یستنتج من سبب النّزول أنّ هذه الآیات فی حکم الإستثناء الوارد على حدّ القذف، فلا یُطبق حدّ القذف (ثمانین جلدة) على زوج یتّهم زوجته بممارسة الزنا مع رجل آخر، وتقبل شهادته لوحدها ویمکن فی هذه الحالة أن یکون صادقاً کما یمکن أن یکون کاذباً فی شهادته وهنا یقدم القرآن المجید حلا أمثل هو:
على الزوج أن یشهد أربع مرات على صدق إدعائه (والذین یرمون أزواجهم ولم یکن لهم الشهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنّه لمن الصادقین * والخامسة أنّ لعنت الله علیه إن کان من الکاذبین) وبهذا على الرجل أن یعید هذه العبارة «أشهد بالله إنی لمن الصادقین فیما رمیتها من الزنا» أربع مرات لإثبات إدعائه من جهة، ولیدفع عن نفسه حدّ القذف من جهة اُخرى. ویقول فی الخامسة: «لعنة الله علیَّ إن کنت من الکاذبین».
وهنا تقف المرأة على مفترق طریقین، فإمّا أن تقرّ بالتهمة التی وجهها إلیها زوجها، أو تنکرها على وفق ما ذکرته الآیات التالیة.
ففی الحالة الاُولى تثبت التهمة.
وفی الثّانیة (ویدرءُ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الکاذبین * والخامسة أنّ غضب الله علیها إن کان من الصّادقین). وبهذا الترتیب تشهد المرأة خمس مرات مقابلُ شهادات الرجل الخمس ـ أیضاً ـ لتنفی التهمة عنها. بأن تکرر أربع شهادات «أشهد بالله إنّه لمن الکاذبین فیما رمانی من الزنا» وفی الخامسة تقول «أن غضب الله علیَّ إن کان من الصادقین».
وهذِهِ الشهاداتُ منهما هی ما یسمّى بـ «اللعان»، لاستخدام عبارة اللعن فی الشهادة.
ولیترتب على هذین الزوجین أربعة أحکام نهائیة.
أوّلها: انفصالهما دون طلاق.
وثانیها: تحرم الزوج على الزوجة إلى الأبد، أی لا یمکنهما العودة إلى الحیاة الزوجیة معاً بعقد جدید.
وثالثها: سقوط حدّ القذف عن الرجل، وحد الزنا عن المرأة (وإذا رفض أحدهما تنفیذ هذه الشهادات یقام علیه حَدُّ القذف إن کان الرافض الرجل، وإن کانت المرأة یقام علیها حدّ الزنا.
ورابعها: الطفل الذی یولد بعد هذه القضیة لا ینسب إلى الرجل، وتحفظ نسبته للمرأة فقط.
ولم ترد تفاصیل الحکم السابق فی الآیات المذکورة أعلاه، وإنّما جاء فی آخر الآیة موضع البحث (ولولا فضل الله علیکم ورحمته وأنّ الله توّاب حکیم). فهذه الآیة إشارة إجمالیة إلى تأکید الأحکام السابقة، لأنّها تدل على أنّ اللعانَ فضل من الله، إذ یحل المشکلة التی یواجهها الزوجان، بشکل صحیح.
فمن جهة لا یجبر الرجل على التزام الصمت إزاء سوء تصرف زوجته ویمتنع من مراجعة الحاکم الشرعی.
ومن جهة اُخرى لا تتعرض المرأة إلى حدّ الزنا الخاص بالمحصنة بمجرّد توجیه التهمة إلیها، بل یمنحها الإسلام حق الدفاع عن نفسها.
ومن جهة ثالثة لا یلزم الرجل البحث عن شهود أربعة إن واجه هذه المشکلة، لإثبات هذه التهمة النکراء والکشف عن هذه الفضیحة المخزیة.
ومن جهة رابعة یفصل بین هذین الزوجین ولا یسمح لهما بالعودة إلى الحیاة الزوجیة
بعقد جدید فی المستقبل أبداً، لتعذّر الاستمرارُ فی الحیاة الزوجیةِ إن کانت التهمة صادقة، کما أنّ المرأة تصاب بصدمة نفسیة إن کانت التهمة کاذبة، وتجعل الحیاة المشترکة ثانیة صعبة للغایة ولا تقتصر على حیاة باردة وخاملة، بل ینتج عن هذه التهمة عداء مستفحلٌ بینهما.
ومن جهة خامسة توضح الآیة مستقبل الولید الذی یولد بعد توجیه هذه التهمة.
هذا کله فضل من الله ورحمة مَنَّ بها على عباده، وحل هذه المشکلة بشکل عادل یُعبِّرُ عَنْ لطفِ اللهِ بعبادِهِ وَرَحمته لهم، ولو دققنا النظر فی الحکم لرأینا أنّه لا یتقاطع مع ضرورة وجود شهود أربعة فی هذه القضیة، إذ إنّ تکرار کل من الرجل والمرأة شهادتهما أربع مرات یعوض عن ذلک.
