لم لا یملک هذا الرّسول کنوزاً وجنات؟!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سبب النّزول سورة الفرقان / الآیة 11 ـ 16

استعرض القرآن فی الآیات السابقة قسماً من إشکالات الکفّار فیما یخص نزول القرآن المجید، وأجاب علیها، ویعرض فی هذه الآیات قسماً آخر یتعلق بشخص الرّسول(صلى الله علیه وآله)ویجیب عنها، فیقول تعالى: (وقالوا مال هذا الرّسول یأکل الطّعام ویمشی فی الأسواق).

ما هذا النّبی الذی یحتاج إلى الغذاء کغیره من الأفراد العادیین؟ ویمشی فی الأسواق من أجل الکسب والتجارة وشراء احتیاجاته؟ فلیست هذه سیرة الرسل ولا طریقة الملوک والسلاطین! وفی الوقت الذی یرید هذا الرّسول التبلیغ بالدعوة الإلهیّة، ویرید أیضاً السلطنة على الجمیع!

لقد کان المشرکون یرون أنّه لا یلیق بذوی الشأن الذهاب إلى الأسواق لقضاء حوائجهم، بل ینبغی أن یرسلوا خدمهم ومأموریهم من أجل ذلک.

ثمّ أضافوا: (لولا اُنزل إلیه ملک فیکون معه نذیر)، فلِمَ لم یُرسل إلیه ـ على الأقل ـ ملک من عند الله، شاهد على صدق دعوته، وینذر معه الناس!؟

حسن جداً، لنفرض أنّنا وافقنا على أن رسول الله یمکن أن یکون إنساناً، ولکن لماذا یکون فقیراً فاقداً للثروة والمال!؟ (أو یلقى إلیه کنز أو تکون له جنّة یأکل منه).

ولم یکتفوا بهذا أیضاً، فقد اتهموه آخر الأمر بالجنون بما ابتنوه من استنتاج خاطىء، کما نقرأ فی ختام هذه الآیة نفسها (وقال الظّالمون إن تتّبعون إلاّ رجلا مسحور). ذلک أنّهم کانوا یعتقدون أنّ السحرة یستطیعون أن یتدخلوا فی فکر وعقول الأفراد فیسلبونهم قوام عقولهم!

من مجموع الآیات أعلاه، یستفاد أنّ المشرکین کانت لدیهم عدّة إشکالات واهیة حول الرّسول(صلى الله علیه وآله)، وکانوا یتنازلون عن مقالتهم مرحلة بعد مرحلة.

أوّلا: إنّه أساساً یجب أن یکون ملکاً، وهذا الذی یأکل الطعام ویمشی فی الأسواق لیس ملکاً بالضرورة.

ثمّ قالوا: حسن جدّاً، إن لم یکن ملکاً، فیرسل اللّه ـ على الأقل ـ ملکاً یرافقه ویعینه.

ثمّ تنازلوا عن هذا أیضاً، فقالوا: لنفرض أنّ رسول الله بشر، فینبغی أن یُلقى إلیه کنز من السماء، لیکون دلیلا على أنّه موضع اهتمام الله.

وقالوا فی نهایة المطاف: لنفرض أنّه لم یکن له أىٌّ من تلک المیزات، فینبغی على الأقل ألا یکون إنساناً فقیراً، فلیکن کأی مزارع مرفه، له بستان یضمن منه معیشته. لکنّه فاقد لکلّ هذا مع الأسف، ویقول إنّنی نبیّ!؟

واستنتجوا فی الختام، أنّ إدعاءة الکبیر هذا، فی مثل هذه الشرائط، دلیلٌ على أن لیس له عقل سلیم.

الآیة التالیة تبیّن جواب جمیع هذه الإشکالات فی عبارة موجزة: (انظر کیف ضربوا لک الأمثال فضلّوا فلا یستطیعون سبیل).

هذه العبارة الموجزة أداء بلیغ عن هذه الحقیقة، فهم من خلال مجموعة من الأقوال الواهیة التی لا أساس لها وقفوا أمام دعوة الحق والقرآن ـ الذی محتواه شاهد ناطق على إرتباطه بالله ـ لیخفوا وجه الحقیقة.

حقّاً، إن مثلهم کمثل من یرید أن یقف أمام استدلالاتنا المنطقیة من خلال حفنة من الحجج، الواهیة فنقول من دون الاجابة علیها بالتفصیل: انظر بأیة إدّعاءات واهیة یریدون أن یقفوا معها أمام الدلیل المنطقی.

و هکذا کانت أقوالهم فی جمیع مواردها، لأن:

أوّلا: لماذا یجب أن یکون الرّسول من جنس الملائکة؟ بل ینبغی أن یکون قائد البشر منهم، کما یحکم به العقل والعلم، حتى یدرک جمیع آلام ورغبات وحاجات ومشکلات ومسائل حیاة الإنسان تماماً، لیکون قدوة عملیة له على کل المستویات، وحتى یستلهم الناس منه فی جمیع المناهج، ومن المسلّم أنّ تأمین هذه الأهداف لم یکن لیتحقق لو کان من الملائکة، ولقال الناس إذا حدثهم عن الزهد وعدم الإهتمام بالدنیا: إنّه ملک، ولیست له حاجات مادیة تجرّه إلى الدنیا وإذا دعا إلى الطهارة والعفة لقال الناس: إنّه لا یدری ما عاصفة الغریزة الجنسیة، وعشرات (إذا) مثل تلک.

ثانیاً: ما ضرورة أن ینزل ملک لیرافق بشراً من أجل تصدیقه؟ أفلیست المعجزات کافیة لإدراک هذه الحقیقة، وخاصّة معجزة عظیمة کالقرآن!

ثالثاً: أکل الطعام کسائر الناس، والمشی فی الأسواق یکون سبباً للإندماج بالناس أکثر، والغوص فی أعماق حیاتهم، لیؤدّی رسالته بشکل أفضل.

رابعاً: عظمة الرّسول وشخصیته مردهما لیس إلى الکنز والنفائس ولا بساتین النخیل والفواکه الطازجة، هذا نمط تفکیر الکفار الذی یعتبر أنّ المکانة ـ وحتى القرب من الله ـ فی الأثریاء خاصّة، فی حال أنّ الأنبیاء جاؤوا لیقولوا: أیّها الإنسان، إنّ قیمة وجودک لیست بهذه الأشیاء، إنّها بالعلم والتقوى والإیمان.

خامساً: بأی مقیاس کانوا یعتبرونه «مسحوراً» أو «مجنوناً»؟ الشخص الذی کان عقله معجزاً بشهادة تأریخ حیاته وانقلابه العظیم وتأسیسه الحضارة الإسلامیة، کیف یمکن إتهامه بهذه التهمة المضحکة؟ أیصح أن نقول إن تحطیم الأصنام ورفض الإتباع الأعمى للأجداد دلیل على الجنون؟!

إتضح بناءً على ما قلناه أنّ (الأمثال) هنا، خاصّة مع القرائن الموجودة فی الآیة، بمعنى الأقوال الفارغة الواهیة، ولعل التعبیر عنها بـ (الأمثال) بسبب أنّهم یلبسونها لباس الحق فکأنّها مثله، وأقوالهم مثل الأدلة المنطقیة، فی حال أنّها لیست کذلک واقعاً.(1)

و ینبغی أیضاً الإلتفات إلى هذه النکتة، وهی أنّ أعداء النّبی(صلى الله علیه وآله) کانوا یتهمونه ـ بـ  «الساحر» وأحیاناً بـ «المسحور» وإن کان بعض المفسّرین قد احتمل أن «المسحور» بمعنى «الساحر» (لأن اسم المفعول یأتی بمعنى اسم الفاعل أحیاناً) ولکن الظاهر أن بینهما فرقاً.

عندما یقال عنه بأنّه ساحر، فلأن کلامه کان ذا نفوذ خارق فی القلوب، ولأنّهم ما کانوا یریدون الإقرار بهذه الحقیقة، فقد لجأوا إلى اتهامه بـ «الساحر».

أمّا «المسحور» فمعناه أن السحرة تدخّلوا فی عقله وتصرفوا به، وعملوا على اختلال حواسه، هذا الإتّهام نشأ من أنّ الرّسول کان محطماً لسنّتهم، ومخالفاً لعاداتهم وأعرافهم الخرافیة، وقد وقف فی وجه مصالحهم الفردیة.

أمّا جواب جمیع هذه الإتهامات فقد اتضح من الکلام أعلاه.

و هنا یأتی هذا السؤال، وهو أنّه لماذا قال تعالى: (فضلّوا فلا یستطیعون سبیل).

الجواب هو أنّ الإنسان یستطیع أن یکتشف الطریق إلى الحق بصورة ما، إذا کان مریداً للحق باحثاً عنه، أمّا من یتخذ موقفه ـ ابتداءً ـ على أساس أحکام مسبّقة خاطئة ومضلّة، نابعة من الجهل والتزمت والعناد، فمضافاً إلى أنّه لا یعثر على الحق، فإنّه سیتخذ موقعه ضد الحق دائماً.

الآیة الأخیرة مورد البحث ـ کالآیة التی قبلها ـ توجّه خطابها إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) على سبیل تحقیر مقولات اُولئک، وأنّها لا تستحق الإجابة علیها، یقول تعالى: (تبارک الّذی إن شاء جعل لک خیراً من ذلک جنّات تجری من تحتها الأنهار ویجعل لک قصور).

و إلاّ، فهل أحدٌ غیر الله أعطى الآخرین القصور والبساتین؟ من غیر الله خلق جمیع هذه النعم والجمال فی هذا العالم؟ تُرى أیستحیل على الله القادر المنّان أن یجعل لک أفضل من هذه القصور والبساتین؟!

لکنّه لا یرید أبداً أن یعتقد الناس أنّ مکانتک مردُّها المال والثروة والقصور، ویکونوا غافلین عن القیم الواقعیة، أنّه یرید أن تکون حیاتک کالأفراد العادیین والمستضعفین والمحرومین، حتى یمکنک أن تکون ملاذاً لجمیع هؤلاء ولعموم الناس.

أمّا لماذا یقول قصوراً وبساتین أفضل ممّا أراده اُولئک؟ فلأن «الکنز» وحده لیس حلاّل المشاکل، بل ینبغی بعد مزید عناء أن یستبدل بالقصور والبساتین، مضافاً إلى أنّهم کانوا یقولون: لیکن لک بستان یؤمن معیشتک، أمّا القرآن فیقول: إنّ الله قادر على أن یجعل لک قصوراً وبساتین، لکن الهدف من بعثتک ورسالتک شیء آخر.

ورد فی «الخطبة القاصعة» من «نهج البلاغة» بیان معبر وبلیغ: هنالک حیث یقول الإمام(علیه السلام): «... ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون(علیهما السلام) على فرعون وعلیهما مدارع الصوف وبأیدیهما العصی فشرطا له إنْ أسلم بقاء ملکه ودوام عزّه فقال: «ألا تعجبون من هذین یشرطان لی دوام العز وبقاء الملک وهما بما ترون من حال الفقر والذل، فهلاّ اُلقی علیهما أساورة من ذهب، إعظاماً للذهب وجمعه، واحتقاراً للصوف ولبسه. ولو أراد اللّه سبحانه بأنبیائه حیث بعثهم أن یفتح لهم کنوز الذُهبان، ومعادن العقیان، ومغارس الجنان، وأن یحشر معهم طیور السماء ووحوش الأرض لفعل، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء، واضمحلت الأنباء، ولما وجب للقابلین أجور المبتلین، ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنین، ولالزمت الأسماء معانیها، ولکن الله سبحانه جعل رسله اُولی قوّة فی عزائمهم، وضعفة فیما ترى الأعین من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعیون غنىً، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذىً.

و لو کانت الأنبیاء أهل قوة لا تُرام وعزّة لا تُضام، وملک تمتد نحوه أعناق الرجال، وتشدُّ إلیه عُقد الرحال، لکان ذلک أهون على الخلق فی الاعتبار وأبعد لهم فی الإستکبار، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم، فکانت النیّاتُ مشترکة والحسنات مقتسمة، ولکن الله سبحانه

أراد أن یکون الإتباع لرسله والتصدیق بکتبه والخشوع لوجهه والإستکانة لأمره والإستسلام لطاعته، أموراً له خاصّة لا تشوبها من غیرها شائبة. وکلما کانت البلوى والاختبار أعظم کانت المثوبة والجزاء أجزل».(2)

و الجدیر بالذکر أنّ البعض یرى بأنّ المراد بالجنّة والقصور، جنّة الآخرة قصورها، لکن هذا التّفسیر لا ینسجم مع ظاهر الآیة بأی وجه.(3)


1. کثیر من المفسّرین اعتبروا (الامثال) هنا بمعنى (التشبیهات) لکنّهم لم یوضحوا هنا ما هی التشبیهات التی قدمها المشرکون، وبعض آخر اعتبر (الأمثال) هنا بمعنى (الصفات)، لأن أحد معانی (المثل) ـ طبقاً لما قاله الراغب فی المفردات هو (الصفة)، فالمقصود هنا هی الصفة الواهیة التی لا أساس لها، ذلک لأن ما فی صدر وذیل الآیة القرآنیة أعلاه یدل على هذا المعنى، فمن جانب یقول بعنوان التعجب: انظر آیة أمثال ضربوا؟ ومن جانب آخر یقول: الاوصاف التی تؤدّی إلى ضلالهم الذی لا هدایة بعده.
2. نهج البلاغة، الخطبة 192.
3. وکذلک الذین قالوا: إنّ المقصود هو جنات الدنیا وقصور الآخرة، فالفعلان الماضی والمضارع (جعل ویجعل) اللذان فی الایة، ینبغی ألا یکونا باعثاً على هکذا وهم أیضاً، لأنّنا نعلم طبقاً لقواعد الأدب العربی، أن الأفعال فی الجملة الشرطیة تفقد مفهومها الزمانی (جوامع الجامع، ج 2، ص 26).
سبب النّزول سورة الفرقان / الآیة 11 ـ 16
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma