عودة موسى إلى حضن اُمّه:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة القصص / الآیة 10 ـ 13  سورة القصص / الآیة 14 ـ 17

فی هذه الآیات تتجسدُ مشاهد جدیدة.. فأمُّ موسى التی قلنا عنها: إنّها ألقت ولدها فی أمواج النیل، بحسب ما فصّلنا آنفاً.. اقتحم قلبها طوفان شدیدٌ من الهمّ على فراق ولدها، فقد أصبح مکان ولدها الذی کان یملأ قلبها خالیاً وفارغاً منه.

فأوشکت أن تصرخ من أعماقها وتذیع جمیع أسرارها، لکن لطف الله تدارکها، وکما یعبّر القرآن الکریم (وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغاً إن کادت لتبدی به لولا أن ربطنا على قلبها لتکون من المؤمنین).

«الفارغ» معناه الخالی، والمقصود به هنا أنّ قلب أم موسى أصبح خالیاً من کل شیء إلاّ من ذکر موسى... وإن کان بعض المفسّرین یرون أنّ المقصود به هو خلوّ القلب من الهمّ والغمّ، أو أنّه خال من الإلهام والبشائر التی بشرت بها  اُم موسى من قبل، ولکن مع الإلتفات لهذه الجمل والتدقیق فیها یبدوا هذا التّفسیر غیر صحیح.

وطبیعیّ تماماً أنّ اُمّاً تفارق ولدها بهذه الصورة یمکن أن تنسى کل شیء إلاّ ولدها

الرضیع، ویبلغ بها الذهول درجةً لا تلتفت معها إلى ما سیصیبها وولدها من الخطر لو صرخت من أعماقها وأذاعت أسرارها.

ولکن الله الذی حمّل اُم موسى هذا العبء الثقیل ربط على قلبها لتؤمن بوعد الله، ولتعلم أنّه بعین الله، وأنّه سیعود إلیها وسیکون نبیّاً.

کلمة «ربطنا» من مادة «ربط» ومعناها فی الأصل شدّ وثاق الحیوان أو ما أشبهه بمکان ما لیکون محفوظاً فی مکانه، ولذلک یدعى هذا المحلّ الذی تربط فیه الحیوانات بـ «الرباط» ثمّ توسعوا فی اللغة فصار معنى الربط: الحفظ والتقویة والاستحکام، والمقصود من «ربط القلب» هنا تقویته.. أی تثبیت قلب أم موسى، لتؤمن بوعد الله وتتحمل هذا الحادث الکبیر.

وعلى أثر لطف الله أحست اُم موسى بالاطمئنان، ولکنّها أحبت أن تعرف مصیر ولدها، ولذلک أمرت أخته أن تتبع أثره وتعرف خبره (وقالت لأخته قصّیه).

کلمة «قصّیه» مأخوذة من مادة «قصّ» على زنة «نصَّ» ومعناها البحث عن آثار الشیء، وإنّما سمیّت القصّة قصّةً لأنّها تحمل فی طیاتها أخباراً مختلفة یتبع بعضها بعضاً.

فاستجابت «اُخت موسى» لأمر أمّها، وأخذت تبحث عنه بشکل لا یثیر الشبهة، حتى بصرت به من مکان بعید، ورأت صندوقه الذی کان فی الماء یتلقفه آل فرعون.. ویقول القرآن فی هذا الصدد: (فبصرت به عن جنب).

ولکن اُولئک لم یلتفتوا إلى أن أخته تتعقبه (وهم لا یشعرون).

قال البعض: إن خدم فرعون کانوا قد خرجوا بالطفل من القصر بحثاً عن مرضعة له، فرأتهم اُخت موسى.

ویبدوا أنّ التّفسیر الأوّل أقرب للنظر، فعلى هذا بعد رجوع اُم موسى إلى بیتها أرسلت أخته للبحث عنه، فرأت - من فاصلة بعیدة ـ کیف استخرجه  آل فرعون من النیل لینجو من الخطر المحدق.

هناک تفاسیر اُخرى لجملة (وهم لا یشعرون) أیضاً.

فالعلامة «الطبرسی» لا یستعبد أن یکون تکرار هذه الجملة فی الآیة السابقة والآیات اللاحقة إشارة إلى هذه الحقیقة، وهی أن فرعون جاهل بالاُمور إلى هذه الدرجة فکیف یدعی الرّبوبیة؟ وکیف یرید أن یحارب مشیئة الله التی لا تُقهر؟!

وعلى کل حال، فقد اقتضت مشیئة الله أن یعود هذا الطفل إلى اُمّه عاجلا لیطمئن قلبها، لذلک یقول القرآن الکریم: (وحرّمنا علیه المراضع من قبل)(1).

وطبیعیٌ أن الطفل الرضیع حین تمر علیه عده ساعات فإنه یجوع ویبکی  ولا یطیق تحمل الجوع، فیجب البحث عن مرضع له، ولا سیما أن ملکة مصر «امرأة فرعون» تعلق قلبها به بشدّة، وأحبّته کروحها العزیزة.

کان عمال القصر یرکضون من بیت لآخر بحثاً عن مرضع له، والعجیب فی الأمر أنّه کان یأبى أثداء المرضعات.

لعل ذلک آت من استیحاشه من وجوه المرضعات، أو أنّه لم یکن یتذوق ألبانهن، إذ یبدو لبن کلٍّ منهن مرّاً فی فمه، فکأنّه یرید أن یقفز من أحضان المراضع، وهذا هو التحریم التکوینی من قبل الله تعالى إذ حرّم علیه المراضع جمیعاً.

ولم یزل الطفل لحظة بعد اُخرى یجوع أکثر فأکثر وهو یبکی وعمال فرعون یدورون به بحثاً عن مرضع بعد أن ملأ قصر فرعون بکاءً وضجیجاً، ومازال العمال فی مثل هذه الحال حتى صادفوا بنتاً أظهرت نفسها بأنّها لا تعرف الطفل، فقالت: (هل أدلّکم على أهل بیت یکفلونه لکم وهم له ناصحون).

إنّنی أعرف امرأة من بنی إسرائیل لها ثدیان مملوءان لبناً، وقلب طافح بالمحبّة، وقد فقدت ولیدها، وهی مستعدةً أن تتعهد الطفل الذی عندکم برعایتها.

فسرّ بها هؤلاء وجاءوا بأمّ موسى إلى قصر فرعون، فلمّا شمّ الطفل رائحة اُمّه التقم ثدیها بشغف کبیر، وأشرقت عیناه سروراً، کما أن عمّال القصر سرّوا کذلک لأنّ البحث عن مربیة له أعیاهم، وامرأة فرعون هی الاُخرى لم تکتم سرورها للحصول على هذه المرضع أیضاً.

ولعلهم قالوا للمرضع: أین کنت حتى الآن، إذ نحن نبحث عن مثلک منذ مدّةً.. فلیتک جئت قبل الآن، فمرحباً بک وبلبنک الذی حلّ هذه المشکلة.

تقول بعض الرّوایات: حین استقبل موسى ثدی اُمّه، قال هامان وزیر فرعون لأم موسى: لعلک اُمّه الحقیقیة، إذ کیف أبى جمیع هذه المراضع ورضی بک، فقالت: أیّها الملک، لأنّی امرأة ذات عطر طیب ولبنی عذب، لم یأتی طفل رضیع إلاّ قبل بی، فصدّقها الحاضرون وقدموا لها هدایا ثمینة(2).

ونقرأ فی هذا الصدد حدیثاً قال الراوی: فقلت للإمام الباقر(علیه السلام) ; فکم مکث موسى غائباً من اُمّه حتى ردّه الله؟ قال «ثلاثة أیّام»(3).

وقال بعضهم: هذا التحریم التکوینی لأنّ الله لم یرد لموسى أن یرتضع من الألبان الملوثة بالحرام.. الملوّثة بأموال السرقة، أو الملوّثة بالإجرام والرشوة وغصب حقوق الآخرین، وإنّما أراد لموسى أن یرتضع من لبن طاهر کلبن اُمّه لیستطیع أن ینهض بوجه الأرجاس ویحارب الآثمین.

وتم کل شیء بأمر الله (فرددناه إلى اُمّه کی تقرّ عینها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولکن أکثرهم لا یعلمون(4)).

هنا ینقدح سؤال مهم وهو: هل أودع آل فرعون الطفل «موسى» عند اُمّه لترضعه وتأتی به کل حین ـ أو کل یوم ـ إلى قصر فرعون لتراه امرأة فرعون؟!

أم أنّهم أودعوا موسى فی القصر وطلبوا من المرضع «أم موسى» أن تأتی بین فترات متناسبة إلى القصر لترضعه؟!

لا یوجد دلیلٌ قوی لأیٍّ من الاحتمالین، إلاّ أن الاحتمال الأوّل أقرب للنظر کما یبدو!

وهناک سؤال آخر أیضاً، وهو: هل انتقل موسى إلى قصر فرعون بعد إکماله فترة الرضاعة، أم أنّه حافظ على علاقته باُمّه وعائلته وکان یتردد ما بین القصر وبیته؟!

قال بعضهم: أودع موسى بعد فترة الرضاعة عند فرعون وامرأته، وتربى موسى عندهما، تنقل فی هذا الصدد قصص عریضة حول موسى وفرعون، ولکن هذه العبارة التی قالها فرعون لموسى(علیه السلام) بعد بعثته (ألم نربّک فینا ولیداً ولبثت فینا من عمرک سنین؟!)(5)، تدل بوضوح على أن موسى عاش فی قصر فرعون مدّة، بل مکث هناک سنین طویلة.

ویستفاد من تفسیر علی بن إبراهیم أن موسى(علیه السلام) بقی مع کمال الإحترام فی قصر فرعون حتى مرحلة البلوغ، إلاّ أنّ کلامه عن توحید الله أزعج فرعون بشدّة إلى درجة أنّه صمّم على قتله، فترک موسى القصر ودخل المدینة فوجد فیها رجلین یقتتلان، أحدهما من الأقباط والآخر من الأسباط، فواجه النزاع بنفسه «وسیأتی تفصیل ذلک فی شرح الآیات المقبلة إن شاء الله»(6).


1. «المراضع» جمع «مُرضِع» على زنة «مُخبر» ومعناها المرأة التی تسقی الطفل لبنها من ثدیها، وقال البعض: (المراضع) جمع (مَرضَع) على زنة (مکتب) أی مکان الإرضاع، أی، «الأثداء» وقال البعض: یحتمل أن تکون الکلمة جمعاً للمصدر المیمی «مرضع» بمعنى الرضاع، ولکن المعنى الأوّل أنسب کما یبدو.
2. التفسیر الکبیر، ج 24، ص 231.
3. تفسیر نور الثقلین، ج 4، ص 116.
4. تحدثنا عن الجذر اللغوی لمادة (تقرّ عینه) فی ذیل الآیة 74 من سورة الفرقان ـ فیراجع هناک.
5. الشعراء، 18.
6. لاحظ تفسیر علی بن إبراهیم، ج 2، ص 137، طبقاً لما ورد فی تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 117.
سورة القصص / الآیة 10 ـ 13  سورة القصص / الآیة 14 ـ 17
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma