إنّهم یُعرضون عن کل جدید!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الشّعراء / الآیة 1 ـ 6 بحثان

مرّةً اُخرى نواجه فی بدایة هذه السورة مثلا آخر من الحروف المقطعة وهو: (طَسَمَ).

وکان لنا فی تفسیر هذه الحروف المقطعة بحوث مُسهَبة ومستقلّة فی مستهل سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة الأعراف! فلا نرى حاجةً إلى التکرار والإعادة!

إلاّ أنّ ما ینبغی أن نضیفه هنا هو ما ورد من روایات متعددة عن النّبی(صلى الله علیه وآله) أو بعض أصحابه فی تفسیر «طسم» ویدلّ جمیعُها على أنّ هذه الحروف علامات «مختصرة» عن أسماء الله تعالى، أو أسماء القرآن، أو الأمکنة المقدسة، أو بعض أشجار الجنّة!...

وهذه الرّوایات تؤید التّفسیر الذی نقلناه فی مستهلّ سورة الأعراف فی هذا الصدد، کما أنّها فی الوقت ذاته لا تنافی ما قلناه فی مستهل سورة البقرة من أنّ المراد من هذه الحروف بیان إعجاز القرآن وعظمته، حیث إنّ هذا الکلام العظیم مؤلف من حروف بسیطة وصغیرة!

والآیة التالیة تبیّن عظمة القرآن بهذا النحو: (تلک آیات الکتاب المبین).

وبالطبع فإنّ «تلک» فی لغة العرب اسم إشارة للبعید، ویشار بها للمؤنث «المفرد»

و«الجمع»; کما قد یشار بها لجمع التکسیر.(1)

وکما بیّنا آنفاً فقد یعبّر فی لغة العرب عن عظمة الشیء ـ وإن کان قریباً ـ باسم الإشارة (للبعید) فکان الموضوع لأهمیّتهِ وارتفاع «وعلوّ» مرتبته بعید عنّا، ومکانه فی السماوات العُلى!

وممّا ینبغی الإلتفات إلیه وملاحظته أنّ هذه الآیة بنصّها وردت فی بدایة سورة یوسف وسورة القصص ـ أیضاً ـ دون زیادة أو نقصان، کما أنّها وردت بعد الحروف المقطعة فی مستهلّ السور آنفة الذکر، وهی تدل على إرتباط هذه الحروف بعظمة القرآن.

ووصفُ القرآن بـ «المبین» المشتق من «البیان»، هو إشارة إلى کونه جلیّاً بیّناً عظیماً معجزاً ـ فکلّما أمعن الإنسان النظر فی محتواه تعرّف على إعجازه أکثر فأکثر... ثمّ بعد هذا فإنّ القرآن یبیّن الحق ویمیزه عن الباطل، ویوضّح سبیل السعادة والنصر والنجاة من الضلال!

وتتحرک الآیة التالیة لتُسرّی عن قلب النّبی وتثبته فتقول: (لعلّک باخعٌ نفسَک ألاّ یکونوا مؤمنین).

کلمة «باخع» مشتقّة من (البَخْع) (على وزن الدَّمع)! ومعناه إهلاک النفس من شدة الغمّ... وهذا التعبیر یدلّ على مدى تحرّق قلب النّبی وشفقته لاُمته، وأداء رسالته، وما کان علیه من إصرار فی خِطته، وتجلّد فی مواجهة شدته ومحنته، لأنّه یرى القلوب المتعطشة الظامئة فی جوار النبع القرآنی الزلال، ولکنّها لا تزال على ظمئها ولا ترتوی من معینه العذب، فکان یتحرق لذلک!

کان قلقاً ـ وباخعاً نفسه ـ أن یرى الإنسان الذی منحه الله العقل واللبّ یسیر فی الطریق المظالم، بالرغم من کل هذا الضیاء، ویهوی فی الوادی السحیق لیکون من الهالکین!

أجل، کان جمیع الأنبیاء على هذه الشاکلة من الإشفاق على اُممهم ولا سیما الرّسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) الذی ورد فی شأنه هذا التعبیر القرآنی أکثر من مرّة...

قال بعض المفسّرین: إنّ سبب نزول الآیة الأنفة الذکر هو أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) کان یدعو أهل مکّة إلى توحید الله باستمرار، إلاّ أنّهم لم یؤمنوا، فأسف النّبی وتأثر تأثراً بالغاً حتى بدت أماراته فی وجهه، فنزلت الآیة آنفة الذکر لتسرّی عن قلب النّبی(صلى الله علیه وآله).(2)

ولبیان أنّ الله على کل شیء قدیر حتى أنّه یستطیع أن یسوقهم إلى الإیمان به سوقاً ویضطرّهم إلى ذلک، فإنّ الآیة التالیة تقول: (إن نشأ ننزّل علیهم من السّماء آیة فظلّت أعناقهم لها خاضعین).

وهی إشارة إلى أنّ الله قادر على إنزال معجزة مذهلة ـ من السماء ـ أو أن یرسل علیهم عذاباً شدیداً فیذعنوا له، ویطأطئوا برؤوسهم خضوعاً له، ویستسلموا لأمره وحکمه، إلاّ أنّ الإیمان بإکراه لا قیمة له. فالمهم أن یخضعوا للحق عن إرادة ووعی وإدراک وتفکر.

ومن الواضح أنّ المراد بخضوع الأعناق خضوع أصحابها... فاللغة العربیة تذکر الرقبة أو العنق کنایة عن الإنسان لأنّها جزء مهمٌّ منه، ویقال مثلا کنایة عن البغاة القساة: غلاظ الرقاب، وعن المضطهدین والضعفاء: الرقاب الذلیلة!

وبالطبع فهناک احتمالات اُخرَ لتفسیر «أعناقهم» من جملتها أنّ الأعناق تعنی الرؤساء، کما أنّ من التفاسیر أنّ الأعناق تعنی طوائف من الناس، وجمیع هذه الاحتمالات ضعیفة.

ثمّ یتحدث القرآن عن مواقف المشرکین والکفّار من آیات القرآن فیقول: (وما یأتیهم من ذکر من الرحمن محدث إلاّ کانوا عنه معرضین).

والتعبیر بـ «ذکر» هو إشارة إلى أنّ القرآن موقظ ومنبّه، وهذا الأمر متحقّق فی جمیع آیاته وسوره! إلاّ أنّ هذه الجماعة معرضة عن ذکره وتنبیهه، فهی تفرّ عن کل ذلک!...

والتعبیر بـ «الرحمن» إشارة إلى أنّ نزول هذه الآیات من قبل الله إنّما هو من رحمته العامّة، إذ تدعو جمیع الناس دون استثناء إلى السعادة والکمال!

کما أنّ هذا التعبیر ـ أیضاً ـ ربّما کان لتحریک الإحساس بالشکر لله، فهذا الذکر من الله الذی عمّت نعمه وجودکم من القرن إلى القدم، فکیف یمکن الإعراض عن ولی النعمة؟! وإذا کان سبحانه لا یتعجل بإنزال العذاب علیکم، فذلک من رحمته أیضاً...

والتعبیر بـ «محدث» ـ أی جدید ـ إشارة إلى أنّ آیات القرآن تنزل واحدةً تلو الاُخرى، وکلُّ منها ذو محتوى جدید، ولکن ما جدوى ذلک، فهم مع کل هذه الحقائق الجدیدة ـ معرضون... فکأنّهم اتّفقوا على خرافات السلف وتعلّقوا بها ـ فهم لا یرضون أن یودّعوا ضلالهم وجهلهم وخرافاتهم!! فأساساً مهما کان الجدید موجباً للهدایة، فإنّ الجهلة والمتعصبین یخالفون الحق ولا یذعنون له...

ونقرأ فی سورة «المؤمنون» الآیة 68 منه إذ تقول: (أفلم یدّبّروا القول أم جاءهم مالم یأتِ آباءهم الأوّلین) فبذریعة مالم یأت آباءهم تجدهم متعصبین مخالفین!

ثمّ یضیف القرآن: أنّ هؤلاء لا یقفون عند حدود الإعراض، بل یتجاوزون إلى مرحلة التکذیب، بل إلى أشدّ منه لیصلوا إلى الإستهزاء به، فیقول: (فقد کذّبوا فسیأتیهم أنباؤا ما کانوا به یستهزئون).

«الأنباء»: جمع «انبأ»، أی الخبر المهمّ، والمراد من هذه الکلمة ما سیصیبهم من العقاب الشدید الدنیوی والأخروی. على أنّ بعض المفسّرین کالشیخ الطوسی فی «التبیان»، قال بأن هذا العقاب منحصر بالعقاب الاُخروی. إلاّ أنّ أغلب المفسّرین یعتقدون بشموله لعقاب الدارین، وهو ـ فی الواقع ـ کذلک!... لأنّ الآیة مُطْلَقَةٌ.

وبغض النظر عن کل ذلک فإنّ للکفر والإنکار انعکاسات واسعة وشاملة فی جمیع حیاة الإنسان... فکیف یمکن السکوت عنها!

والتحقیق فی هذه الآیة والآیة السابقة یکشف أنّ الإنسان حین ینحرف عن الجادة المستقیمة فإنّه یفصل نفسه عن الحق ـ بشکل مستمر ـ .

ففی المرحلة الاُولى یعرض عن الحق ویصرف بوجهه عنه... ثمّ بالتدریج یبلغ مرحلة الإنکار والتکذیب.. ثمّ یتجاوز هذه المرحلة إلى السخریة والإستهزاء... ونتیجةً لذلک ینال عقاب الله وجزاءه «وقد ورد نظیر هذا التعبیر فی الآیتین 4 و5 من سورة الأنعام».


1. کقوله تعالى (وتلک الأیّام نداولها بین الناس).
2. تفسیر روح الجنان، ج 8، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة الشّعراء / الآیة 1 ـ 6 بحثان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma