4ـ روایة «نحن معاشر الأنبیاء لا نورّث»

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 9
3ـ منطق الطیر سورة النّمل / الآیة 17 ـ 19

نقل أهل السنة فی کتبهم المختلفة حدیثاً عن النّبی(صلى الله علیه وآله) مضمونه أنّه قال: «نحن معاشر الأنبیاء لا نورّث، ما ترکناه صدقة».. وربّما نقل الحدیث فی بعض الکتب بحذف الجملة الاّولى والاکتفاء بعبارة: «ما ترکناه صدقة».

وسند هذا الحدیث ینتهی فی کتب أهل السنة المشهورة إلى «أبی بکر» ـ غالباً ـ إذ تولّى بعد النّبی(صلى الله علیه وآله) زمام اُمور المسلمین، وحین طلبت منه سیدة النساء فاطمة(علیها السلام) أو بعض أزواج النّبیّ میراثها منه امتنع عن دفع میراث النّبی(صلى الله علیه وآله) إلیها استناداً إلى الحدیث آنف الذکر.

وقد نقل هذا الحدیث «مسلم» فی صحیحه، الجزء 3 ـ کتاب الجهاد والسیر ص 1379، و«البخارى» فی الجزء الثامن من کتاب الفرائض ص 185، وجماعة آخرون فی کتبهم.

ممّا یلفت النظر أنّ «البخاری» نقل فی صحیحه حدیثاً عن «عائشة» أنّها قالت: «إنّ فاطمة والعباس(علیهما السلام) أتیا أبابکر یلتمسان میراثهما من رسول الله، وهما حینئذ یطلبان أرضیهما من فدک وسهمهما من خیبر، فقال أبوبکر: سمعت رسول الله(صلى الله علیه وآله) یقول: لا نورّث... ما ترکناه صدقة، إنّما یأکل آل محمّد من هذا المال... قال أبوبکر: والله لا أدع أمراً رأیت رسول الله یصنعه فیه إلاّ صنعته «قال» فهجرته فاطمة فلم تکلمه حتى ماتت(1)!.

وبالطبع فإنّ هذا الحدیث فیه مجال للنقد والطعن من جهات متعددة، إلاّ أنّنا نقتصر فی هذا التّفسیر على ذکر مایلی:

إنّ هذا الحدیث لا ینسجم مع نصّ القرآن... ووفقاً للقواعد الأصولیة التی عندنا، أنّ کلّ حدیث لا یوافق کتاب الله ساقط عن الاعتبار، ولا یمکن التعویل على أنّه حدیث شریف من أحادیث النّبی أو المعصومین(علیهم السلام).

ففی الآیات آنفة الذکر، ورد «وورث سلیمان داود» وظاهر الآیة مطلق یشمل حتى الأموال.. ونقرأ فی شأن یحیى وزکریا (یرثنی ویرث من آل یعقوب) «مریم الآیة 6». ولا سیما فی ما یخصّ زکریا، فإن کثیراً من المفسّرین أکّدوا على الاُمور المالیة!.

إضافة إلى ذلک فإنّ ظاهر آیات الإرث فی القرآن المجید عام ویشمل جمیع الموارد.

وربّما کان لهذا السبب أن یفسّر «القرطبی» ـ مضطراً ـ الحدیث على أنّه غالباً ما یکون کذلک، لا أنّه عام، وقال: هذا مثل قولهم: إنّا ـ معشَر العربِ ـ أقرى الناس للضیف، مع أن هذا الحکم غیرُ عام(2).

إلاّ أنّ من الواضح أنّ هذا الکلام ینفی «قیمة هذا الحدیث...» لأنّنا إذا توسّلنا بهذا العذر فی شأن سلیمان ویحیى، فإنّ شموله للموارد الاُخرى غیر قطعی أیضاً.

إنّ الرّوایة المتقدمة تعارض روایة اُخرى تدلّ على أنّ أبابکر صمّم على إعادة فدک إلى فاطمة(علیها السلام)، إلاّ أنّ الآخرین منعوه، کما نقرأ فی سیرة الحلبی: إنّ فاطمة قالت له: من یرثُک؟! قال أهلی وولدی! فقالت: فما لی لا أرث أبی؟ وفی کلام سبط بن الجوزی: إنّه کتب لها بفدک ودخل علیه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: کتاب کتبته لفاطمة بمیراثها من أبیها. فقال: فماذا تنفق على المسلمین، وقد حاربتک العرب کما ترى؟ ثمّ أخذ عمر الکتاب فشقّه(3).

ترى کیف یمنع النّبی(صلى الله علیه وآله) موضوع الإرث وینهى عنه بصراحة، ویجرؤ أبوبکر على مخالفته؟! ولم استند عمر إلى المسائل العسکریة وحاجة المعارک، ولم یستند إلى الروایة؟!

إنّ التحقیق الدقیق ـ فی الروایات الآنفة ـ یدل على أنّ الموضوع لم یکن موضوع نهی النّبی عن الإرث، کما أثاره أبوبکر، بل المهم هنا المسائل السیاسیة آنئذ، وهذه المسائل هی ما تدعونا إلى أن نتذکر مقالة ابن أبی الحدید المعتزلی إذ یقول: سألت أستاذی «علی بن الفارقی»: أکانت فاطمة، صادقةً؟ فقال: نعم. قلتُ: فلم لم یدفع إلیها أبوبکر فدک وهی عنده صادقة؟ یقول: المعتزلی: فتبسم أستاذی، ثمّ قال کلاماً لطیفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلّة دعابته، قال: لو أعطاها الیوم فدکاً بمجرّد دعواها، لجاءت إلیه غداً وإدعت لزوجها الخلافة ولم یمکنه الإعتذار بشیء لأنّه یکون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فیما تدعى کائناً ما کان من غیر حاجة إلى بینّة ولا شهود(4).

الروایة المعروفة عن النّبی الواردة فی کثیر من کتب أهل السنّة والشیعة: «العلماء ورثة الأنبیاء»(5).

وما نقل عنه(صلى الله علیه وآله) أیضاً: «إنّ الأنبیاء لم یورثوا دیناراً ولا درهماً».(6)

یُستفاد من مجموع هذین الحدیثین أنّ الهدف الأساس للأنبیاء نشر العلم، وهم یفخرون به، وأهم ما یترکونه هو الهدایة. ومن یحصل على الحظ الکبیر من العلم والمعرفة فهو وارثهم الأصیل... بصرف النظر عن الأموال التی یرثها عنهم، ثمّ إنّ هذا الحدیث منقول فی المعنى، وعُبّر عنه تعبیراً سیئاً ویحتمل أن یکون (ما ترکناه صدقة) المستنبط من بعض الرّوایات مضاف علیه.

ولکی لا یطول بنا الکلام ننهی کلامنا ببحث للمفسّر المعروف من أهل السنّة «الفخر الرازی» الذی أورده ذیل الآیة 11 من سورة النساء إذ یقول: من تخصیصات هذه الآیة «آیة الإرث» ما هو مذهب أکثر المجتهدین، أنّ الأنبیاء(علیهم السلام) لا یورّثون، والشیعة خالفوا فیه... رُوی أنّ فاطمة(علیها السلام) لما طلبت المیراث ومنعوها منه احتجوا بقوله(علیه السلام): «نحن معاشر الأنبیاء لا نورّث.. ما ترکناه صدقة».. فعند هذا احتجت فاطمة(علیها السلام) بعموم قوله: (للذّکر مثل حظّ الانثیین) وکأنّها أشارت إلى أنّ عموم القرآن لا یجوز تخصیصه بخبر الواحد.

ثمّ یضیف الفخر الرازی قائلا: إنّ الشیعة قالوا: بتقدیر أن یجوز تخصیص عموم القرآن بخبر الواحد، إلاّ أنّه غیر جائز هنا وبیانه من ثلاثة أوجه:

«أحدها»: أنّه على خلاف قوله تعالى حکایة عن زکری(علیه السلام): (یرثنی ویرث من آل یعقوب) «مریم الآیة 6» وقوله تعالى: (وورث سلیمان داوود) قالوا: ولا یمکن حمل ذلک على وراثة العلم والدین، لأنّ ذلک لا یکون وراثة فی الحقیقة، بل یکون کسباً جدیداً مبتدأً، إنّما التوریث لا یتحقق إلاّ فی المال على سبیل الحقیقة.

«وثانیها»: أنّ المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما کان إلاّ فاطمة وعلی والعباس، وهؤلاء کانوا من أکابر الزهاد والعلماء وأهل الدین، وأمّا أبوبکر فإنّه ما کان محتاجاً إلى معرفة هذه المسألة البتة، لأنّه ما کان یخطر بباله أن یرث من الرّسول(صلى الله علیه وآله)، فکیف یلیق بالرّسول(صلى الله علیه وآله) أن یبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إلیها؟ ولا یبلغها إلى من له إلى معرفتها أشدٌّ الحاجة؟!

«وثالثها»: یحتمل أن قوله: «ما ترکناه صدقة» صلة «لا نورث» والتقدیر (الذی ترکناه صدقة) فذلک الشیء (لایُوَرَّثُ).

فإن قیل: لایبقى للرّسول خاصیة فی ذلک!

قلنا: بل تبقى الخاصیة، لاحتمال أنّ الأنبیاء إذا عزموا على التصدّق بشیء فبمجرّد العزم یخرج ذلک عن ملکهم ولا یرثه وارث عنهم، وهذا المعنى مفقود فی حق غیرهم!

والجواب: أنّ فاطمة رضیت بقول أبی بکر بعد هذه المناظرة، وانعقد الإجماع على صحة ما ذهب إلیه أبوبکر! الخ(7).

إلاّ أنّ من الواضح أنّ جواب الفخر الرازی لا یناسب الاستدلالات السابقة، لأنّه کما ذکرنا آنفاً ونقلناه عن المصادر المعتبرة عند أهل السنّة... فإنّ فاطمة  لا  أنّها لم ترض بکلام أبی بکر فحسب، بل ظلّت واجـدةً و«غاضبة» علیه، فلم تکلمه حتى آخر عمرها سلام اللّه علیها!

ثمّ بعد هذا کلّه کیف یمکن أن یدّعی الإجماع فی هذه المسألة، مع أنّ علیّاً وفاطمة(علیهما السلام)والعباس وأضرابهم الذین تربّوا فی مهبط الوحی ومرکزه، کانوا مخالفین لهذا الرأی؟!


1. صحیح البخاری، ج 8، ص 185.
2. تفسیر القرطبی، ج 7، ص 4880، ذیل الآیات مورد البحث.
3. سیرة الحلبی، ج 3، ص 391.
4. شرح نهج البلاغة، لابن أبی الحدید، ج16، ص284.
5. صحیح الترمذی، (باب العلم)، ح 19، وسنن ابن ماجة، مقدمة ح 17.
6. أصول الکافی، ج 1، (باب صفة العلم)، ح 2.
7. التفسیر الکبیر، ج 9، ص 210.
3ـ منطق الطیر سورة النّمل / الآیة 17 ـ 19
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma