحارالانوار، ج 67، ص 233.
4. ینبغی الإنتباه إلى أنّ «سجداً» جمع «ساجد»، «وقیاماً» جمع «قائم».
5. تطلق «الغریم» على «الدائن» و«المدین» أیضاً. (لسان العرب مادة غرم).
6. الفرقان، 76. 7. اصول الکافی: طبقاً لنقل تفسیر نور الثقلین، ج 4، ص 29.
سورة الفرقان / الآیة 63 ـ 67 1ـ طریقة مشی المؤمنین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma