النّبی لیس شاعراً:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الشّعراء / الآیة 221 ـ 227 1ـ لِمَ کانوا یتهمون النّبی بالشعر

هذه الآیات ـ محل البحث ـ هی آخر الآیات من سورة الشعراء، تعود ثانیة لتردّ على الإتهام السابق ـ من قبل الأعداء ـ بأنّ القرآن من إلقاء الشیاطین، تردهم ببیان أخاذ بلیغ مفحم، فتقول: (هل أنبّئکم على من تنزّل الشّیاطین * تنزّل على کلّ أفّاک أثیم)أی الکاذب المذنب، حیث یلقون إلیهم مایسمعونه مع اضافة أکاذیب کثیرة علیه (یلقون السّمع وأکثرهم کاذبون).(1)

وملخص الکلام أن ما تلقیه الشیاطین له علائم واضحة، ویمکن معرفته بعلائمه أیضاً. فالشیطان موجود مؤذ ومخرب، وما یلقیه یجری فی مسیر الفساد والتخریب، وأتباعه هم الکذابون المجرمون، ولیس شیء من هذه الاُمور ینطبق على القرآن، ولا على مبلّغه، ولیس فیها أی شبه بهما.

والناس فی ذلک العصر ـ وذلک المحیط ـ کانوا یعرفون النّبی محمّد(صلى الله علیه وآله)واُسلوبه وطریقته، فی صدقه وأمانته وصلاحه فی جمیع المجالات... ومحتوى القرآن لیس فیه سوى العدل والحق والإصلاح، فکیف یمکن أن تتهموه بأنّه من إلقاء الشیاطین؟!

والمراد من (الأفّاک الأثیم) هو الکاهن المرتبط بالشیاطین فتارةً یقوم الشیاطین باستراق السمع لأحادیث الملائکة، ثمّ بعد مزجه بأباطیل کثیرة ینقلونه إلى الکهنة. وهم بدورهم یضیفون علیه عشرات الأکاذیب وینقلونها إلى الناس.

وبعد نزول الوحی خاصّة، ومنع الشیاطین من الصعود إلى السماء واستراق السمع، کان ما یلقیه الشیاطین إلى الکهنة خفنَةً من الأکاذیب والأراجیف.

فمع هذه الحال کیف یمکن أن یقاس محتوى القرآن بما تلقیه الشیاطین... وأن یقاس النّبی الصادق الأمین بحفنة من الکهنة الأفاکین الکاذبین!؟

وهناک تفاسیر مختلفة لجملة (یلقون السّمع):

فمنها: أن الضمیر فی (یلقون) عائد على الشیاطین و«السمع» المراد منه المسموعات، أی أنّ الشیاطین یلقون مسموعاتهم إلى أولیائهم وأکثرهم کاذبون «ویضیفون على ما یلقیه الشیاطین أکاذیب کثیرة!».

ومنها: إنّ الضمیر فی الفعل یعود على الأفاکین، إذ أنّهم کانوا یلقون ـ ما یسمعون من الشیاطین ـ إلى عامّة الناس، إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل أصح ظاهر(2)!

وفی الآیة الرّابعة ـ من الآیات محل البحث ـ یردّ القرآن على اتهام آخر کان الکفّار یرمون به النّبی فیدعونه شاعراً، کما فی الآیة 5 من سورة الأنبیاء (بل هو شاعر) وربما دعوه بالشاعر المجنون، کما جاء فی الآیة 36 من سورة الصافات (ویقولون أإنّا لتارکوا آلهتنا لشاعر مجنون).

فالقرآن یردهم هنا ببیان بلیغ منطقی، بأنّ منهج النّبی یختلف عن منهج الشعراء. فالشعراء یتحرکون فی عالم من الخیال، وهو یتحرک على أرض الواقع والواقعیات، لتنظیم العالم الإنسانی.

والشعراء یبحثون عن العیش واللذة والغزل (کما هی الحال بالنسبة لشعراء ذلک العصر فی الحجاز خاصّة حیث یظهر ذلک من أشعارهم بوضوح).

ولذا فإن أتباعهم هم الضالون: (والشّعراء یتّبعهم الغاوون).

ثمّ یضیف القرآن على الجملة آنفة الذکر معقّباً (ألم تر أنّهم فی کلّ واد یهیمون).(3)

فهم غارقون فی أخیلتهم وتشبیهاتهم الشعریة، حتى أنّ القوافی تجرهم إلى هذا الإتجاه أو ذاک، ویهیمون معها فی کل واد.

وهم غالباً لیسوا أصحاب منطق واستدلال، وأشعارهم تنبع ممّا تهیج به عواطفهم وقرائحهم... وهذه العواطف تسوقهم فی کل آن من واد لآخر!

فحین یرضون عن أحد یمدحونه ویرفعونه إلى أوج السماء، وإن کان حقه أن یکون فی اسفل السافلین، ویُلبسونه ثوب الملاک الجمیل وإن کان شیطاناً لعیناً.

ومتى سخطوا على أحد هجوه هجواً مراً وأنزلوه فی شعرهم إلى أسفل السافلین، وإن کان موجوداً سماوّیاً.

تُرى هل یُشبه محتوى القرآن الدقیق المنطلقات الشعریة أو الفکریة للشعراء وخاصّة شعراء ذلک العصر، الذین لم تکن منطلقاتهم إلاّ وصف الخمر والجمال والعشق والمدح لقبائلهم وهجو أعدائهم.

ثمّ إن الشعراء عادةً هم رجال خطابة وجماهیر لا أبطال قتال، وکذلک أصحاب أقوال لا أعمال، لذلک فإنّ الآیة التالیة تضیف فتقول عنهم: (وأنّهم یقولون ما لا یفعلون).

غیر أنّ النّبی الکریم(صلى الله علیه وآله) رجل عمل من قرنه إلى قدمه، وقد اعترف بعزمه الراسخ واستقامته العجیبة حتى أعداؤه، فأین الشاعر من النّبی(صلى الله علیه وآله)؟!

وممّا تقدم من الأوصاف التی ذکرها القرآن عن الشعراء، یمکن أن یقال بأنّ القرآن وصفهم بثلاث علامات:

الاُولى: أنّهم یتبعهم الغاوون الضالون، ویفرّون من الواقع، ویلجأون إلى الخیال.

والثّانیة: أنّهم رجال لا هدف لهم، ومتقلّبون فکریّاً، وواقعون تحت تأثیر العواطف!

والثّالثة: أنّهم یقولون مالا یفعلون... وحتى فی المجال الواقعی لا یطبقون کلامهم على أنفسهم.

إلاّ أنّه لا شیء من هذه الأوصاف یصدق على النّبی، فهو فی الطرف المقابل لها تماماً!

و لمّا کان بین الشعراء أناس مخلصون هادفون وأهل أعمال لا أقوال، ودعاة نحو الحق والصدق «وإن کان مثل هؤلاء الشعراء قلیلا یومئذ». فالقرآن من أجل أن لایضیع حق هؤلاء الشعراء المؤمنین المخلصین الصادقین، استثناهم عن بقیة الشعراء، فقال عنهم: (إلاّ الّذین آمنوا وعملوا الصّالحات).

هؤلاء المستثنون من الشعراء لم یکن هدفهم الشعر فحسب، بل یهدفون فی شعرهم أهدافاً الهیة وإنسانیة، ولا یغرقون فی الأشعار فیغفلون عن ذکر الله، بل کما یقول القرآن: (وذکروا الله کثیر).

وأشعارهم تذکر الناس بالله أیضاً... وإذا ما ظُلموا کان شعرهم انتصاراً للحق (وانتصروا من بعدما ظلمو).

فإذا هجوا جماعة هجوهم من أجل الحق ودفاعاً عن الحق الذی یهجوه اُولئک فیذبون عنه.

وهکذا فقد بیّن القرآن أربع صفات للشعراء الهادفین، وهی الإیمان، والعمل الصالح، وذکر الله کثیراً، والانتصار للحق من بعدما ظلموا، مستعینین بشعرهم فی الذب عنه.

وحیث إنّ معظم آیات هذه السورة هو للتسلیة عن قلب النّبی، والتسریة عنه، وعن المؤمنین القلّة فی ذلک الیوم فی قبال کثرة الأعداء، وحیث إنّ کثیراً من آیات هذه السورة فی مقام الدفاع عن النّبی(صلى الله علیه وآله) ضد التهم الموجهة إلیه من قبل أعدائه، وغیر اللائقة به ـ فإنّ السورة تُختتم بجملة ذات معنى غزیر، وفیها تهدید لأولئک الأعداء الألدّاء، إذ تقول: (وسیعلم الّذین ظلموا أیّ منقلب ینقلبون).

وبالرغم من أنّ بعض المفسّرین أرادوا أن یحصروا هذا الإنقلاب والعاقبة المرة للظالمین بنار جهنمَّ... إلاّ أنّه لا دلیل على تقیید ذلک وتحدیده بها... بل لعله إشارة إلى هزائمهم المتتابعة والمتلاحقة فی المعارک الإسلامیة، کمعرکة بدر وغیرها، وما أصابهم من ضعف وذلة فی دنیاهم، فمفهوم هذه الآیة عام، بالإضافة إلى ذلک عذابهم وانقلابهم إلى النار فی آخر المطاف.


1. «أفّاک» من «الإفک». والإفک هو الکذب الکبیر. فمعنى الأفلاک من یکذب کثیراً أکاذیب کبیرة... و«أثیم» من مادة «إثم» على وزن (إسم) ومعناه فی الأصل: العمل الذی یؤخر صاحبه عن الثواب، ویطلق عادة على الذنب، فالأثیم هو المذنب.
2. لأنّ (یلقون) فی مثل هذه الموارد معناها نقل الأخبار والمطالب، کما جاء فی الآیة 53 من سورة الحج (لیجعل ما یلقی الشیطان فتنة للذین فی قلوبهم مرض) وجملة (أکثرهم کاذبون) تتناسب مع الشیاطین، لأنّ الأفّاکین کلهم کاذبون لا أکثرهم (فلاحظوا بدقة).
3. «یهیمون» فعل مضارع من «الهیام» ، ومعناه المشی بلا هدف.
سورة الشّعراء / الآیة 221 ـ 227 1ـ لِمَ کانوا یتهمون النّبی بالشعر
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma