أضلُّ من الأنعام:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
سورة الفرقان / الآیة 41 ـ 44 1ـ اتباع الهوى وعواقبه الألیمة

الملفت للإنتباه أنّ القرآن المجید لا یورد أقوال المشرکین دفعة واحدة فی آیات هذه السورة، بل أورد بعضاً منها، فکان یتناولها بالردّ والموعظة والإنذار، ثمّ بعد ذلک یواصل تناول بعض آخر بهذا الترتیب.

الآیات الحالیة، تتناول لوناً آخر من منطق المشرکین وکیفیة تعاملهم مع رسول الإسلام(صلى الله علیه وآله) ودعوته الحقّة.

یقول تعالى أولا: (وإذا رأوک إن یتّخذونک إلاّ هزواً أهذا الّذی بعث الله رسول).(1)

وهکذا نجد هؤلاء الکفار یتعجبون! أیَّ إدعاء عظیم یدعی؟ أی کلام عجیب یقول!؟ ... إنّها مهزلة حقّاً!

لکن یجب ألا ننسى أنّ رسول الإسلام(صلى الله علیه وآله)، کان هو ذلک الشخص الذی عاش بینهم أربعین عاماً قبل الرسالة، وکان معروفاً بالأمانة والصدق والذکاء والدرایة، لکنَّ رؤوسَ الکفر تناسوا صفاته هذه حینما تعرضت منافعهم إلى الخطر، وتلقوا مسألة دعوة النّبی(صلى الله علیه وآله)ـ بالرغم من جمیع تلک الشواهد والدلائل الناطقة ـ بالسخریة والإستهزاء حتى لقد اتّهموه بالجنون.

ثمّ یواصل القرآن ذکر مقولات المشرکین فینقل عن لسانهم: (إن کاد لیضلّنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا علیه)(2).

لکن القرآن یجیبهم من عدّة طرق، ففی البدایة من خلال جملة واحدة حاسمة یرد على مقولات هذه الفئة التی ما کانت أهلا للمنطق: (وسوف یعلمون حین یرون العذاب من أضلّ سبیل).

یمکن أن یکون هذا العذاب إشارة إلى عذاب القیامة، کما قال بعض المفسّرین مثل «الطبرسی» فی مجمع البیان، أو عذاب الدنیا مثل الهزیمة المنکرة یوم «بدر» وأمثالها، کما قال «القرطبی» فی تفسیره المعروف، ویمکن أن تکون الإشارة إلیهما معاً.

الملفت للنظر أنّ هذه الفئة الضالة فی مقولتها هذه، وقعت فی تناقض فاضح، فمن جهة تلقت النّبی ودعوته بالسخریة، إشارة إلى أنّ إدعاءه بلا أساس ولا یستحق أن یؤخذ مأخذ الجد، ومن جهة اُخرى أنّه لولا تمسکهم بمذهب أجدادهم، فمن الممکن أن ـ یؤثر علیهم کلام النّبی(صلى الله علیه وآله) ویضلّهم عن ذلک المذهب، وهذا یدل على أنّهم کانوا یعتبرون کلامه قویاً وجدیاً ومؤثراً ومحسوباً، وهذا المنطق المضطرب لیس غریباً عن هؤلاء الأفراد الحیارى اللجوجین.

و کثیراً ما یُرى أنّ منکری الحق حینما یقفون قبالة الأمواج المتلاطمة لمنطق القادة الإلهیین، فإنّهم یختارون اُسلوب الإستهزاء تکتیکاً من أجل توهینه ودفعه، فی حین أنّهم یخالفون سلوکهم هذا فی الباطن، بل قد یأخذوه بجدیة أحیاناً ویقفون ضده بجمیع امکاناتهم.

الجواب القرآنی الثّانی على مقولاتهم ورد فی الآیة التی بعدها، موجهاً الخطاب إلى النّبی(صلى الله علیه وآله) على سبیل المواساة وتسلیة الخاطر، وأیضاً على سبیل بیان الدلیل على أصل عدم قبول دعوة النّبی من قبل اُولئک، فیقول: (أرأیت من اتّخذ إلهه هواه) فهل أنت قادر مع هذا الحال على هدایته والدفاع عنه (أفأنت تکون علیه وکیل).

یعنی إذا وقف اُولئک أمام دعوتک بالإستهزاء والإنکار وأنواع المخالفات، فلم یکن ذلک لأنّ منطقک ضعیف ودلائلک غیر مقنعة، وفی دینک شک أو ریبة، بل لأنّهم لیسوا أتباع العقل والمنطق، فمعبودهم أهواؤهم النفسیة، تُرى أتنتظر أن یطیعک هکذا أشخاص، أو تستطیع أن تؤثر فیهم!؟

أقوال مختلفة للمفسرین الکبار فی معنى جملة: (أرأیت من اتّخذ إلهه هواه):

قال جماعة ـ کما قلنا آنفاً ـ : إنّ المقصود أنّ لهم صنماً، ذلک هو هواهم النفسی، وکل أعمالهم تصدر من ذلک المنبع.

فی حین أنّ جماعة اُخرى ترى أنّ المراد هو أنّهم لا یراعون المنطق بأی شکل فی اختیارهم الأصنام، بل إنّهم متى ما کانت تقع أعینهم على قطعة حجر، أو شجرة جذابة، أو شیء آخر یثیر هواهم، فإنّهم یتوهمونه «معبوداً»، فکانوا یجثون على رکبهم أمامه، ویقدمون القربان، ویسألونه حل مشکلاتهم.

وذکر فی سبب نزول هذه الآیة روایة مؤیدة لهذا المعنى، وهی أن إحدى السنین العجاف مرّت على قریش، فضاق علیهم العیش، فخرجوا من مکّة وتفرقوا فکان الرجل إذا رأى شجرة حسنة أو حجراً حسناً هواه فعبده، وکانوا ینحرون النعم ویلطخونها بالدم ویسمونها «سعد الصخرة»، وکان إذا أصابهم داء فی إبلهم أغنامهم جاؤوا إلى الصخرة فیمسحون بها الغنم والإبل، فجاء رجل من العرب بإبل یریدُ أن یمسح بالصخرة إبله ویتبرک بها، فنفرت إبله فتفرقت، فقال الرجل شعراً:

أتیتُ إلى سعد لیجمع شملنا *** فشتتنا سعد فما نحن من سعدِ

وما سعدِ إلاّ صخرة مستویة *** من الأرض لا تهدی لغیٍّ ولا رشدِ

و مرَّ به رجل من العرب والثعلب یبول علیه فقال شعراً:

وربّ یبول الثعلبانُ برأسه *** لقد ذلَّ من بالت علیه الثعالب(3)التّفسیران أعلاه لا منافاة بینهما، فأصل عبادة الأصنام ـ التی هی ولیدة الخرافات ـ هو اتباع الهوى، کما أنّ اختیار الأصنام المختلفة بلا أی منطق، فرع آخر عن أتباع الهوى أیضاً.

وسیأتی بحث مفصل فی الملاحظات الآتیة، بصدد «اتباع الهوى والشهوات» إن شاء الله.

وأخیراً فإنّ الجواب القرآنی الثّالث لهذه الفئة الضالة، هو قوله: (أم تحسب أنّ أکثرهم یسمعون أو یعقلون إن هم إلاّ کالأنعام بل هم أضلُّ سبیل).

یعنی لا یؤذینک استهزاؤهم ومقولاتهم السیئة وغیر المنطقیة أبداً، لأنّ الإنسان إمّا أن یکون ذا عقل، ویستخدم عقله، فیکون مصداقاً لـ «یعقلون».

أو أنّه فاقد للعلم ولکنّه یسمع قول العلماء، فیکون مصداقاً لـ «یسمعون»، لکن هذه الفئة لا من اُولئک ولا من هؤلاء، وعلى هذا فلا فرق بینهم وبین الانعام، وواضح أنّه لا یتوقع من الأنعام غیر الصیاح والرفس والأفعال اللامنطقیة، بل هم أتعس من الأنعام وأعجز، إذ أن الأنعام لا تعقل ولا فکر لها، وهؤلاء لهم عقل وفکر، وتسافلوا إلى حال کهذه.

المهم هو أنّ القرآن یعبّر بـ «أکثرهم» هنا أیضاً، فلا یعمم هذا الحکم على الجمیع، لأنّه قد یکون بینهم أفراد مخدوعون واقعاً، وحینما یواجهون الحق تنکشف عن أعینهم الحجب تدریجیاً، فیتقبلوا الحق، وهذا نفسه دلیل على أنّ القرآن یراعی الإنصاف فی المباحث القرآنیة.


1. «هزواً» مصدر، وجاء هنا بمعنى المفعول، وهذا الاحتمال وارد أیضاً وهو أن یکون مضافاً مقداراً (مورد هزو)، أیضاً فالتعبیر بـ «هذا» للتحقیر ولتصغیر النّبی(صلى الله علیه وآله).
2. کلمة (إنْ) فی (إنْ کاد لیضلّن) مخففة، للتوکید، وفی تقدیر «إنّه کاد» وضمیرها ضمیر الشأن.
3. تفسیر علی بن إبراهیم، ج 2، ص 114، طبقاً لنقل تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 20.
سورة الفرقان / الآیة 41 ـ 44 1ـ اتباع الهوى وعواقبه الألیمة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma