لقد وعدالله المؤمنین ذوی الأعمال الصالحة بالإستخلاف فی الأرض وتمکینهم من نشر دینهم وتمتعهم بالأمن الکامل، فما هی خصائص هؤلاء الموعودین بالإستخلاف؟
هناک اختلاف بهذا الصدد بین المفسّرین: یرى البعض من المفسّرین أنّ الوعد بالإستخلاف خاصّ بأصحاب الرّسول(صلى الله علیه وآله) الذین استخلفهم الله فی الأرض فی عصر النّبی(صلى الله علیه وآله). (ولا یقصد بالأرض جمیعها، بل هو مفهوم یطلق على الجزء والکل).
ویرى آخرون أنّه خاصّ بالخلفاء الأربعة الذین خلفوا الرّسول(صلى الله علیه وآله).
ویرى البعض أنَّ مفهومه واسع یشمل جمیع المسلمین الذین اتصفوا بهذه الصفات.
ویرى آخرون أنَّه إشارة إلى حکومة المهدی (عج) الذی یخضع له الشرق والغرب فی العالم، ویجری حکم الحقّ فی عهده فی جمیع أرجاء العالم، ویزول الإضطراب والخوف والحرب وتتحقق للبشریة عبادة الله النقیة من کلّ أنواع الشرک.
ولا ریب فی أنّ هذه الآیة تشمل المسلمین الأوائل، کما أنّ حکومة المهدی(عج) مصداق لها، إذْ یتفق المسلمون کافة من شیعة وسنة على أن المهدی(عج) یملأ الأرض عَدْلا وقسطاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً.
ومع کل هذا لا مانع من تعمیمها. وینتج من ذلک تثبیت اُسس الإیمان والعمل الصالح بین المسلمین فی کلّ عصر وزمان، وأنَّ لهم الغلبة والحکم ذا الأسس الثابتة.
أمّا قول البعض: إنّ کلمة «الأرض» مطلقة وغیرمحددة، وتشمل کلّ الأرض، وبذلک تنحصر بحکومة المهدی (أرواحنا له الفداء)، فهولا ینسجم مع عبارة (کما استخلف الذین من قبلهم)، لأنّ خلافة وحکومة السابقین بالتأکید لم تشمل الأرض کلها.
وإضافة إلى ذلک فإنّ سبب نزول هذه الآیة یبیّن لنا ـ على أقلّ تقدیر ـ وقوع مثل هذا الحکم فی عصر النّبی(صلى الله علیه وآله) (رغم حدوثه فی أواخر حیاته(صلى الله علیه وآله)).
ونقولها ثانیة: إنّ نتیجة جهود جمیع الأنبیاء والمرسلین حصول حکم یسوده التوحید والأمن الکامل والعبادة الخالیة من أیّ نوع من الشرک، وذلک حین ظهور المهدی(عج)، وهو من سلالة الأنبیاء(علیهم السلام) وحفید النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، وهو المقصود فی هذا الحدیث الذی تناقله جمیع المسلمین عن الرّسول(صلى الله علیه وآله): «لو لم یبق من الدنیا إلاّ یوم لطوّل الله ذلک الیوم حتى یلی رجل من عترتی، اسمه اسمی، یملأ الأرض عدلا وقسطاً کما ملئت ظلماً وجوراً»(1).
وممّا یجدر ذکره هنا قول العلاّمة الطبرسی فی تفسیر هذه الآیة: روی عن أهل بیت رسول الله(صلى الله علیه وآله) حول هذه الآیة: «إنّها فی المهدی من آل محمد»(2).
وذکر تفسیر «روح المعانی» وتفاسیر عدیدة لمؤلفین شیعة عن الإمام السجاد(علیه السلام) فی تفسیر الآیة موضع البحث أنه قال: «هم والله شیعتنا ـ أهل البیت ـ یفعل الله ذلک بهم على یدی رجل منّا، وهو مهدی هذه الاُمة یملأ الأرض عدلا وقسطاً کما ملئت ظلماً وجوراً، وهو الذی قال رسول الله(صلى الله علیه وآله) فیه لو لم یبق من الدنیا إلاّ یوم...».
وکما قلنا، لا تعنی هذه التفاسیر حصر معنى هذه الآیة، بل بیان مصداقها التام، وممّا یؤسف له عدم انتباه بعض المفسّرین ـ کالآلوسی فی روح البیان ـ إلى هذه المسألة، فرفضوا هذه الأحادیث.
وروى القرطبی المفسّر المشهور من أهل السنة عن المقداد بن الأسود عن الرّسول(صلى الله علیه وآله)أنّه قال: «ما على ظهر الأرض بیت حجر ولا مدر إلاّ أدخله الله کلمة الإسلام»(3).
وللحصول على إیضاح أکثر حول حکومة المهدیّ(عج) وشرح أدلتها فی کتب علماء السنة والشیعة، یراجع تفسیر الآیة 33 من سورة التوبة.
1. إحتوى کتاب «منتخب الأثر» على مائة وثلاثة وعشرین حدیثاً بهذا الصدد، من مصادر إسلامیة مختلفة خاصّة السنّیة منها. للإستزادة یراجع هذا الکتاب فی ص 247، ومایلیها.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 152، ذیل الآیة مورد البحث.
3. تفسیر القرطبی، ج 7، ص 4292.
